في أوائل الثمانينيات وعندما كان جهاز الفيديو وعرض الأفلام في البيوت عبارة عن ترف، انتشر عندنا فيديو لمسرحية فكاهية سياسية ذات طابع خاص جدا وهي مسرحية: كأسك يا وطن للفنان دريد لحام وكانت من أروع وأجمل ما كتب الكاتب السوري محمد الماغوط وبتفرد عبقري للمخرج خلدون المالح، رحمهم الله، ولم نكن نمل من مشاهدتها لجمالها ولعدم توافر الكثير من البدائل أيضا آن ذاك.. كم كانت جميلة وقوية فهي تضحكك وتبكيك على حال الوطن العربي في الوقت نفسه، والغريب في الأمر هو الدور الرئيسي لدريد في دور غوار الذي اعتدنا عليه بالأدوار المضحكة والمقالب الكوميدية مع الراحل الفنان إحسان قلعي ،رحمه الله، أما هنا فهو مواطن شريف وناقد وجاد بطرح الأفكار السياسية المقلقة للسلطة بكل جلافة دون خوف، وكان يقدم العمل الفني بصورة لو قدمت عندنا الآن على شكل تغريدات في ظل القوانين الإعلامية الجديدة لاتهم بالإخلال بالنظام العام ولحبست حريته نظرا لتجرؤه على القانون!، كم كان يصول ويجول بتهكم وانتقاد واضح للنظام الحاكم آن ذلك في سورية ويثخن في العرض والضرب في أعمق المكامن للنظام، ولم أفهم أنه جريء جدا إلا عندما زرت تلك البلاد لاحقا ولمست كيف يتعامل النظام مع الشعب وكيف تسير الأمور هناك ولا أوضح من عرض الحياة اليومية لسورية من مسلسل ولادة من الخاصرة للرائع الكاتب سامر رضوان، عموما وبعد الكثير من الخبرة في التعاطي مع هذا العالم تدرك أن غوار لم يكن إلا أداة في يد السلطة ولم يكن إلا مؤديا لدور البطل لا البطل نفسه، وكل العملية من إظهار دور البطولة هذا.. ما هو إلا للتنفيس عن المواطن المظلوم والمضطهد لكي لا ينفجر، أي أنه مسمار تنفيس لا أكثر ولا أقل، ألا يذكركم هذا الكلام بالكثيرين من غواري الطوشة الجدد عندنا، فها هم يستعرضون في الندوات السياسية بطولاتهم الكلامية وقوانينهم الشفهية للدفاع عن الوطن والمواطن وكأس الوطن.
يستعرض بعض العاملين والمستفيدين من السياسة عندنا - السياسيين إن صح التعبير -الذي انطفأت عنهم الأنوار وانقطع المد السياسي الحقيقي عنهم بل وذبل الكثير من الحياء في وجوههم ما يعيب دائما وحالهم كحال الشاعر الذي يقول:
شر الورى من بعيب الناس مشتغل
مثل الذباب يراعي موضع العلل
المهم في الأمر أن يفهم الناس أن الكثير من هؤلاء ليسوا أبطالا أبدا، فالأبطال الحقيقيون هم من يثقفون الناس ويقدمون لهم مادة إعلامية تنفعهم، والبطل الحقيقي وخصوصا من كان يملك كاريزما وحضورا جيدا كبعض الغواريين الجدد أن يبين الحق ويذكره ويبين الباطل ويذكره، لا أن يقدم مادة إعلامية مشوهة لا تسمن ولا تغني من فكر، وكأن الدولة والحكومة عدو حقيقي متربص بنا، وعلينا الحذر والحرص منه وهذا غير صحيح، ونحن نعلم لم يتم هذا الطرح وبهذه الصورة لا لشى ولكن لغاية في نفس غوار لا أكثر، اعلم يا أخي غوار أن البطل الحقيقي من يتقدم إلى الموت في سبيل وطنه دون انتظار كلمة مدح من أحد، ومن المستحيل ان يكون مسمار تنفيس لا أكثر ولا أقل كحال الكثير منكم للأسف.
[email protected]