من التدبرات القرآنية التي تفتح على المؤمن بصيرته وتزيده تثبيتا وإيمانا ويقينا رقم «132» في القرآن الكريم، حيث إنه إشارة للعلاقة الوطيدة بين الصلاة والتعقل في القلب.
حيث سبق أن نشرت مقالا بعنوان: «أعظم آية تربوية في القرآن الكريم» مع بيان أبعادها التربوية والنفسية والاجتماعية على الفرد، والكامنة في سورة طه آية 132 في قوله تعالى: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر علــيها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى).
كما أنني شرحت في المقال كيف أن الصلاة عامل تربوي لعدة أمور منها: «أنها عمود الدين ـ وناهية عن الفحشاء والمنكر ـ واحسان كبير ـ وسبيل لبر الوالدين ـ وأهم ما يميزها أنها دالة على الإخلاص»، فالصلاة نموذج مصغر للنظام الكوني والحياة الإنسانية في جميع جوانبها، والصلاة عبادة وتربية وقيم وأدب ورقي وأخلاقيات يكتسبها الفرد في حال إخلاصه ليرتقي بها لصفات المؤمنين الحقة.
كما أنها عادة وعبادة تربي النفس إن تزامنت مع التكرار، وهي عملية نظامية تكفل أرقى الشخصيات وأفضلها على الإطلاق.
كما أن عملية التكرار صناعة نفسية لصقل العقل الباطن والذي هو محور المقال، فالقلب مقر التعقل وهو العقل الباطن المتحكم بسلوكيات الفرد بشكل كبير، وقد تم تكرار كلمة القلب في القرآن الكريم «132» مرة، فعدد تكرار القلب ورقم الآية الكريمة لهما علاقة وطيدة في بيان أمور مهمة:
٭ أن القرآن به من المتشابهات التي تهدي للحقائق وتثبتها.
٭ وأن القرآن منظم تنظيما دقيقا إعجازيا للعقل البشري، فلايزال الانسان ـ رغم الطفرة المعلوماتية المتجددة التي يشهدها اليوم في عصره هذا ـ يجهل الكثير، ولايزال اكتشاف واثبات الحقائق من خلال القرآن الكريم قائما إلى يوم يبعثون.
٭ وأن الصلاة مرتبطة بالتعقل والذي محله القلب وليس العقل، في قوله تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ـ الحج: 46).
وكما ذكرت سلفا في مقالة سابقة أيضا أن مركز التعقل هو القلب، فإن كانت عملية التكرار بأمر الأهل بالصلاة متقنة بإحسان كبير يشمل جميع الأخلاقيات المنحصرة في الاتزان العاطفي والانفعالي للمرسل والمتلقي، فإنها تغرس برقي وانتظام من خلال الصناعة النفسية للفرد من خلال عملية التكرار، فيعزز السلوك الإنساني في صناعة الصحة النفسية للفرد في بناء عقل باطن قائم على خبرات حياتية ذات قيمة أخلاقية عالية، وعلية فإن القلب مركز العقل الذي يكون به الإدراك والتمييز، وذلك عن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله: ألا وهي القلب» (رواه البخاري).
الخلاصة: إن رقم 132 لآية في سورة طه مرتبط ارتباطا وثيقا بعدد تكرار ذكر القلب 132 مرة في القرآن الكريم، وذلك إشارة إلى أهمية الأمر المتكرر للصلاة وعلاقته بالقلب، فلا صلاة لمن لم يكن قلبه حيا، أي يقظا بذكر الله، فيرتقي الفرد بعبادة الله عز وجل، ليحافظ على ذلك السلوك بإخلاص شديد (الذين هم في صلاتهم خاشعون)، ويحافظ عليه وقتيا (والذين هم على صلواتهم يحافظون) سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.
Lines_title@