قضية مؤرقة بالنسبة لي أعانيها منذ زمن، وأرى أنه من الواجب الأخلاقي أن أعرضها لكم للنظر والاطلاع، ألا وهي قضية أو فئة ما يسمون بالنخبة الفكرية أو «المثقفين العرب».
***
عندما نستعرض تاريخهم لا نكاد نجد من طابق كلامه أفعاله منهم إلا من رحم الله، وللأسف فإن من ينطبق عليه مقولة «إلا من رحم الله» من أفراد هذه الفئة قليل جدا، أما البقية الباقية منهم فما هم سوى «إنشائيين عرب» كما أسميتهم أنا ماهرين في التعبير والإنشاء وصف الكلام ورص مترادفاته ومحسناته البديعية (هذرلوجيين) لا يعدو كون ما يدعونه من أفكار نضالية ونزعات تحررية وانعتاقية سوى ثرثرة أو فضفضة أو مجرد فض مجالس ليلية، كلامهم كلام ليل مدهون بزبدة الادعاء والتسلق والنجومية والرمزية المصطنعة للفت انتباه متعهدي الباطن والمقاولين الحكوميين المتخصصين باكتشاف الأقلام والأزلام المأجورة.
***
نعم، فالكلام إن لم تسنده أفعال مطابقة له ومساوية له بالقوة فإنه لا يزيد على مجرد أحلام رعاة أو همهمات جوارٍ لا تسمن ولا تغني من جوع، بل إنه في بعض المواضع يعد جريمة خطيرة جدا.. نتائجها دراماتيكية وعكسية تماما.
***
مهما حاول البعض التبرير لهم والقول بأن ما يقومون به من نفاق وشقاق إنما هو من باب «أضعف الإيمان»! وأقول: إن اضعف الإيمان هو السكوت، فليسكتوا ويجلسوا إلى أهليهم وأشباههم ولا يسفسطوا علينا ويدعون ما لم يكن بهم وما لن يستطيعوه ولا يمارسون الإقدام الزائف وبيع الأحلام وتسويق الخداع للشعوب الباحثة عن الحلول والتائقة للصدق، ولا يقدمون شعوبهم لقمة سائغة على موائد اللئام من مثخني جيوبهم الانتهازية وأرصدتهم المتضخمة بأموال السحت.
***
أوضاع هذه الشرذمة العالة على مجتمعاتها لا تحتاج إلى الأدلة والشواهد على ذلك؛ لأنه «من المعضلات توضيح الواضحات»، ولكن هناك مشهدا واحدا يكفي عما عداه لكشفهم، وهو انه عندما تلتفت لهم الشعوب بوقت الأزمات لا يجدونهم، أو بكل أسف يجدونهم بأحضان الفاسدين والمتنفذين، وهذا ما يشكل نكسة نفسية وإحباطا وانعداما للتوازن وللثقة لدى الشعوب.
ورغم تخذيلهم لمجتمعاتهم يريدون القيادة، ولكن هيهات أن يقود من كان بوقت الأزمات بالمؤخرة ولا يتواجد بالمقدمة إلا بوقت كسب الغنائم.
***
دائما هذه الفئة يفضلون الأماكن المظلمة ولا يعملون بالعلن أو تحت الأنوار الكاشفة، لا يستطيعون المناظرة أو المكاشفة أو المواجهة، يكرهون النقد ولا يطيقونه، هم منافقو كل زمان ومكان بل إنهم أخطر أنواع المنافقين ويمارسون أخطر أنواع النفاق فلو رأوا الحق حقا في أي جانب لا يؤيدونه علانية، مراعاة لسخط فريقهم أو لحنقهم على من عرتهم مواقفه الصلبة التي تدعو للمواجهة وكشفت مواقفهم الجوفاء وللهشة والانهزامية، لا يعلنون تأييدهم للمواقف الصحيحة؛ لأنها بطبيعة الأشياء عكس مواقفهم لا يفعلون هذا خوفا من «معازيبهم» أو حرصا على تقاطعاتهم ومصالحهم.
الكلام فيهم كثير، ولكنني تحديدا في فمي موس وماء معا، هناك بعض المواقف يفضل فيها عدم تجريد السيوف لأنك ستجرح يدك أول من تجرح.
وهناك بعض المعارك مهما كانت حقه ومستحقه فإن ربحك لها يعد خسارة لنفسك.
وللمفارقة العجيبة فإن هناك معارك بخسارتك أو تركك لها تكسب نفسك واحترام الآخرين.
[email protected]
hammad_alnomsy@