وسط ترقب محلي ودولي لمآل التطورات في تونس وخارطة الطريق التي طالبت قوى المجتمع المدني الرئيس قيس سعيد بوضعها، أعلن القضاء التونسي أنه فتح تحقيقا مع أكبر حزبين في البرلمان، اللذين اتهما الرئيس بتنفيذ انقلاب على الشرعية حين جمّد عمل البرلمان وأقال حكومة هشام المشيشي.
وأضاف القضاء ان التحقيق بدأ قبل 10 أيام من اتخاذ الرئيس للخطوات الأخيرة.
ونقلت «رويترز» عن مصدر قضائي أن القضاء التونسي فتح تحقيقا بشأن 3 أحزاب سياسية بينها حزبا النهضة وقلب تونس للاشتباه في تلقيها أموالا أجنبية مجهولة المصدر وتمويل من الخارج خلال الحملة الانتخابية عام 2019.
والحزب الثالث محل التحقيق هو حزب (عيش تونسي). وهو ما سيضيف المزيد من الضغوط على الحزبين ويهدد بالمزيد من التوتر والتعقيد.
وقال المتحدث باسم المحكمة الابتدائية في العاصمة محسن الدالي إن التحقيقات تجري بعد شكاية تقدم بها حزب «التيار الديموقراطي»، القريب من الرئيس سعيد.
وأكد الدالي أن قاضي التحقيق يمكنه أن يصدر قرارا مثل تحجير السفر وتجميد أموال.
وكان الاتحاد العام التونسي للشغل وهو أكبر نقابات العمال في البلاد، دعا لجنة التحاليل المالية بالبنك المركزي بالكشف عن التحويلات المالية للأحزاب والجمعيات وعرضها على القضاء.
وحزب النهضة الإسلامي المعتدل الذي يتزعمه راشد الغنوشي وهو أيضا رئيس البرلمان، وحزب قلب تونس الليبرالي الذي يتزعمه قطب الإعلام نبيل القروي هما أكبر حزبين في البرلمان المنقسم بشدة. وكان القروي من أبرز منافسي سعيد في الانتخابات الرئاسية التي جرت على جولتين في سبتمبر وأكتوبر 2019.
ويخضع القروي، الذي يمتلك محطة تلفزيون خاصة كبيرة منذ فترة لتحقيق في اتهامات أخرى بارتكاب مخالفات مالية أدت إلى حبسه احتياطيا خلال معظم الحملة الانتخابية عام 2019 ومرة أخرى هذا العام. وخلال حملة انتخابات 2019، قدم سعيد، وهو سياسي مستقل، نفسه على أنه بديل لنخبة سياسية وصفها بالفاسدة والراكدة تركز على مصالحها الضيقة ومسؤولة عن تدهور مستويات المعيشة بعد ثورة 2011.
وبعد دعوة سابقة لأنصاره للنزول للشوارع احتجاجا على الخطوات التي اتخذها سعيد الإثنين الماضي، فقد دعا حزب «النهضة» منذ ذلك الحين للهدوء وطالب بإقامة حوار وطني للخروج من الأزمة.
ولم تكن هناك مؤشرات تذكر على أي توترات سياسية في البلاد إذ لم تخرج أي احتجاجات ولم تقع اضطرابات لكن وجودا أمنيا أكثر كثافة لوحظ في وسط العاصمة، امس.
وظلت قوات الجيش محيطة بالبرلمان والحكومة ومحطة التلفزيون الرسمية.
وأمر الرئيس بالالتزام بحظر مفروض منذ فترة طويلة يمنع تجمع أكثر من 3 أشخاص في الشوارع العامة لكن لم تكن هناك مؤشرات أيضا على تطبيقه إذ تحرك الناس وتجمعوا بشكل طبيعي.
وتثير التدابير التي اتخذها الرئيس والتي وعد انها ستستمر لشهر فقط، قلق أطراف عدة، في الداخل والخارج، إزاء مصير الديموقراطية التونسية الفتية بعد عقد من الإطاحة بحكم زين العابدين بن علي الديكتاتوري، في وقت دعا الاتحاد الأوروبي إلى «إعادة الاستقرار للمؤسسات في أقرب وقت» إلى البلد الذي شكل مهد انتفاضات «الربيع العربي».
ولم تندد منظمات المجتمع المدني، التي لعبت دورا أساسيا في المشهد السياسي منذ ثورة 2011، بخطوات الرئيس لكنها دعته للإسراع بالإعلان عن خططه وإنهاء فترة الطوارئ خلال شهر.
كما أبلغت حكومات غربية سعيد بأنها تراقب عن كثب التزامه بالحفاظ على سيادة القانون بما يشمل حرية الصحافة واستقلال القضاء.
وفي محاولة لامتصاص ذلك القلق، قالت وزارة الخارجية التونسية إن وزير الخارجية تحدث مع نظرائه في تركيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا والاتحاد الأوروبي ومع المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة لطمأنتهم بأن الخطوات التي اتخذها الرئيس مؤقتة.
ويرى الباحث السياسي صلاح الدين جورشي أن سعيد «أمام تحد كبير ليظهر للتونسيين والعالم أنه اتخذ القرارات الصائبة».