ساد الغضب واليأس في العراق أمس غداة حريق مروع اندلع في مستشفى بمدينة الناصرية في جنوب العراق وذهب ضحيته أكثر من 92 شخصا عددهم مرشح للارتفاع، مسلطا الضوء مجددا على سوء الإدارة الحاصل في قطاع الصحة في البلاد بعد شهرين ونصف الشهر على مأساة مماثلة وقعت في بغداد.
وأعلن رئيس الوزراء العراقي القائد العام للقوات المسلحة العراقية مصطفى الكاظمي فجر امس الحداد الرسمي، وقرر خلال اجتماع طارئ لعدد من الوزراء والمسؤولين والقيادات الأمنية، البدء بتحقيق حكومي عالي المستوى للوقوف على الأسباب.
وعلى اثر الحادث، قدم مدير صحة محافظة ذي قار العراقية صدام صاحب الطويل امس استقالته إلى وزير الصحة والبيئة.
وكتب الطويل في وثيقة بخط يده موجهة إلى وزير الصحة «في هذه اللحظات المؤلمة أقدم استقالتي، إيمانا بأن حياة الناس أهم من المنصب، لكن كان للقدر مشيئته في هذا الحادث الأليم».
من جهته، أكد رئيس العراق برهم صالح امس أن فاجعة المستشفى في ذي قار نتيجة الفساد المستحكم وسوء الإدارة.
وقال صالح، في تغريدة على تويتر، ان «فاجعة مستشفى الحسين في ذي قار، وقبلها مستشفى ابن الخطيب في بغداد، نتاج الفساد المستحكم وسوء الإدارة الذي يستهين بأرواح العراقيين ويمنع إصلاح أداء المؤسسات».
وشدد الرئيس العراقي على أن التحقيق والمحاسبة العسيرة للمقصرين هو عزاء أبنائنا الشهداء وذويهم، لافتا إلى أنه «لابد من مراجعة صارمة لأداء المؤسسات وحماية المواطنين».
وقضى ما لا يقل عن 92 شخصا في النيران التي أتت على وحدة لمرضى «كوفيد ـ 19» تضم 70 سريرا في مستشفى الحسين في الناصرية مساء أول من أمس وأصيب نحو 100 شخص.
وتحولت أسقف وجدران تلك الوحدة، التي أنشئت قبل أشهر قليلة بجوار المستشفى، الى ركام تغطيه آثار الدخان، واحتاجت فرق الإطفاء إلى ساعات لإخماد الحريق.
وكان المشهد في المكان مؤلما بعد منتصف ليل اول من امس، مع ملابس وأغطية متناثرة. وقد توجه إلى المكان متطوعون من السكان محاولين إنقاذ المرضى وإخلائهم بين ألسنة اللهب.
وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو مؤلمة، أحدها لشرطي يذرف الدموع بعدما انهار عند سماعه بوفاة اثنين من أقاربه في الحريق.
وشهدت محافظة ذي قار وعاصمتها مدينة الناصرية صباح امس مواكب تشييع لضحايا قضوا في الحريق.
وتم في أحد هذه المواكب تشييع ست ضحايا من عائلة واحدة، هم امرأتان وثلاثة اشقاء وابن عمهم، في قضاء الدواية شرق الناصرية، على ما افادت وكالة «فرانس برس».
وقال مصدر في دائرة الصحة في المحافظة ان الحريق نجم عن انفجار اسطوانات أكسجين، وإذا صحت هذه المعلومات تكون هذه المأساة نسخة طبق الأصل عن تلك التي وقعت في مستشفى ابن الخطيب في بغداد في نهاية أبريل الماضي ونجمت أيضا عن سوء تخزين اسطوانات الأكسجين التي يستخدمها مرضى «كوفيد ـ 19».
وأثارت الكارثة ردود أفعال غاضبة على الفور، فخرج مئات أمام مستشفى الناصرية وهم يهتفون «السياسيين حرقونا»!
وتعالت صيحات المحتجين متهمة المسؤولين بالفساد والإهمال وضعف الأمن في رد فعل مماثل تخلل تظاهرة خرجت عقب حريق وقع قبل شهر ونصف الشهر في مستشفى ابن الخطيب الخاص بمرضى كورونا في بغداد.
وتجددت الاحتجاجات في مدينة الناصرية صباح امس وأغلق خلالها السكان طرق مؤدية إلى الكثير من المستشفيات وعلقوا لافتات كتب عليها «مغلق بأمر الشعب»، مطالبين بنقل المرضى إلى مستشفى تركي جديد يضم 500 سرير تولت تركيا بناءه بأموال عراقية وافتتحه الكاظمي في يونيو، لكنه مازال غير مستخدم حتى الآن.
وتعاقبت ردود وبرقيات التعازي للمسؤولين العراقيين، حيث أعربت وزارة الخارجية السعودية عن خالص تعازيها وصادق مواساتها لحكومة العراق وشعبه، واكدت الوزارة في بيان وقوف المملكة وتضامنها التام مع العراق والشعب العراقي في هذا المصاب الجلل.
بدوره، أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط عن خالص تعازيه ومواساته للعراق حكومة وشعبا، داعيا المولى عز وجل أن يتغمد الضحايا بواسع رحمته وأن يحفظ العراق وشعبه من كل مكروه.