- إنجازات هائلة في الثقافة والصحافة والتعليم والخدمة العامة بين 1950 و1951
- لـ«الدهلة» تاريخ قديم كمورد للماء العذب وأصله «الدحلة» لكنّ اللهجة حوّرت اللفظ
- الساحل يشهد ضجيج المرتبطين برحلات السفن إلى الهند وأفريقيا بداية الموسم
بقلم :د.يعقوب يوسف الغنيم
مضينا ـ والحمد لله ـ في نشر هذه الاوراق الكويتية، ولايزال لدينا منها ما يحتاج الى وقت اطول من الوقت الذي مضى فيما نشر من قبل، وها أنا ذا أعرض الفصل السابع عشر، وهو يشبه بعض ما سبق من الفصول من حيث تقديم فقرات منوعة تنتهي بالحديث حول اللهجة الكويتية.
وحين أقدم هذا الفصل فإنني آمل ـ بتوفيق من الله عز وجل ـ أن أتمكن من الاستمرار في نشر كل ما لدي من هذه الأوراق حفظا لها، وتعميما للفائدة المرجوة من تقديمها.
وهذا هو ما في الفصل الراهن تقديمه:
(1)
الكويت في سنوات الخمسينيات.
(2)
الدهلة: موقعاً وتاريخاً.
(3)
الاستعداد لرحلة السفر.
(4)
حول اللهجة الكويتية.
1 - الكويت في الخمسينيات
لم تكن سنوات الخمسينيات من القرن الماضي في الكويت سنوات خمول وكسل، فقد تمت فيها أعمال كثيرة على الرغم من شح الموارد، ونورد هنا سردا للإنجازات التي تمت هنا في تلك الفترة من الزمان، فنسوق كشفا فيما يلي بما تم إنجازه منذ سنة 1950 حتى سنة 1955، وكان هذا الإنجاز على الرغم مما ساد البلاد من ارتباك اجتماعي نتيجة ازدحامها بالأجانب، وما حل بها من تراجع في أمور كثيرة نظرا لأنها لم تكن لتستوعب جميع هؤلاء القادمين إليها بسهولة، ولم تكن مؤسساتها التعليمية والصحية قد أُعدت إلا لخدمة أبناء الوطن بأعدادهم المعروفة في ذلك الوقت. ومع ذلك فقد كان هناك إنجاز وكان له مجالان:
المجال الأول، هو مجال الثقافة والصحافة والتعليم، وقد تم فيه ما يلي:
1 - صدرت في سنة 1950 ثلاث مجلات هي:
أ) مجلة البعثة، أصدرها الأستاذ حمد الرجيب والأستاذ أحمد العدواني.
ب) مجلة الكويت أصدرها الأستاذ يعقوب الرشيد امتدادا لمجلة والده.
ج) مجلة الفكاهة أصدرها الأستاذ عبدالله الحاتم.
2 - نشأ نادي المعلمين ونادي العروبة الرياضي في سنة 1951.
3 - نشأ النادي الرياضي الأهلي، والنادي الثقافي القومي في سنة 1952. ونشأ الاتحاد الكويتي الرياضي في السنة ذاتها.
4 - أنشأت الحكومة أول مدرسة عربية في بومباي خلال سنة 1952. كما ذكرنا فيما سلف، ولحقتها مدرسة الكويت في الباكستان.
5 - وفي سنة 1953 نشأ نادي الخريجين ونادي الجزيرة الرياضي.
6 - تم إنجاز مدرسة الشويخ الثانوية في سنة 1953.
7 - أصدر معهد الكويت الديني مجلته في سنة 1954.
8 - بدأت خدمة رياض الأطفال في الكويت 1954.
9 - وفي سنة 1954 أيضا صدرت جريدة الكويت اليوم الرسمية.
10 - وصدرت جريدة الفجر عن نادي الخريجين، وجريدة أخبار الأسبوع التي رأس تحريرها د.داود مساعد الصالح، وذلك في سنة 1955.
11 - اشتركت الكويت في المؤتمر الكشفي العالمي الثامن، وفيه تم الاعتراف بالحركة الكشفية الكويتية.
المجال الثاني، وهو مجال الخدمة العامة، وفيه ما يلي:
1 - افتتاح مركز الصحة الوقائية في سنة 1950.
2 - افتتاح مكتب بريد الأحمدي في السنة السابقة ذاتها.
3 - صدر قانون الجمارك في السنة ذاتها.
4 - تم اكتشاف حقل مياه العبدلي في سنة 1950.
5 - تأسست قوة شرطة الأحمدي سنة 1950.
6 - صرف أول جواز سفر كويتي في 1950.
وفي سنة 1951 جرى ما يلي:
7 - تشغيل إذاعة الكويت.
8 - حفر أول بئر من آبار مياه الصليبية.
9 - افتتاح قسم الصحة المدرسية.
10 - اكتشاف النفط في منطقة المقوع.
11 - إنشاء دائرة البيطرة.
وعندما جاءت سنة 1952 حدث فيها ما يلي:
12 - اعتمد المخطط الهيكلي.
13 - تأسست دائرة الأشغال العامة.
14 - تأسس بنك الكويت الوطني، وقد أشرنا إلى ذلك في موقع آخر.
وفي سنة 1953 حدث ما يلي:
15 - تم تأسيس مجلس الإنشاء.
16 - افتتحت محطة التجارب الزراعية.
17 - نشأت الهيئة العامة للخليج والجنوب العربي.
18 - افتتح مصح النساء للأمراض الصدرية.
19 - اكتشف حقل للنفط في الأحمدي.
20 - نشأت قوة الحدود.
وفي سنة 1954 تم ما يلي:
21 - افتتاح مصحة الأمراض السارية.
22 - تأسيس شركة الخطوط الجوية الكويتية، ولنا عنها حديث آخر.
23 - تأسيس شركة السينما الكويتية.
24 - افتتاح مستوصف جزيرة فيلكا.
25 - بدء توزيع القسائم السكنية على المواطنين الذين استملكت مساكنهم القديمة.
26 - هطلت أمطار غزيرة تحدثنا عنها في موقع آخر.
وعندما جاءت سنة 1955 حدث ما يلي:
27 - بدأت غرفة تجارة الكويت أعمالها.
28 - افتتح مركز مكافحة السل.
29 - افتتح مركز رعاية الأمومة والطفولة.
30 - اكتشف النفط في منطقة الروضتين.
31 - اكتشف النفط في منطقة الصابرية.
32 - صدر أول مرسوم لتنظيم العمل الحكومي في البلاد.
33 - تم إنشاء معهد النور لتعليم المكفوفين.
2 - الدهلة: موقعاً وتاريخاً
الدهلة: اسم لموقع كويتي قريب من السوق، ولقد نُسي هذا الاسم ضمن ما نسي من أسماء الأماكن التي كانت معروفة فنسينا اسماءها مع مرور الزمن.
ولذا فلم يعد الناس يذكرون هذا الاسم الذي نتحدث هنا عن موقعه على الرغم من ان المكان لايزال عامرا فيه مجالات مختلفة من الاعمال. وليس فيه موضع سكن كما كان شأنه في الماضي.
اطلقت بلدية الكويت على شارع الدهلة اسما بعيدا عن هذا المسمى على الرغم من تقديرنا لرجل التاريخ الذي صار موقع الدهلة يعرف به، فالدهلة اليوم هي التي تسمى شارع صلاح الدين، وهي تتمثل في الطريق الواقع في شرقي حديقة البلدية، وهي الحديقة التي كانت في يوم ما مقبرة اطلق عليها الناس اسم: المقبرة القديمة تمييزا لها عن المقبرة الجديدة التي اصبحت هي الاخرى قديمة، ومقرها بالقرب من قصر نايف.
وكان هذا الطريق الذي ذكرناه ممتدا من بداية الطريق الى سوق الكويت، ثم يتفرع في طرفه الجنوبي الى فرعين كلاهما يؤدي الى الطريق العام في الجنوب، وهذا الطريق هو الذي يسمى اليوم: شارع فهد السالم، وبين الفرعين عدد من المباني التي صارت مقرا لبعض الصرافين وبعض المكاتب التجارية.
أما الدهلة في وضعها القديم فقد كانت - فيما اذكر - تحتوي على بضعة محلات لبيع الدراجات وإصلاحها، ومدرسة اهلية صغيرة، ويتفرع من طريق الدهلة هذا - على يسار السائر الى الجنوب طريق صغير كان مجلسا لبعض النسوة، حيث يبعن بعض المبيعات، وإلى جواره طريق آخر تباع فيه الدواجن وبينهما في موازاة الدهلة من شرقيها سوق خاص ببيع الفحم يطلق عليه اسم: سوق الفحم.
ولقد كانت في الدهلة بعض البيوت ذات الطراز الشعبي القديم اكثرها تُسكن بالأجرة الشهرية، وعلى العموم فقد كان موقع الدهلة مكتظا بالناس وبخاصة في وقت النهار، حيث تعمل الاسواق.
ومما تجب الإشارة إليه هنا ان للدهلة تاريخا قديما ولها أهمية من حيث وجود مورد للماء العذب فيها، ذلك ان هذا الطريق كان في ماضي الزمان يمثل واديا صغيرا، وكان في هذا الوادي بئر او آبار يرتوي منها الناس ولكنها مع مرور الأيام صارت ناضبة من مياهها، وكان موضعها اقرب الى بداية التفرع الجنوبي للدهلة بحسب ما وصفناه آنفا، وهذا الوادي هو السبب في اطلاق اسم الدهلة على هذا المكان الممتد الذي رأينا اهميته من حيث اشتماله - قديما - على المساكن والمحلات ومواقع البيع الارضية، حيث يفترش الباعة الارض امام ما يبيعونه للناس الذين يبكرون إليهم في يوم الجمعة خاصة من اجل شراء ما يريدون شراءه منهم.
فكيف جاء اسم الدهلة من وجود آبار الماء ومن الوادي الصغير الذي يمر بها؟
من المهم ان نذكر هنا ان الاسم قد انتقل من اللغة الفصحى الى الاستعمال العامي، وفقا لما تراه اللهجة الكويتية.
إن اصل اللفظ فيما نرى هو: الدحلة بالحاء المجردة، ولكن اللهجة حورت في اللفظ فجعلت الحاء هاءً. وقد ورد في اللغة العربية ما يفيد ان هذا اللفظ له صلة بموارد المياه، وكان مما يعرفه العرب القدماء من ذلك ما يسمى الدحل ويجمع على دحول.
وقد ذكر اللغوي العربي المعروف جمال الدين بن منظور في كتابه (الموسوعة): «لسان العرب» الدحلة، فقال: الدحلة: البئر، ومثل لذلك بقول الشاعر:
نهيتُ عمرا ويزيد والطمع
والحرص يضطر الكريم فيقع
في دحلة فلا يكاد يُنتزع
(يُنتزع: يُستنقذُ من البئر)
وهكذا نرى بالدليل الذي ساقه ابن منظور ان اصل كلمة الدهلة عندنا هو الدحلة عند العرب. ولما كان في موقعنا بئر او آبار فليس من المستغرب ان ينطلق هذا الاسم بعد ان حورته اللهجة الكويتية على هذا الموقع الذي أخذ شهرة في البلاد، إلى أن مُسح اسمه من الوجود.
ولعل من المفيد ان نستأنف حديث لسان العرب عن الدحلة وما إليها لأن ابن منظور قد تفرع في القول المتعلق بذلك. ومن هنا نذكر ما يلي:
الدحلُ مرتبط بالدحلة قريب من لفظه ومعناه، وهو ثقب في الأرض الصحراوية يؤدي في أسفله الى موضع واسع اسفلها، وهو لسعته يحتفظ بكميات كبيرة من مياه الأمطار التي تهطل طوال السنة، وربما نبت فيه بعض الشجر كالسدر مثلا مما يدلنا على عمقه.
ويكون الدحل في بعض الأحيان بمثابة جرف قريب من فوهة البئر يؤدي إلى موضع واسع في أسفلها، وفي اللهجة كان الدحل يطلق - ايضا - على الحفرة المستطيلة غير المكشوفة التي تدخلها بعض الحيوانات وتأوي إليها كالكلاب مثلا.
وهذا الدحل الذي تكلمنا عنه هنا مختلف عن الدحلة التي هي البئر فهو واسع وعريض في الأسفل، وربما سار فيه المرء مسافة قبل أن يصل الى نهايته.
يجمع الدحل على دحول ودحلان، والدحلة (الدهلة) التي هي عندنا نوع منه، ولكن اسم الدحلة للبئر خاصة.
ومما يلاحظ ان حديقة البلدية التي اشرنا اليها في هذا المقال كانت ومازالت تمتد بامتداد الدهلة من الناحية الغربية، وقد ذكرنا انها كانت مقبرة دارسة وأن آخر دفن فيها قبل سنة 1896م وقد لاحظت بلدية الكويت، ان وجودها غير مستغلة مضر بالبيئة على المدى الطويل، وبخاصة ما لوحظ من ان بعض المجاورين كانوا يرمون مخالفاتهم واقذارهم فيها.
واتخذ - لذلك - القرار الصادر في اليوم السادس عشر من شهر يناير لسنة 1962م بتحويل هذه المقبرة الى حديقة، وقد جرى العمل على ذلك بسرعة فائقة، وحددت للحديقة مساحة قدرها خمسة وثلاثون الف متر مربع.
بعد ان تم اجتزاء جزء كاف ليكون مواقف للحديقة وللسوق المجاور.
ولاتزال الحديقة قائمة تؤدي الغرض من إنشائها، ونحن نأمل بمزيد من العناية بها وبما حولها.
3 ـ الاستعداد لرحلة السفر الموسمية
كان اعتماد الكويت ـ ماليا ـ على نوعين من أعمال البحر هو الغوص على اللؤلؤ واستخراجه، وبيعه، والسفر التجاري الى سواحل الهند وأفريقيا لجلب البضائع ونقل أخرى إلى هناك في عمليات بيع وشراء دائبة.
ولما كان هذان العملان هما المجال الوحيد لكسب الرزق في ذلك الزمن الذي لم تكتشف فيه ثروة النفط في الكويت، فإننا نستطيع أن نتخيل مدى الاهتمام الذي يبديه الأهالي من تجار وأصحاب سفن ونواخذة وبحارة وغيرهم عندما يأتي موسم الابحار لكل عمل من هذين العملين اللذين ذكرناهما، فالأعداد المشاركة في السفن أعداد كبيرة وهي تقتضي وجود أعداد كبيرة من العاملين على تلك السفن. والاستعداد للتحرك يُلزم العاملين على السفن بالاستعداد من كل الوجوه.
إذن؛ فإن الحركة التي تسبق الرحيل، تكون حركة واسعة، ولابد أن يشهد الساحل ضجيج هؤلاء الذين ارتبطوا برحلات السفن وهم يبذلون الجهد من أجل الاستعداد لأنفسهم ولسفنهم معا.
هذا، وينبغي أن يكون في البال ـ أيضا ـ أن موسم (دشة) السفر لها من الاهتمام مثلما (لدشة) الغوص وأكثر، لفارق عدد السفن وحجمها وعدد بحارتها والمسافة التي تقطعها، والزمن الذي تمضيه خارج البلاد من أجل أداء مهمتها.
إذن، فهذا الذي ذكرناه هو النشاط المصاحب لابتداء الموسم، وهو نشاط كثيف، لم نجد من يصف لنا جزءا منه حتى جاءت شاهدة عيان، اقتربت كثيرا من تلك الاعمال المهمة فوصفتها وصفا دقيقا وشاملا، هذه هي السيدة فيوليت ديكسون (أم سعود) زوجة ممثل بريطانيا القديم في الكويت، وقد نشر زوجها ما كتبته في كتابه: الكويت وجاراتها».
ولقد بدأت حديثها حين ذكرت ـ أولا ـ تعريف السفر، فقالت، إنها تعني حرفيا «الرحلة البحرية» وهي الاسم الذي يطلق على الموسم الذي تخرج به السفن الشراعية متجهة الى الهند وأفريقيا وموزمبيق. ويقع هذا الموسم في اوائل الخريف من كل سنة، وفي وقت محدد تمخر جميع السفن الشراعية عباب البحر من أجل هذا العمل المجهد الذي اعتاد ابناء الكويت القيام به.
ومن الملاحظ هنا أنها ذكرت جمهورية موزمبيق ضمن الدول التي تقصدها سفن الكويت، وكنا قد ذكرنا عن هذه الجمهورية أن هذه السفن تصل الى حدودها دون الدخول إليها لصعوبة اختراق تلك الحدود، ولكن السيدة ديكسون قد تكون استمعت الى أحد نواخذة الكويت وهو يتحدث عن ذلك فرصدته. ولكننا لم نصل الى علم به.
وبعد هذه المقدمة تقول هذه السيدة:
فيما يلي ما كتبته في اليوم الخامس من شهر سبتمبر لسنة 1940م:
«تجري الآن اللمسات الأخيرة لإعداد البغلة التي يملكها عبدالوهاب القطامي آل زايد قبل إقلاعها من المرفأ عندما يبلغ المد ذروة ارتفاعه اليوم».
وطوال الأسبوعين الماضيين كانت جميع الأيدي لا تكف عن العمل فيها، فهي تحتاج الى شارع جديد، ولذلك تجمع نحو ثلاثين رجلا في طريق ممتد، يضمون القطع الطويلة الضيقة من النسيج المستخدم في صناعة الشراع ويحيكونها لكي تشكل قطعة واحدة. وفي بادئ الأمر تحدد أبعاد الشكل المطلوب على الأرض باستخدام الأوتاد والحبال، ثم تحاك القطع الطويلة الضيقة، وتضم الى بعضها حتى تغطي المساحة المحددة على الأرض، وهم يعملون منذ الصباح الباكر حتى ساعة متأخرة من بعد الظهر، وعندما تغيب الشمس يواصلون العمل على ضوء المصابيح، ويستخدم في صناعة أكبر انواع الاشرعة، والمسمى العود، خمس وخمسون قطعة من قطع القماش الطويلة الضيقة البيضاء.
أما البغلة نفسها فقد طليت بزيت السمك، وهي مادة كريهة الرائحة تجلب من الهند، وسدت كل ما بها من تشققات وثقوب في الجزء الواقع أسفل خط الماء.
وأخيرا، أنجزت كل عمليات الإصلاح المطلوبة، على أن تطلى صباح اليوم التالي باستخدام دهون إلية الخراف، ونوع خاص من الجير، وكمية ضئيلة من البرافين، بعد تسخينها معا لدرجة الغليان على نار تعد في المرفأ عند انحسار المد.
وتأتي صفائح الدهن عادة من الهند محملة على هذه المراكب كل ربيع، ويبلغ ثمن الصفيحة الواحدة عشر روبيات، وتحتاج البغلة الى ثلاثين صفيحة، أما الجير فيشترى من المكلا بحضر موت على خليج عدن، ويقال انه من احسن انواع الجير المستخدم لهذا الغرض، وهناك اعلى الجزء الذي يجري تبييضه مباشرة وأسفل سطح السفينة شريط يبلغ عرضه نحو القدمين لا يطلى بالزيت ولا تسد به الثقوب والتشققات، فسوف يستكمل ذلك عند الوصول الى البصرة بعد ان تغسل البغلة يوميا، ولمدة أسبوع في مياه شط العرب العذبة.
(الزيت المذكور يسمى الصل، ويأتي من بلاد المهرة لا من الهند. والخالطة هي التي نُسميها: الشونة).
الساعة الآن الحادية والنصف بعد الظهر، وقد بدأ المد في الوصول الى ذروته وحان الوقت لتنطلق البغلة من المرفأ.
وها هو علم الكويت الأحمر الكبير يرفرف على مؤخرتها بينما يرفرف علم أصغر حجما من طرف مجداف، اشارة الى انها على وشك ان تتحرك، وكان عبدالوهاب القطامي قد سبح حتى وصل الى المدخل وها هو يقف فوق حاجز ضد الامواج بجوار عمود متين راسخ يلتف حوله حبل يشده طاقم البلغة، وكان لا يرتدي شيئا الا إزارا من القطن فبدا شكله غريبا وهو يقف هناك كتمثال أقيم فوق الصخور، وهو رجل بهي الطلعة، أزرق العينين، أبيض البشرة.
وشقت البغلة طريقها وهي تنسل من بين السفن الأخرى التي اكتظ بها المرفأ، تجر وراءها قاربا صغيرا الى جانب صاريها الرئيسي الذي سترفعه عندما تخرج إلى البحر.
واعترض طريقها مجداف طويل امتد من سفينة من نوع البوم تمر بالقرب منها، فقفز عليه اثنان من طاقم البغلة بكل رشاقة ودفعاها بعيدا، وفي أناة، أخذت البغلة تنسل لتخرج من المرفأ وصاحبها يصدر تعليماته ويلوح بذراعيه الى ان بلغت الممر الضيق وشرعت في اجتيازه، وبينما هي تخرج من فتحة المرفأ، كان عدد من الاطفال قد سبحوا وجلسوا يترقبون.
على سور النقعة (حائط المرفأ)، وما ان اقتربت البغلة حتى قفزوا الى البحر وتسلقوا الصاري الرئيسي الذي تجره وراءها، وكان عدد آخر من الفتيان الأصغر سنا يجلسون تحت المظلة البيضاء في المؤخرة العالية للبغلة، وفي مركب كبير من هذا النوع يخصص نصف المؤخرة لإقامة قمرة صغيرة، تطل منها نافذة، فيما يخصص النصف الآخر لكي يستخدم كحمام، ودورة للمياه، وأيضا مع وجود نافذة تطل عليه.
والآن ها هو الشراع يرُفع على صاريها الثاني الأصغر حجما، وبالرغم من الضعف الشديد لحركة الهواء إلا أنها تزحف الى الخارج مع حركة المد، وقفز الفتيان الذين فوقها الواحد بعد الآخر إلى الماء، وأذرعهم مرفوعة، بعضهم يواصل امتطاءه للصاري الرئيسي، بينما يواصل البعض الآخر السباحة الى ان يصلوا الى النقعة فيصعدون اليها ويركضون فوق الحجارة المرجانية الخشنة وكأنهم جرذان الماء.
أما الذين مازالوا على ظهر البغلة فها هم أخيرا يقفزون الى الماء ويسبحون للعودة من حيث اتوا عندما يداعب النسيم الشراع ويدفعه أمامه وتنطلق البغلة صوب البحر.
وكان عبدالوهاب قد انصرف الآن من حيث كان يقف بجوار حائط المرفأ، إما ليسبح عائدا الى الشاطئ، او يركب قاربا صغيرا يستخدمه في عودته.
وسوف تلقي البغلة مراسيها لمدة خمسة أو ستة أيام في بندر الشويخ، وهو ميناء يوفر الحماية للمراكب ويقع على بعد ميلين غرب مدينة الكويت، يقوم طاقمها أثناءها بشراء لوازمهم واستكمال الاجراءات المتبقية قبل الاقلاع الى البصرة، ويأخذ كل رجل منهم ثماني دشداشات من صنع نساء أسرته قبل السفر مباشرة، لأنه سيظل بعيدا عن الغربة لمدة ثمانية او تسعة أشهر، وسوف يحصلون الليلة على السلفة ومقدم الأجر لإعالة أسرهم اثناء غيابهم ويتفاوت المبلغ الذي يحصل عليه كل منهم من حيث مقداره ولكنه يبلغ عادة ما معدله ستين روبية لكل فرد.
وإني لأشعر بشيء من الحزن لخروج هذه السفينة الجميلة مرة أخرى الى البحر، ونظرا لمعيشتي على مقربة منهم جميعا، فأنا اكاد اعرفهم شخصيا فردا فردا، والمرفأ يموج بشعور من المودة والألفة عندما يعودون جميعا من رحلاتهم الطويلة، حيث يحط كل منهم الرحال، عاما بعد عام، في الموقع نفسه، وربما كانت هذه هي رحلة الوداع بالنسبة لبغلة عبدالوهاب، وكم كان القلق يستبدني كلما هبت العواصف في الخريف والشتاء خوفا عليها وعلى طاقمها، وفي هذا الوقت يخلو المرفأ تماما من أية مراكب، إلا زوارق الصيد التي تتجول فرادى، أو قوارب نقل المياه.
ومر عام وعادت بغلة عبدالوهاب في سلام الى الكويت في أوائل الصيف، وكان عبدالوهاب يملك أكبر بوم في الكويت، وتبلغ حمولته خمسة آلاف «من» بضائع وخمسة أكياس ويقال إن هذا الطراز من السفن تتوافر به فراغات أكبر لنقل البضائع مما عليه الحال في البغلة، وبمؤخرته المدببة، هو أكثر سرعة وأفضل أداء، وخاصة في بحر مرتفع الأمواج، أما مقدمته فهي طويلة ومستقيمة، ومطلي عند نهايته باللون الاسود، ودائرة بيضاء، ولكنها على خلاف البغلة بلا نوافذ.
4 ـ حول اللهجة الكويتية
1 ـ في الفصحى وجه كز لا يبش قبيح الشكل، وفي اللهجة كذلك.
2 ـ يقال ثوب ضاف، والضافي هو المسترسل المرتخي في اللهجة الكويتية وفي الفصحى.
3 ـ المنحاز، وقد مر وصفه عند الحديث عن الهريس، ومن ذلك قولهم في الشعر القديم:
دقك بالمنحاز حبَّ الفُلْفُلِ
4 ـ هز الشيء: حركه حتى يضطرب، وهز الغصن حتى يتساقط منه الثمر.
واللفظ فصيح وعامي.
5 ـ لفخ، يقال: لفخه اي ضربه في اللهجة والفصحى.
6 ـ مسخ الماسخ هو ما ليس له طعم محدد، وفي اللهجة تقلب السين صادا فنقول: ماصخ.
7 ـ مطخ: معناها لعق وتطلق في اللهجة على المبالغة في التقبيل.
8 ـ ملخ: هو القبض على الشيء ونزعه من مكانه.
9 ـ ماحَ يميحُ معناها: تبختر واختال.
وفي اللهجة الكويتية يقال: فلان فيه ميخ اذا كانت فيه خُيلاء.
10 ـ نوخ: من نوخ الجمل إذا برك، وهي في اللهجة كذلك.
11 ـ بدد: يقال في اللهجة وقتي ضيق وعملي كثير، فأنا لا أبد عليه كله ولا استطيع ان اقوم به جميعا، وفي الفصيح قول الشاعر:
امبدٌّ سؤالك العالمينا؟
أي هل تستطيع ان تسأل كل الناس؟
12 ـ الجادة الطريق وجمعها الجواد، فصيحة وعامية معا.
13 ـ الجعد من الشعر خلاف السبط المسترسل، وفي اللهجة نقلب الجيم ياء فيقال: يَعَدْ.
14 ـ الجعدة نوع من العشب الطبي معروف، يباع في الاسواق الى يومنا هذا.
15 ـ ذكر ابن منظور البو فقال: هو ان يسلخ جلد حوار (صغير الجمل) ثم يُحشى بشيء من عشب البادية، فتعطف عليه الام وترضع غيره، معروف في اللهجة.
16 ـ اذا شتم شخص قيل عنه: الهيس الأربد، وفي الفصحى الاربد نوع من الحيات خبيث، والهيس نوع من وحوش الصحراء.
17 ـ يقال اصابته رعده وهي الارتجاف والاضطراب في الفصحى والعامية.
18 ـ السعدان وصفه ابن منظور بقوله: نبت ذو شوك يستلقي فينظر الى شوكه كالحا اذا يبس، ومنبته سهول الارض، وهو من اطيب مراعي الابل، والسعدان بلفظه ومعناه معروف عندنا.
19 ـ العدان الزمان، يقال كان ذلك على عدان بني فلان اي على زمانهم، وهي تستعمل في اللهجة كذلك، وورد في شعر الفرزدق قوله:
اتبكي على علجٍ ببيسان كافر
ككسرى على عِدَّائِهِ أو كقيصرا
وكان يهاجم شاعرا آخر امتدح رجلا مخالفا لدينه.
20 ـ العرد: الشديد الصلب من كل شيء وهو كذلك في اللهجة.
21 ـ القد: قدر الشيء يقال في اللهجة هذا قد هذا اي بمقداره.
22 ـ القراد نوع من الحشرات يلتصق بالإبل فيمتص دماءها واللفظ من ألفاظ اللهجة.
23 ـ ومن المعاني العربية للفظ دارج في اللهجة قولهم: قعد فلان يشتمني اي جعل يفعل ذلك وفي اللهجة يقال ـ ايضا ـ انت اشقاعد اتسوي؟
24 ـ القند ونسميه اليوم سكر مكعبات، وهو عصارة قصب السكر عند القدماء، وهو معروف في اللهجة كذلك.
25 ـ الكنعد نوع من السمك معروف وكذلك الشيم، وقد ورد ذكرهما في لسان العرب، وهما من اسماك الكويت المعروفة حتى اليوم.
26 ـ لبد بالمكان، اقام به والتصق ومنها في العامية لعبة اللبيدة وهي من ألعاب الصغار المعروفة.