- النشمي: يجوز الاجتماع في هذا اليوم باعتباره مناسبة للتذكير وإلقاء المواعظ
- الشطي: كلما ظهرت بدعة طُمست سُنة وواجبنا إنكار المنكر ودحض الشبهات
- الهاجري: محبته ليست كلاماً تلوكه الأفواه ولا شعاراً يقلد على الرقاب
- النجدي: الاحتفال بيوم ولادته صلى الله عليه وسلم مما أحدثه الناس في القرون المتأخرة
- الشمري: حب النبي صلى الله عليه وسلم حب عميق متجذر لا يقتصر على يوم في السنة
- سالم: لمَ لا يفرح المؤمنون بمولده ويعبرون عن فرحهم بذكراه والثناء عليه؟
ليلى الشافعي
ميلاد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ليس مجرد حدث تاريخي، بل كان وسيبقى تجربة حية متجددة للأرض ككل وللإنسان في أي زمان ومكان. هناك من يعتبر التعبير عن الفرحة بمولده صلى الله عليه وسلم بدعة ولا يجوز، حيث لم يثبت ان الصحابة او الخلفاء الراشدين قد احتفلوا به، وهناك من يؤيد الاحتفال بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيما يلي سنتعرف على حجة المؤيدين وأسباب المعارضين:
في البداية توجهنا بالسؤال الى العميد السابق لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية د.عجيل النشمي عن حكم الاحتفال وإظهار السرور بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، فأجاب: الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، اعتقادا بأنه سنة يتقرب بها المسلم الى الله تعالى، يعد بدعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع هذا لأمته، ولذا لم يعهد عن الصحابة فعله وهم أحرص المسلمين متابعة، لكن يجوز الاجتماع في هذا اليوم باعتباره مناسبة للتذكير بالنبي صلى الله عليه وسلم والتذكير بسنته صلى الله عليه وسلم، وإلقاء المواعظ والسير ونحوها نرجو ألا يكون فيه بأس.
احتفالات بدعية
من جهته، قال د.محمد الحمود النجدي: إن الاحتفال بيوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم مما أحدثه الناس في القرون المتأخرة بعد القرون الـ 3 الأولى المفضلة، وأما قرن الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم فلم يكن أحد فيه يحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، لا صحابته الأبرار، ولا من جاء بعدهم من العلماء والأئمة المتبوعين الأخيار، لا من أئمة الفقه كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، ولا من المحدثين كالبخاري ومسلم وغيرهما، وإنما أحدث هذا الاحتفال البدعي في أواخر القرن الرابع الهجري، يعني بعد 400 سنة من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأول من أحدثه وابتدعه هم العبيديون (الذين يسمون زورا وتلبيسا بالفاطميين)، ابتدعوه مع ما ابتدعوه في يوم عاشوراء من ضرب الصدور ولطم الخدود وشج الرؤوس وغير ذلك من البدع، إظهارا للحزن على مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما في عام واحد، وهذه حقيقة تاريخية لا ينكرها إلا جاهل بالتاريخ، فقد سطرها المقريزي المتوفى عام 845هـ في كتابه «الخطط» (2/436)، وذكر أنهم أحدثوا عددا من الموالد والاحتفالات البدعية، منها: مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومولد علي وفاطمة والحسن والحسين، ثم انتشر الاحتفال بالمولد في بعض البلاد وأحياه الصوفية مع بدعهم الأخرى.
والحقيقة التاريخية الثانية أنه لم يثبت أن الثاني عشر من ربيع الأول هو يوم ولادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بل الأرجح والأصح أنه ليس يوم مولده وإنما الثابت الذي عليه أكثر المؤرخين أنه يوم وفاته صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك يوم الإثنين، ودفن يوم الثلاثاء، فداه أبي وأمي ونفسي.
وأكد د.بسام الشطي ان الاحتفال بالمولد لم يفعله رسول الله ﷺ في حياته ولم يأمر به ولم يفعله الصحابة رضي الله عنهم ولا التابعون ولا الأئمة المتبوعون.
من يحتفلون بالمولد إنما يتقربون بذلك الى الله جل جلاله والأصل في القربات التحريم إلابدليل قاطع وبرهان ساطع فإذن هذه بدعة، وأول من بدأها الدولة العبيدية التي أمرت بعبادة الحاكم بأمره، والعياذ بالله، وأحدثت في الدين مخالفات ومغريات وشركيات خطيرة، ثم رأينا من يحتفلون بالمولد يقومون بكل ما حرمه الله من رايات وضرب الموسيقى والمزامير والطبول داخل المساجد ورقص واختلاط وعبارات وشعر يبدأ بالمدح وينتهي بإنزال صفات الله جل جلاله على النبي ﷺ وذلك حتى ساعات قبيل الفجر ثم ينفضون ويتم توزيع القرابين والحلويات وقد أطلقوا عليها حلويات المولد على شكل أصنام، وكل عام تتطور هذه البدع التي تؤخذ من النصارى واليهود والبوذية والهندوسية والباطنية والشعوبية وهكذا، وقد زيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون، نسأل الله السلامة، لكن محبة النبي ﷺ تكون في اتباعه واتباع الصحابة وإحياء سنته وطمس البدع والضلالات، فكلما ظهرت بدعة طمست سنة وواجبنا إنكار المنكر ودحض شبهات أهل البدع.
قلب للموازين
من جهته، قال د. حمد الهاجري: من قواعد الشريعة أن العبادات توقيفية، ليس لأحد أن يشرع فيها، وإنما يشرع منها ما شرع الله ورسوله، قال تعالى: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) الشورى الآية 2.
ولا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بمولده في حياته، ولم يأمر به بعد مماته، مع توافر دواعيه ـ لو كان قربة ـ وانتفاء موانعه، كما أن السلف الصالح من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ والتابعين لهم بإحسان ـ في القرون المفضلة ـ لم يحتفلوا بالمولد بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم؛ وهم أعلم الناس بسنته، وأكمل حبا له، ومتابعة لشرعه، ممن جاء بعدهم.
فدل على هذا أن السؤال عن سلف منكر بدعة المولد؛ قلب للموازين في ميدان عرض الحجج، وأن محدث بدعة المولد احوج الى اثبات دليلها أو عمل السلف عليها.
فتحرر أن الاحتفال بالمولد؛ بدعة منكرة، واعتراض على الشارع، بل يقتضي عدم الصدق في محبة النبي صلى الله عليه وسلم، إذ مقتضى محبته صلى الله عليه وسلم: اتباعه وطاعته في أمره ونهيه، والتسليم له والرضا بحكمه، والتزام سنته ومجانبة البدع، وليس إحداث أمر في الدين؛ بدعوى محبته صلى الله عليه وسلم لأن محبته ليست كلاما تلوكه الأفواه، ولا شعارا يقلد على الرقاب، ولا دعوى يتقاذفها الناس، وإنما عبادة تستقر في القلب، ويصدقها عمل الجوارح.
تقليد دنيوي
وقال سعد الشمري: حب النبي صلى الله عليه وسلم حب عميق ومتجذر لا يقتصر على يوم في السنة في هذا الشهر ربيع الأول تتكرر مسألة متنازع فيها بين الناس، وهي الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم.
ولا شك أن يوم مولده من أعظم أيام الدنيا، وقد حدثت فيه أحداث عظيمة، تدل على إرهاصات نبوته، وأنها مؤذنة بزوال الظلم، واندثار معالمه، وقوة الإيمان، وإشراف الإسلام، ونور القرآن، الذي بهذه الرسالة قد ساد المسلمون العالم وصاروا قوة لا تضاهى، ودولة لا تبارى، عنوانها لا إله إلا الله، ومضامينها مقتضاها، فالقرآن هو الصراط المستقيم والسنة هي التطبيق العملي للاسلام، وهو بجميع أحكامه وتشريعاته دين الوسطية، التي جاء به محمد بن عبدالله من عند ربه بالوحي، وهو لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
ارتباطنا بنبينا صلى الله عليه وسلم ارتباط الجسد والروح، ارتباط الحب الحقيقي المثمر للعلم والعمل والاتباع والعمل لهذا الدين والتحاكم إليه، نعبر بحبنا له في كل وقت وحين وفي كل ساعة زمان، في هديه، ولا نقصر تعبيرنا في يوم واحد، يمر كسائر الأيام، فالذي يحتفل به ويحتفي يحتفل في سائر أيامه، لأن وجوده مرتبط بالسعادة، هو الذي اضاء الله به ظلم الدنيا، بعد أن نظر الله الى أهل الارض جميعا عربهم وعجمهم فمقتهم ـ وهو أشد البغض ـ إلا قليلا من أهل الكتاب، فرحم الله البشرية جميعا برسالته وهو الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، وهو الصراط المستقيم والسراج المنير، الذي فتح الله به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، فأشرقت برسالة الارض والسماء، وما من مسلم إلا ويقر له بالرسالة ويتعبد الله عز وجل بحبه وتعظيم وتوقيره، في كل يوم نذكره في صباحنا ومسائنا، في صلاتا نذكره، في آذاننا نذكره، بقلوبنا مكانه في أعيننا طيفه، فهل نحتاج إلى احتفال في يوم مولده وهو لنا في كل يوم بل في كل ساعة.
النبي صلى الله عليه وسلم محل تعظيم واقتداء عند كل مسلم، وحتى لا يطول الكلام اختم كلامي بكلام الشيخ العلامة محمد الغزالي في كتابه العظيم فقه السيرة، الذي كتبه بقلبه ومداده، فجعل القارئ يعيش في أيام النبي صلى الله عليه وسلم وأحداث سيرته، بأسلوب فذ وألفاظ رائعة، في ميلاده الى وفاته، مبينا مقاصد الرسالة وعوامل نهوض الدولة، رحمه الله وغفر له مغفرة واسعة: «وتحديد يوم الميلاد لا يرتبط به من الناحية الإسلامية في شيء ذو بال، فالأحفال التي تقام لهذه المناسبة تقليد دنيوي لا صلة له بالشريعة» فاحرص أخي الكريم على اتباع سنته ونشرها، والتمسك بها والاعتزاز بها، فهذا والله هو الحب الحقيقي له صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي.
جائز ومستحسن
من جهته، يرى الباحث العلمي في الموسوعة الفقهية عبدالله نجيب سالم أن الاحتفال والفرح بمولده وإظهار البشر والسرور بذلك من الأمور الجائزة شرعا، المستحسنة طبعا، المألوفة عرفا.
مستدلا بأن يوم مولده صلى الله عليه وسلم من الأيام المشار إليها على وجه التبجيل والاعتبار في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم من حديث أبي قتادة قال: «سئل رسول الله عن صيام الاثنين؟ فقال: «ذلك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت، أو أنزل عليه فيه» كما نراه في ذكر ما حض الله أمه آمنة حينما ولدته «رأت أمي حين وضعتني أنه سطع نور أضاءت له قصور كسرى».
وأضاف: ومن أدلة الجواز ان الله سبحانه وتعالى ذكر صراحة ميلاد كثير من الأنبياء ونوه بما في مولدهم من معجزات أو أهمية، فها هو القرآن الكريم يفيض في ذكر مولد أبينا آدم عليه السلام وكيفية خلقه العجيبة، كما يعرج على مواطن عديدة في ذكر ميلاد موسى عليه السلام. وتساءل: أفيكون بعد هذا الحديث عن ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا مستنكرا أو بدعة؟
وعن الأمر الثالث لأدلة الجواز قال: من يوم مولده صلى الله عليه وسلم وقعت حوادث عظيمة تناسب مكانته وشرفه، وانطفاء نار فارس التي يعبدونها ومنها بشارات كثير من الرهبان والكهان، فيوم مولده يستحق أن يشار إليه كيوم عظيم حفل بأحداث جسام، مؤكدا أن الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والبشر بذلك كان سببا من أسباب الرحمة الإلهية ليس للمؤمنين فحسب بل حتى للكافرين، وقال: أما الأمر الأخير في جواز الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم فقال: لقد أثنى العلماء قديما وحديثا بجواز الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم ومن ذلك فتاوى الإمام ابن حجر السيوطي، وفتاوى الأزهر الشريف وفتاوى لجنة الافتاء في دبي ولجنة الافتاء في الكويت.
وأكد أن الاحتفال بمولده هو أسلوب لإظهار الفرحة والسرور وتعظيم اليوم الذي عظمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لافتا الى ان الاحتفالات المنضبطة ليس فيها الا ذكر الله والثناء على رسوله والإشادة بالدين وتحبيب الناس فيه وتأليف قلوبهم عليه، فما المانع منها؟ ولم لا يفرح المؤمنون ويعبرون عن فرحتهم بذكراه.
لجنة الإفتاء: لامانع من إحياء سنة المولد النبوي
لا مانع شرعا من المشاركة في إحياء مناسبة الهجرة النبوية، والمولد النبوي، والإسراء والمعراج، وغيرها بإلقاء المحاضرات الخاصة بموضوعاتها ولا مانع من تخصيص أيامها من كل عام ولا يختلف المولد النبوي في هذا عن سائر المناسبات الأخرى، شريطة عدم الاعتقاد بسنية احيائها والتعبد بها وإلا كانت من البدع المستحدثة وحينئذ لا تجوز، وإنما يجوز إحياء هذه المناسبات لتذكير الناس بما فيها من أحداث عظيمة عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم بشرط أن يكون الإحياء خاليا من المخالفات الشرعية.