هذا التســاؤل ليس قضية جديدة، بل قديمة، يتكرر طرحها، وتجد الفريق الذي يتحجج بها يحاول فصل الاثنين لغاية في نفسه.
هذا الفريق الذي يتعلل دائما بأن «الإيمان في القلب» ولا علاقة للمظاهر به! ووصل الأمر إلى قذف مظاهر الدين بالمراءاة، والتشكيك فيمن يلتزم بها!
هذا الفريق يكــيل بمكيالين، فهو تارة يقول: لا تحكموا على الأشخاص من مظــهرهم، ويحكم على الملتزمين تــارة أخرى! يقول: كم منفلت في صدره يقين وخشية ولعله لله أقرب، وينظر إلى الملتحي شزرا ويقول: الله وحده أعلم ماذا يصنع في الخفاء! ويشكك في المحجبة على أن لديها مخالفات شرعية أو أخلاقية ولا فائدة من حجابها!
فــي الحقيقــة هذا مقيــاس باطل، فمسألة الأخلاق ليست حجة على عدم أهمية الحجاب وغيره من المظاهر والممارسات. هذا الدين شمولــي، يهتم بالمظهر والجوهر، بالروح والجسد، بالماديات والمعنويات، بالدنيا والآخرة. ثم إنه يشدد على حسن الظن في الآخرين، ويدعو إلى التناصح في الخير، وينهى عن تتبع عورات الناس وعن تزكية النفس. يؤكد على أن المؤمنين إخوة، وكل مسلم في جهاد مع نفسه، ويوصى صلى الله عليه وسلم بأن نسأل الله العافية والثبات، ونستغفر ولا نجاهر بالمنكر ولا نتباهى بالصلاح. كلنا مقصرون، ومعرضون للزلل وقد لا نوفق في بعض قناعاتنا، لكننا أيضا لا نمارس دور الوصاية علــى أحد، والتذكرة الحسنة تشمل أي أحد.
«الإيمــان ما وقر في القلب وصدقه العمل»، فالإيمان يعقد في القلب، يستقر به ويتملكه، ثم يفيض هذا اليقين على الجوارح ويؤكده السعي. تلك حقيقة منطقية أزلية، إذ لن يعمل المرء ويفني أيامه في أمر لا يعنيه أو يناقضه، إنما سيداوم على ما يؤمن به ويمثله، فديننا عملي، حيوي. أخبرني بعقيدة تتلقف الإنسان هكذا؟ أي دين يلقن أفراده ماذا يقولون قبل النوم؟ قبل الخروج من المنزل؟! الأدعية والأذكار تتخلل مختلف أنشطتنا على مدار اليوم، فضلا عن الصلوات الخمس، ثم النوافل والتطوع، وأعمال البر الكثيرة، وصولا إلى مواسم الطاعات كشهر رمضان والعشر الأول من شهر ذي الحجة. لو لم يكن ديننا عمليا بحتا لما وجدت كل هذه «التطبيقات»، فشأني ليس أن أراقبك ولا أحاسبك، إنما أنبهك الى المقارنات الباطلة، فانشغل بما هو خير للخاصة والعامة، واترك عنك الازدواجية والتبرير.
[email protected]