يقدر خبراء أن قرار الرئيس التونسي قيس سعيد تجميد أعمال البرلمان لثلاثين يوما وتولي السلطة التنفيذية بنفسه، من شأنه أن يدخل البلاد في المجهول وأن استمرار مسار الديموقراطية رهن بالوقت الذي ستستغرقه التدابير الاستثنائية.
في العام 2019، أنتخب قيس سعيد المستقل ولم يكن يملك خبرة رجل السياسة. ودخل منذ ستة أشهر في خلافات حادة مع رئيس حزب النهضة ذي المرجعية الإسلامية راشد الغنوشي وهو أيضا رئيس البرلمان الذي تملك النهضة فيه أكبر كتلة برلمانية تضم 53 نائبا من أصل 217. تواصل الخلاف في ظل غياب حوار سياسي بين الأطراف السياسية في البلاد. واندلعت الأحد الماضي احتجاجات في عدد من الولايات ضد حكومة هشام المشيشي الذي تدعمه النهضة على خلفية سوء إدارة الأزمة الصحية وارتفاع عدد الإصابــات والوفيـــــات بكوفيد-19. ليلا وإثر اجتماع مع قيادات أمنية وعسكرية، أعلن سعيد إعفاء المشيشي وتجميد أعمال البرلمان.
تواترت في المدة الأخيرة دعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمجموعات غير معروفة تنادي بحل البرلمان وتغييره وبمرحلة انتقالية جديدة وفتح المجال للجيش للتدخل وبقاء سعيد في الرئاسة.
بالاضافة إلى ذلك تنامت لدى الرأي العام في تونس مشاعر الامتعاض والغضب من سوء إدارة الأزمة الصحية في البلاد.
وكانت صور المشيشي الذي كان يقضي عطلة نهاية الأسبوع رفقة عدد من الوزراء في منطقة القطرة الساحلية، الشرارة التي اشعلت الغضب بعد تصاعد نداءات الاستغاثة من قبل الأطقم الطبية في المستشفيات ونفاد الأكسجين فيها.
فاقمت الأزمة الصحية من تأزم الوضع الاجتماعي في البلاد بعد أن عجزت الحكومات المتعاقبة من اجراء الاصلاحات الاقتصادية اللازمة التي تضمن العيش الكريم للمواطنين.
كما أن تونس المثقلة بالديون والتي تكبد قطاع السياحة فيها خسائر كبيرة تفاوض حاليا من أجل برنامج دعم رابع من صندوق النقد الدولي يمتد على 10 سنوات.
وإن كان سعيد يحظى بشعبية واسعة لدى التونسيين، غير أن أصوات محتجة انتقدته لعدم اتخاذ قرارات ملموسة في مواجهة الأزمة الصحية.
ويرى المحلل السياسي سليم الخراط أن «القرارت التي اتخذها سعيد غير دستورية» وأن «الفصل 80 يؤكد على أن يبقى البرلمان مفتوحا ولكنه فعل عكس ذلك».
وفي تقدير رئيس تحرير موقع «المشكال» فاضل علي رزا «هناك تجميع للسلطات» بين أيدي الرئيس ولكن «يبقى أن نعرف ما اذا كان ذلك مؤقتا أم سيتواصل».
ويستمر تجميد أعمال البرلمان 30 يوما وللمحكمة الدستورية أن تقدر اثر ذلك استمرارية القرارات أو تعليقها. ولكن ومنذ إقرار دستور 2014 لم يتمكن البرلمان من انتخاب أعضاء المحكمة وذلك بسبب التجاذبات السياسية الحادة.
ويؤكد الخراط أن «من المبكر القول إن ذلك يمثل ما يمكن تسميته صدمة كهربائية ايجابية وهناك خطر جدي من الانحراف نحو شكل من نظام استبدادي».
يعتمد سعيد كما فعل منذ وصوله إلى الحكم على الجيش. كما دعم الاتحاد العام لتونسي للشغل (المركزية النقابية) قراراته ودعا إلى مواصلة المسار الديموقراطي الذي انطلق في العام 2011.
ويوضح الخراط «يجب معرفة ما اذا شرع سعيد في مفاوضات او أنه سيواصل باتخاذ قرارات من جانب واحد».
ويؤكد المحلل في منظمة الأزمات الدولية مايكل العياري «هناك هدف لإعادة ترميم فاعلية الدولة ولكن يجب ضمان إشراك عدد كبير من الفاعلين.. نحن في المجهول مع وجود خطر حدوث انحرافات قد تتخذ طابعا داميا».
فقد هاجم محتجون في عدد من مناطق البلاد مكاتب حزب النهضة وأضرموا النيران فيها كما تواجه أنصار الحزب مع أنصار سعيد وتبادلوا الرشق بالحجارة أمام البرلمان.
ويضيف علي رزا «حاولت النهضة تعبئة أنصارها وهم يدركون أنه لا فائدة في الدفع نحو العنف لأن نتائج ذلك كانت في أكثر الأحيان عكسية».