- مسؤولون وتجار ورحالة ومستكشفون أفاضوا في رصد جوانب الحياة وعادات وتقاليد السكان
بقلم : د.يعقوب يوسف الغنيم
هنا نستعرض الأوراق الكويتية على خلاف ما كان يأتي منها سابقا. فهذا الفصل يختص بموضوع واحد، ما عدا ذلك الموضوع المتعلق باللهجة الكويتية.
منذ زمن طويل والكويت تستقبل أعدادا من الزوار الأجانب الذين يأتون اليها لعدة أغراض منها ما يتعلق بأعمالهم، فمنهم أولئك الذين يبحثون عن الفرص التجارية، وعن الاستعدادات التي عرفت بها الكويت من ناحية مينائها وسوقها ونشاط أهلها: وأولئك الذين تأتي بهم الرغبة في المعرفة والاستكشاف، أو الذين هم من المهتمين بالنواحي الجغرافية والتاريخية وهؤلاء كلهم قد عودونا على تسجيل ملاحظاتهم التي نستمد من بعضها كثيرا من المعلومات المتعلقة بتاريخ الكويت.
ونظرا لأهمية ما قام به هؤلاء الذين ذكرناهم فإننا سنجملهم في فصل واحد. وذلك كما يلي بحسب ما اعتدنا نشره:
(1) زوار الكويت
(2) حول اللهجة الكويتية
زوار الكويت
1 - لعل من أقدم من تحدث عن الميناء البحري الكويتي هو الرحالة السوري مرتضى بن علوان الذي زار الكويت في سنة 1709م في طريق عودته من الحج، وفي ذلك يقول: «والمينة (الميناء) على حدود البلدة من غير فاصلة، وهذه البلدة يأتيها سائر الحبوب من البحر، حنطة وغيرها، لأن أرضها لا تقبل الزراعة، حتى ما فيها شيء من النخيل ولا غير شجر أصلا، وأسعارها أرخص من الحسا (الأحساء) لكثرة الدفع من البصرة وغيرها».
2 - في سنة 1790م كتب كل من صموئيل مانستي وهارفورد جونز مدير ومساعد مدير الوكالة التجارية البريطانية في البصرة تقريرا عن تجارة بلاد العرب وفارس، كان للكويت نصيب منه، وقد أوردا الحديث عنها تحت مسمى (القرين) وقالا: «والقرين ميناء بحري يقع على الساحل الغربي من الخليج، قريبا من رأسه، وكانت منذ أمد بعيد في حوزة بني عتبة، وبين الحين والحين كانت ذات أهمية تجارية، وتعتمد درجة أهميتها دائما على انتعاش حال البصرة أو اضمحلالها، فحين كانت البصرة في يد الفرس، كانت القرين هي الميناء الذي تنتقل منه منتوجات الهند الى أسواق بغداد ودمشق وحلب وأزمير والقسطنطينية من بعد ما كان ينقل سنويا عن طريق البصرة، وكانت القرين على الدوام - عن طريق الصحراء - ذات صلة ميسرة ببغداد وحلب، وكانت قوافل كبيرة وفيرة البضائع - خلال تلك الفترة المذكورة، تتردد بينها وبين هاتين المدينتين».
ومن الملاحظ ما يشير اليه قوله «وكانت منذ أمد بعيد في حوزة بني عتبة»، حيث إن الزمن البعيد السابق لسنة كتابة هذا التقرير لابد أن يؤدي بنا الى سنة 1613م التي نشير دائما الى أنها كانت سنة البداية لتأسيس الكويت.
3 - عندما تحدث جيمس باكنغهام عن رحلته التي بدأها الى المنطقة في أوائل صيف سنة 1816م أورد شيئا عما صادفه في مدينة البصرة العراقية، وذكر التجار الذين اعتادوا الوفود اليها من كل البلاد المجاورة فكان منهم الواردون من الكويت، فقال عنهم: «... المشتغلون بالتجارة من الكويت و(القرين)، ذلك الميناء البحري العظيم الذي يقع في ذلك الجزء من الجزيرة العربية».
4 - أما بروكس الذي كلفته حكومة بريطانيا في الهند بمهمة زيارة الخليج وتقديم تقرير عن عادات أهله وتجارتهم ومصادر دخلهم في سنة 1856م، فقد أشاد بمكانة الكويت التجارية وانها خلافا للمدن الخليجية الأخرى تتميز بموقعها الذي جعلها تتاجر مع البدو ومع نجد، حيث تمدهم الكويت بالقمح والبن ومنتجات الهند الاولى، وقد أفاد بروكس بأن تجار الكويت لديهم سفن كبيرة وان الكويت تستورد كثيرا من البضائع مثل الأقمشة والأرز والسكر، والتوابل والقطن والبن من اليمن، والتبغ والفواكه من بلاد فارس، والقمح والتمور من البصرة، وتصدر الكويت السمن، والخيول التي تحصل عليها من البدو نظير تجارة المقايضة تعطيهم ما يريدون من بضائع وتحصل على ثمنها خيولا.
وقد قدر بروكس واردات الكويت بحوالي نصف مليون ريال.
وقد سافر ستكويلر شخصيا على إحدى السفن الكويتية التي تسمى «البغلة» من بومباي الى الكويت عام 1831م، وقدم وصفا عن «الناصرية» وهو اسم سفينة كويتية من نوع البغلة، وهي التي أقلته من الهند الى الكويت، كما أفاد بأن المسافرين على هذه الرحلة دفعوا 50 روبية لكل واحد منهم، وأن هذه السفينة كانت تحمل المسافرين والبضائع، وقد رست «الناصرية» في مسقط، وشحنت من هذا الميناء جلودا وحصائر.
ومن الأمور المهمة كذلك أن ستكويلر بين أن الكويت كانت تفرض ضريبة تقدر بـ 2% على الواردات، وكان لدى ستكويلر معرفة تامة بالكويت وحياتها الاجتماعية.
وبعد ثماني سنوات من زيارة ستكويلر للكويت، قام الملازم فيلكس جونز من بحرية الهند في نوفمبر 1839م بزيارة الكويت وجزيرة فيلكا، وكان تقريره حول تجارة الكويت مهما، حيث أفاد بأن الكويت تستورد الفواكه مثل البلح، والرمان، والبطيخ والحمضيات كالبرتقال والليمون التي تأتي من البصرة وأبوشهر، ومن الهند تستورد الكويت القمح والشعير والأرز، وتزود البصرة وأبوشهر الكويت أيضا بالعدس، أما رجال البادية فيزودون الكويت بالأبقار والدواجن.
وتختلف أسعارها حسب الموسم، أما الخشب الخاص ببناء السفن فيستورد من بومباي، (فيما يتعلق بتزويد البلاد بالأبقار والدواجن، فلعله يقصد بذلك القرى القريبة من العاصمة).
في سنة 1868م، وكان ذلك في عهد الشيخ عبدالله بن صباح بن جابر بن عبدالله بن صباح وصل الى الكويت رحلة أميركي اسمه أ.لوشر، وكان وصوله الى هذه البلاد ضمن رحلة طويلة زار فيها مدن الخليج العربي حتى انتهى الى الكويت ثم مضى منها شمالا.
وقد كان وصوله على سفينة بخارية كانت أول سفينة من نوعها تصل الى هنا. وقد حل هذه الرحالة وربان السفينة ضيوفا على الشيخ.
ولما كان لوشر قد كتب كتابا وصف فيه رحلة باللغة الانجليزية، فقد ترجم الأستاذ عبدالله ناصر الصانع الجزء الخاص منه وطبعه الاستاذ عبدالرحمن الخرجي في مطبعة الطلبة التي كان يملكها. وقد جرى طبع هذه النخسة العربية في المطبعة المذكورة سنة 1959م.
وصف رحلة الكويت وصفا دقيقا لأنه قد أتيحت له الفرصة للتجول خلال مساكنها وطرقها وسوقها، وخرج من كل ذلك بانطباع جيد، فقد قال عن مشاهداته «وقد وجدنا المدينة تشبه إلى حد كبير مسقط، ولكن الفرق يظهر كثيرا من ناحية النظافة الملحوظة.
في هذه المدينة تظهر الكويت كمدينة عربية فائقة النظافة».
ولقد وصف الرجل الفترة التي قضاها في الكويت وهي قصيرة جدا، ولكنه لم يترك شيئا قد رآه دون أن يذكره بتفصيل كامل، فقد وصف استقبالهم للشيخ، حين جاء اليهم في سفينتهم فأطلعوه على كل جزئية منها وأصحابه لهم الى منزله للقيام باستضافتهم.
وما شاهد في الطريق وتكلم عن الناس والأعمال التي يقومون بها ومنها تجارتهم واستيرادهم المواد الغذائية كافة بما فيه الفاكهة من خارج بلادهم، وذكر النساء وما يعملن، وشرح عادة من عادة الكويتيين القديمة وهي النوم صيفا على سطوح المساكن، فقال:
«ولقد اضطررنا بسبب شدة الحر إلى النوم على سطح إحدى الدور، وهذا هو المكان الوحيد المفتوح للهواء النقي.
وفي العادة تطوى الفرش وينزل بها إلى داخل البيت كل صباح، وحالما يحل المساء يصعد بها وتفرش قبل غياب الشمس».
وكان الكويتيون يستخدمون البغلة من السفن لأن البوم السفار لم يكن قد عرف بعد، وقد وصف الرحلة البلغة وصفا شاملا من الداخل والخارج، وتحدث عن الرجال الذين يقوم بالإبحار بها ووصف الشيخ فقال:
«كان الشيخ الحاكم طويلا مفتول العضلات، لطيف الملامح قد اطال لحيته البيضاء، قد ناهز الثمانين، تبدو على وجهه ملامح الذكاء، وكان غاية في الادب في كلامه وعاداته الشرقية، وكان يلبس ملابس عربية من الحرير الفاخر، وقد ارتدى العباءة ذات اللون الأرجواني، موشاة بغزارة بالذهب. ويداه تشعان بالألماس، وفي وشاحه الحريري الأبيض الذي لفه حول وسطه كان قد غمس خنجرا صغيرا ذا مقبض من الذهب الصلد، وقد طعم باللؤلؤ والفيروز والياقوت والزمرد، مما يظهر ان هذا السلاح إنما صمم للزينة وليس لشيء آخر».
هذا، ولا تزيد صفحات هذا الكتاب عن الأربعين صفحة ولكنه تحدث فيها عن امور كثيرة ولكن هذه الأحاديث كانت موجزة في اكثر الاحيان ولكن اكثر ما اشار إليه هو حديث عن وصف القرين، وما يحيط به من قرى، والحديث عن المائدة التي دعاهم الشيخ إليها فوصف كل ما قدم فيه من آنية ومن مأكولات، ومن وسائل للجلوس، ووصف المكان وصفا دقيقا كأننا نراه.
وإن كان لوشر قد أفادنا بشيء فيما كتب عن بلادنا فإنه قد وصف الشيخ وصفا دقيقا، ووصف عاداته وملابسه ومكان إقامته، وأضاف إلى كل ذلك وصف المدينة وصفا دقيقا.
ولعل من المهم ان نذكر زيارة قام بها احد كبار المسؤولين البريطانيين، في وقت مهم من تاريخ الكويت هو الوقت الذي كان يحكم البلاد فيه الشيخ مبارك الصباح. وذلك واضح فيما يلي:
بعد سنة من تعيين اللورد كيرزون في منصبه الجديد نائبا للملك البريطاني في الهند، وذلك في سنة 1901 أبدى هذا النائب رغبته في زيارة منطقة الخليج العربي ومنها الكويت، لما يعلقه على هذه الزيارة من اهمية في تعزيز المواقع البريطانية في المنطقة.
جاء كيرزون الى الكويت تصحبه زوجته، ووصلها في 28 من نوفمبر لسنة 1903 على متن السفينة «غاردينغ» التي كانت من احدث وأفضل السفن في ذلك الوقت، ووجد باقي القطع البحرية المرافقة له بانتظاره في ميناء الكويت، وصعد الشيخ مبارك والمقيم السياسي البريطاني في الخليج «كمبل» للترحيب بكيرزون والاتفاق على مواعيد اللقاءات اللاحقة، وكانت هذه أول مبادرة من الشيخ مبارك يقوم بها تجاه ضيف من ضيوفه مما اعطى الزيارة اهمية بالنسبة للبلاد، بقدر ما كانت مهمة عند كيرزون.
وعند الساعة الثالثة من اليوم نفسه عاد الشيخ مبارك ومعه ابنه وولي عهده الشيخ جابر للترحيب بالضيوف رسميا، وفي هذا اللقاء أهدى الضيف سيفا من الذهب الى الشيخ مبارك الذي سُر بهذه الهدية، وقال: احتاج الى حزام لهذا السيف فأنا ايضا من المحاربين، وكان يرمي بذلك الى لفت نظر ضيفه الى الأوضاع التي تعيشها الكويت بسبب تعرضها لأخطار الإغارة في اي وقت من جانب ابن رشيد او الاتراك، ولهذا فهو يحتاج إلى مدد عسكري بريطاني.
وقد لفت الأنظار ان السفينة «غاردينغ» قد اطلقت عدة طلقات من خمسة مدافع تحية للشيخ وتكريما له، مما يعطي انطباعا باعتراف بريطانيا باستقلال الكويت وعدم تبعيتها للسلطات العثمانية، اذ ان ما قامت به السفينة لا يتم عادة إلا لرؤساء الدول المستقلة.
قام كيرزون في النصف الثاني من النهار بجولة في جون الكويت، اخذته خلالها السفينة «سفنكس» إلى كاظمة التي يذكر ما دار حولها من مناقشات فيما يتعلق بسكة الحديد حين كانت المانيا تأمل في جعل هذا الموضع نهاية خطها، ويذكر زيارة القنصل الألماني العام في الآستانة «ستيميريخ» الذي قام بها إلى الكويت في أبريل من سنة 1900 لهذا الغرض.
وفي صباح يوم 29 من نوفمبر هبط كيرزون في ميناء الشويخ، وهو ميناء الكويت الرئيسي، مستقلا المرسى الخاص الذي أنشئ لاستقبال سفينته الفخمة، واستقبله هناك الشيخ مبارك، حيث صحبه إلى مقر الحكم مستقلين عربة خيل أحضرها الشيخ من الهند، وحرص على أن تكون من أفضل الأنواع من حيث الجودة والفخامة، وأن تكون جديرة بهذه المناسبة المهمة في تاريخ البلاد، وبالفعل فقد كانت هي الوحيدة من نوعها في المنطقة كلها.
وقد استقبل الضيف استقبالا منقطع النظير شارك فيه جمعٌ من الفرسان يصل عددهم إلى مائتي فارس، معهم عدد من الهجانة، و4000 مقاتل مسلح.
وكان استقبالا باهرا اخذت الرجال النشوة في أثنائه فصاروا يطلقون النار في الفضاء ابتهاجا، وبدأت الهتافات تتوارد من كافة أرجاء الطريق الذي سلكه الموكب، وقد لفتت هذه المظاهر أنظار الصحافة، وكتب عنها كيرزون كثيرا في مذكراته ومراسلاته الرسمية، وتناولتها زوجته في كتابها «حكايات الرحلة» الصادر في نيويورك سنة 1923م.
وأما ما هو مختلف عن ذلك كله، فهو: ما قام به القبطان الانجليزي هنل في سنة 1841م. فقد زار هذا الرجل مدينة الكويت ووصفها بأنها تمثل حالة من الازدهار الاجتماعي، وأن عدد سكانها قارب الخمسة والعشرين ألف نسمة، وأنهم يمتلكون من السفن حوالي ثلاثين (بغلة) و(بتيلا) تستخدم كلها في التجارة بشكل مستمر مع الهند، كما يمتلكون حوالي ثلاثين سفينة متوسطة الحجم تُستخدم في مجال النقل بين موانئ الخليج، ونو ما يسمى (القطاعه)، إضافة الى ثلاثمائة وخمسين سفينة صغيرة تستعمل في مهنة الغوص على اللؤلؤ.
وفي هذا يقول هنل: «وتعطينا هذه البلدة أنموذجا عن الرخاء التجاري، وبها كل المميزات الأولى ولديها ميناء رائع، وتعداد سكانها كبير، حيث يمكنها أن توفر 6 آلاف رجل قادرين على حمل السلاح، وسكانها عددهم في المتوسط 25 ألف نسمة، ويمتلكون 31 بغلة وبتيلا، تستطيع أن تحمل من 150 إلى 300 طن من البضائع، وتتاجر باستمرار مع الهند، ويوجد لديها 50 سفينة صغيرة للاتجار مع دول الخليج، وحوالي 350 قارب يعملون بصيد الأسماك واللؤلؤ، والسكان شجعان ولديهم طاقة كبرى ومتحدون تماما ومتكاتفون، وليست بينهم عداوات ولا شقاقات مما يجعل القبائل الأخرى تخشاهم.
وفي الحقيقة هم يردون الإهانة أو العدوان في التو واللحظة، وهم ليسوا متغطرسين ولا يعتدون على جيرانهم المسالمين، والقرصنة حدوثها نادر، وحكومة الشيخ جابر حكومة أبدية، وهو وأولاده يلبسون ملابس تشبه ملابس سائر المواطنين ويسكنون في مساكن تشبه مساكنهم، وقد فرضوا رسوما جمركية ضئيلة على مشتروات ومبيعات الذين يأتون إلى البلدة، ودخل البلدة الذي يستولى عليه الشيخ لا يزيد على 300 دولار سنويا، بالإضافة الى الارباح التي يحققها من بواخره التجارية التي يرحب بالتجارة معها جميع الافراد، ومثل هذه الحرية التي يتمتع بها الجميع مع عدم وجود أي تدخل من سلطة خارجية تجعل الشيخ جابر وأولاده محبوبين من رعاياهم إلى درجة كبيرة، والرعايا مخلصون لهم جدا بدرجة غير عادية ومستعدون لإجابة أي طلب منهم سواء أكان طلبا يخص املاكهم أم أي شيء آخر».
وفي وقت متأخر عن الوقت الذي تمت خلاله زيارات أولئك الزوار؛ وبالتحديد في سنة 1916م جاء الى الكويت زائر ليس له من زياراته إلا الرغبة في المعرفة، وإلا الاطلاع ومشاهدة ما سمع به عن الكويت.
هذا الزائر هو: سي.كارسيجي، وهو هندي الجنسية، كان وقت رحلته قد تقاعد حديثا عن عمله ويبدو أنه أراد أن يرتاح من عناء العمل الطويل المضني الذي أداه، فأراد أن يقوم بجولة سياحية استقل فيها إحدى البواخر العاملة بين الهند والكويت عبر بحر العرب والخليج العربي.
واختار الكويت لكي تكون محطة من محطات رحلته، ولا نستبعد أنه قد شاهد وهو في بومبي سفن الكويت راسية هناك يرفرف فوق سواريها العلم الكويتي بلونه الأحمر الجذاب، وربما استمع من بعض ابناء الوطن من البحارة، أو عرف ممن استمع الى احاديثهم عن الكويت فأحب أن يرى هذا البلد الذي كان موضع الحديث.
وجاء كرستيجي الى هنا، وكتب مشاهداته.
حول اللهجة الكويتية
وكالعادة هذه مجموعة تضم خمسة وعشرين لفظا من الألفاظ الدارجة في اللهجة وهي ذات أصول فصيحة تقدمها كما يلي:
1 ـ من المياه: الغدير، وهو مستنقع المطر. ويجمع على غدران وهو من ألفاظ اللهجة الكويتية.
ومن ألفاظها أيضا:
2 ـ العد وهو ماء البئر الدائم الصالح للشرب. في الفصحى والعامية.
3 ـ وفي اللهجة لفظ: الغرار بمعنى إطعام الحمامة لفرخها. وهي فصيحة.
وفي الفصحى ـ أيضا ـ الغرغرة، وهي الحوصلة (حوصلة الطائر) وهي في اللهجة بكسر الغين.
4 ـ الغشمرة: هي إتيان الشيء بلا تثبت، وفي اللهجة يقال: فلان يتغشمر أي لا يقصد ما يقول فهو غير متثبت.
5 ـ فدر: الفدرة هي القطعة من كل شيء، والقطعة المجتمعة من اللحم. وهي كذلك في اللهجة.
6 ـ فرز: يقال في اللهجة تفزر الثوب أو تشقق وهي فصيحة.
7 ـ انفطر: انشق في الفصحى وفي اللهجة العامية.
8 ـ غبا الأمر معناها: غاب علمه عن ذهني فصيحة وعامية.
9 ـ قتر: القتار ريح القدر عند الطبخ. فصيحة وعامية.
وفي الحديث لا تؤذ جارك بقتار قدرك
وينطق اللفظ العامي بالكاف فيقال كتار.
10 ـ قتر: جاء في اللسان: «واسنقتره: حاول ختله والاستمكان منه. وفي اللهجة يقال هذا الأمر ايقترني: أي لا أستطيع الإمساك به، ويخدعني.
11 ـ في اللهجة الكويتية إذا ضحك الإنسان وزاد في ضحكه حتى ظهر له صوت قيل إنه يكركر.
وفي الفصحى: كركر إذا ضحك وزاد في الضحك وفي الحديث الشريف: «من ضحك حتى يكركر في الصلاة فليعد الوضوء والصلاة».
12 ـ قشر: يقال قشر البرتقالة، أي: أزال قشرها، واللفظ فصيح وعامي.
13 ـ كشر، كشر بتشديد الشين مفتوحة بدت أسنانه لسبب ما فصيحة وعامية.
14 ـ كنبار نوع من الحبال معروف عندنا. قال ابن منظور: يستخرج حبل الكنبار من ليف نخيل النارجيل ويستعمل في السفن، والنارجيل معروف لدينا.
15 ـ المحارة واحدة المحار معروفة في الفصحى والعامية.
16 ـ من النباتات التي ذكرت في الفصحى وهي معروفة لدينا العشرق (العشرج) والكركم.
17 ـ نخر: النخير صوت من الأنف والعظم النخر البالي. فصيح وعامي.
18 ـ نزر رجل رجلا آخر احتقره وفي اللهجة هي كذلك عند توجيه قول عال جارح اليه.
19 ـ نضرة: النضرة في الفصحى النعمة والعيش الهنئ والحسن والرونق، وهي كذلك في اللهجة ووصفت النساء بقولهم:
نضرة وزاهيات باللبوس.
20 ـ النعرة الخيلاء: وفي الفصحى فلان في رأسه نعرة. وفي اللهجة الكويتية: فلان في رأسه نعرة.
21 ـ الخبز الخمير هو المصنوع من عجين مخمر، لدى الخباز قديما ولا يزال اللفظ مستعملا عندنا.
ومن كلام العرب القديم: «الحمد لله الذي أطعمنا الخمير، وسقانا النمير».
والنمير هو الماء العذب الصافي.
22 ـ الهبر هو قطع اللحم بدون عظم في الفصحى والعامية سواء.
23 ـ الهذر الكلام الذي لا يعبأ أحد به. في الفصحى والعامية. وهنا نقول: «من كثر هذرة قل قدره».
24 ـ الوقر: الحمل، يحمل على الحمار وهو في اللهجة كيسان ملتصقان يوضعان على ظهر الحمار، يتم ملأهما بما يراد حمله عليه. ونقلب القاف جيما فنقول: وجر.
25 ـ جز الصوف، قصه في الفصحى والعامية. وبالحاء الحزاز في رأس الإنسان مرض جلدي، واحدته حزازه وهي تبدو كأنها نخالة. ومعروفة لدينا قديما: وقد وردت في أهزوجة تقول:
الحزازة ابراسه
والموس قطع راسه
لم يتسع المجال في الفصل السابق لذكر أناشيد الأولاد وألعابهم، وها نحن نبادر إلى ذلك لاستكمال الموضوع الذي بدأنا به من قبل، وذلك كما يلي:
- للأولاد ألعاب كثيرة، وأناشيد، ونداءات ملحونة مختلفة، وسوف نختار نماذج منها لأن عددها كثير.
وأول ما نقدمه من ألعاب هؤلاء ما يلي:
- لعبة صلّوا صلاة البقر.
وهي لعبة تدل على حسٍّ ديني عند الأولاد اكتسبوه من آبائهم وأمهاتهم، وطريقة اللعبة هكذا:
يلعب هذه اللعبة عدد منهم في حدود الخمسة، يختارون من بينهم رئيسا يقف أمامهم بعد ان يصطفوا صفا واحدا فينادي بصوت ملحون:
- صلوا صلاة البقر. (تنطق القاف في اللهجة جيما قاهرية).
فيرودن عليه:
- والله ما انصليها. ثم
- صلوا صلاة الغنم.
- والله ما انصليها.
- صلوا صلاة الكلاب.
- والله ما انصليها.
ويردد مثل ذلك ذاكر بعض الحيوانات، ولكنه يتلقى الرد نفسه من اللاعبين معه في هذه اللعبة حتى إذا قال:
- صلوا صلاة ربكم.
فإنهم يردون:
- والله انصليها.
فيخرون ساجدين لله تعالى، ويبقون على سجودهم بينما يطوف عليهم الرئيس لكي يناديهم مرة أخرى قائلا:
- إذا ياتكم الغيمة البيضا لا تنحاشون.
فيردون عليه:
- امباع.. ثم يقول:
- إذا ياتكم الغيمة الحمرة لا تنحاشون.
- امباع.. ويكرر ألوانا كثيرة، وهم يردون: امباع. ولكنه في الأخير يقول لهم:
- إذا ياتكم الغيمة السودهْ انحاشوا.
فينهضون فورا، بينما يهرب الرئيس لأنهم سوف يحاولون الإمساك به، وهو يحاول النجاة منهم، وعندما ينجح احدهم بالقبض على هذا الرئيس، فإن هذا الفائز يتولى الرئاسة عندما يكرر هؤلاء لعبتهم.
- ومن ألعاب الأطفال المصحوبة بأقوال ملحونة لعبة: خروف امسلسل، وكانت هذه من أشهر ألعاب الأولاد، حيث نرى مجموعات منهم تلعبها في الفرجان القديمة، في الأمسيات غالبا، وطريقة هذه اللعبة هي:
يجلس مجموعة من الأولاد يختارون من بينهم رئيسا لهم، وعند بدء اللعبة يمسك هذا الرئيس برجل واحد منهم هو الذي يقوم بدور الخروف المسلسل، فينادي الرئيس:
- خروف امْسلسلْ. ويرد الباقون:
- هدوه.
الرئيس: تراهُ ياكم.
المجموعة: هدّوه.
الرئيس: خرَّب غواكم.
المجموعة: هدّوه.
الرئيس: في ريله أقراحه.
المجموعة: هدّوه.
الرئيس: كُبْر البراحه.
المجموعة: هدّوه.
وآخر الأمر يقول:
- تراه ياكم فيردون: هدّوه. وهنا يطلقه الرئيس فيركض اللاعبون، ومن أفلح هذا المنطلق بالإمساك به يحضره إلى الرئيس، فيكون هو الخروف المسلسل البديل.
(تراهو: لفظ تنبيه إلى ما بعده، غواكم: ما تهوونه من أمور، البراحه: الساحة الواسعة بين المنازل قديما).
- ومما يصدر عن الأولاد أناشيد غير مصحوبة بحركات إلا التجمع في مكان واحد، أو السير في مجموعة مساء وهم يهتفون بما قد تعودوا الهتاف به، وهو متنوع منه - مثلا - ذكر الدجاجة حين يهتفون وهم في طريقهم:
دجاجتنا... دجاجتنا
سوده اوْ مسلمانية
تبيض البيض تبيض البيض
على مطرح أوْ زوليّه
وهذه الدجاجة مدللة فهي لا تضع بيضها إلا على المطرح الذي يشبه ما ينام عليه الناس وهو قماش على شكل كيس يملأ بالقطن، وعلى زوليه: وهي السجادة التي تفرش في الأماكن المهمة من البيت، وتكون منقوشة زاهية الألوان.
ولهم من نشيدهم المتعلق بزوج هذه الدجاجة وهو الديك نشيد مشهور، كنا نسمع ترديده دائما، وهو:
ديكي ضاع.. من دوره.. ديكي ضاع.. من دوره..
ديكي شريته بألفين.. شاهد عليه ملا حسين.
ديكي ضاع من دوره
وهكذا...