في هذا العالم الفسيح الذي ينتشر فيه البشر على اختلاف لغاتهم وتوجهاتهم ودياناتهم ومعتقداتهم، هناك ثوابت رئيسيه يتشابهون فيها من ناحية العلاقة بين بعضهم البعض، سواء على مستوى العائلة والأسرة أو على مستوى المعارف والعلاقات الخارجية في العمل وفي المدرسة والشارع. فهناك الأب والأخ والقريب والزميل والصديق وغيرهم، الا أن ما يهمنا هنا هو الصديق فهو المحور والأساس الذي يدور حوله موضوعنا لأنه يعبر عن مصطلح واسع جدا ويعرفه الآخرون بأشكال وأساليب مختلفة.
ان الصديق ليس بالضرورة ان يكون شخصا غريبا او بعيدا عنك، ربما يكون والدك أو أخوك صديقك في الوقت نفسه، وربما يكون العكس، فصديقك البعيد عن محيط العائلة قد يكون أحيانا بالنسبة لك اقرب من ذوي القربى، بمعنى ان الصديق الحقيقي هو الذي يعيش كأنه بداخلك او جزء منك يشعر بأفراحك واحزانك وهمومك بمجرد رؤيتك او سماع صوتك، يستطيع ان يحكم عليك ويبادر بالسؤال قبل ان تتكلم او تشرح له ما بداخلك. أما الشخص الذي ترافقه في السفر بالصدفة او تزامله بالعمل أو الدراسة فهذا ليس بصديق. وموضوع الصداقة لو تبحرنا به سيكون اكبر من ذلك بكثير، فاليوم في زمن السرعة والتكنولوجيا والرفاهية انكمشت العلاقات وأصبحت فاترة وعلى نطاق ضيق مما جعل الصداقة عملة نادرة، وهذا لاشك انه امر خطير سيسبب الجفوة بين الناس ويخلق معه امراض نفسية كالقلق والاكتئاب والوحدة والانعزال للعديد من البشر، لأنهم فقدوا من يشعر بهم ويستمع لشكواهم ويحاول إيجاد الحلول المناسبة لها، وذلك لأن الإنسان بطبيعته بسيط مهما ادعى القوة والصلابة امام المصاعب والظروف التي تواجهه.
فهو في الحقيقة من الداخل يبقى ضعيفا حتى لو تظاهر بغير ذلك، لأنه بالنهاية عبارة عن كتلة من المشاعر والاحاسيس من السهل كسرها واختراقها، ان الكثير من قصص التراث والموروث الشعبي تحدثت عن الصديق الصدوق والأمين وربطت معظم الفضائل والتصرفات الحسنة والمواقف الشجاعة في ذلك الصديق. ويقول المثل «لو خليت خربت» ونحن لا نود ان نلقي باللوم على زمننا هذا، فالصديق موجود وغير مفقود، ومن يجده عليه أن يحاول ألا يخسره، لأنه بالفعل لن يتكرر ولن يعوض.
[email protected]