- خريبط: مسألة الاحتباس الحراري أصبحت قضية سياسية وليست بيئية فقط
- ميساك: في 2016 أعدت الكويت إستراتيجية وطنية لتحييد تدهور الأراضي حتى 2040
- العوضي: الكويت تسجل أعلى درجات الحرارة على مر الزمن وليس ذلك جديداً أو يتعلق بالتلوث
دارين العلي
خرجت علينا وكالة «بلومبيرغ» بتقرير يوم أمس، اتهمت فيه الكويت بأنها «لم تكافح التحديات البيئية» المترتبة على الانبعاثات الغازية، متوقعة أن تشهد الكويت حرارة قاتلة مع ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض سيجعل مناطق واسعة من البلاد غير صالحة للسكن.
وقالت الوكالة في تقريرها إن الكويت تعتبر من أكثر البلدان التي ستتأثر بالتغير المناخي، مشيرة إلى أن العام 2016 ارتفعت درجات الحرارة إلى أكثر من 54 درجة مئوية وهي أعلى درجة حرارة على الأرض خلال آخر 76 عاما، ما أدى إلى نفوق الطيور والحيوانات البرية بسبب الإرهاق الحراري والجفاف وعدم قدرتها على إيجاد الظل أو الماء وارتفاع الحرارة.
وأضافت أن الكويت رغم أنها تعتبر المصدر الرابع للنفط في منظمة «أوپيك»، وصاحبة أكبر صندوق للثروة السيادية في العالم، إلا أنها لم تكافح التحديات البيئية كما فعلت بلدان مثل بنغلاديش والبرازيل، مشيرة إلى أن الدول المجاورة للكويت والتي تعتمد كذلك على صادرات النفط الخام تعهدت باتخاذ إجراءات مناخية أقوى من الكويت، ومنها السعودية التي تستهدف صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2060، وذلك على الرغم من تعهد الكويت في قمة «COP26» بالعمل على خفض الاحتباس الحراري.
وتفنيدا لهذه الاتهامات والتقييمات تحدثت «الأنباء» مع عدد من الخبراء والمتخصصين في الشأن البيئي، والذين أكدوا أن ذلك التقرير غير منصف وأنه تضمن اجتهادات غير دقيقة.
وأضافوا أن التغير المناخي أصبح قضية سياسية وليس فقط بيئية، فكثير من دول العالم والشركات الكبرى بدأت تدخل في عهد الطاقات المتجددة وبالتالي هناك ضغط على الدول التي تستخدم مصادر الطاقة الأحفورية، مطالبين الجهات المعنية في الدولة بالتحضر لعهد الطاقات المتجددة وفي الوقت ذاته حماية مصالحنا الاقتصادية والتي تعتمد على النفط كمصدر رئيسي للدخل، فإلى التفاصيل:
بداية، أكد الاستشاري في البيئة والصحة والسلامة د.علي خريبط أن الكويت ليست الأولى من حيث انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، كما يشاع، مؤكدا أن هذا التقييم يحتاج إلى إعادة نظر وبشكل صحيح فهناك دول مثل الصين وأميركا وكندا والهند روسيا وألمانيا لديها نسبة انبعاثات عالية جدا بسبب طبيعتها الصناعية وأعمالها التجارية.
ولفت إلى أن وقوع الكويت في المرتبة السادسة عالميا في نسبة حصة الفرد من انبعاثات الغازات الدفيئة يعود إلى طريقة الحساب أيضا والتي تعتبر غير عادلة حيث يتم تقسيم النسبة الكلية للانبعاثات على عدد السكان وتصنف الدول وفق انبعاثاتها بناء على حجم إنتاجها للوقود الأحفوري وكم تستهلك.
وأضاف: «نحن في الكويت نسير بالطريق الصحيح، وسبق أن وقعت الكويت على اتفاقية التغير المناخي ولديها التزامات تقوم بها»، آملا من جميع القطاعات المهمة ذات العلاقة تحضير الكويت بشكل جدي للدخول في عهد الطاقة المتجددة ولكن دون أن يكون هناك ضرر كبير على الدخل القومي للدولة عبر النفط.
قضية سياسية
وأكد د. خريبط أن التغير المناخي حاليا أصبح قضية سياسية وليس فقط بيئية، فالكثير من دول العالم والشركات الكبرى بدأت تدخل في عهد الطاقات المتجددة وبالتالي هناك أمر طبيعي للضغط على كل الدول التي تستخدم مصادر الطاقة الأحفورية، لافتا إلى أن هناك عددا من الشركات النفطية بدأت بالدخول في مجال الطاقات المتجددة والابتعاد عن الطرق التقليدية لإنتاج الطاقة، وهذا ما يؤكد أن هناك جانبا سياسيا للضغط نحو الدخول إلى مرحلة سنة 2060 بحيث لا يكون هناك اعتماد على الوقود الأحفوري بل الطاقات المتجددة.
وشدد على انه عند تناول هذا الموضوع يجب النظر إلى مصالحنا الاقتصادية، فنحن دولة نعتمد على البترول بشكل أساسي كمصدر رئيسي للدخل بالإضافة إلى الاستثمارات الخارجية وأي ضغوط علينا كدول يجب أن تؤخذ بجدية لأنها يمكن أن تتحول إلى ضغوط سياسية وتفرض علينا التحول إلى أنظمة معينة، وبالتالي يجب علينا الحذر.
وقال إنه يجب على جميع القطاعات المعنية في الدولة أن تحضر لتلك الحقبة المتعلقة بالطاقة المتجددة لضمان الدخول بعهد الطاقة المتجددة ولكننا في الوقت نفسه يجب أن نعمل على حماية مصالحنا الوطنية المتعلقة بالنفط باعتباره مصدرا للطاقة والدخل.
تاريخ التغير المناخي
وشدد خريبط على أن تاريخ التغير المناخي في الكرة الأرضية ليس بجديد، فالأرض عندما تكونت منذ أكثر من 4.5 مليارات سنة لم يكن الجو كما هو الآن والعلماء لديهم أدلة علمية على ذلك ومنها أن الحيوانات والمخلوقات المائية استطاعت أن تعيش في المحيطات التي كانت حرارتها مرتفعة جدا.
ولفت إلى أن حرارة الأرض الداخلية تبلغ نحو من 5 إلى 7 آلاف درجة مئوية، والأرض مرت بعدد كبير من التغيرات المناخية فمثلا منذ 650 ألف سنة كان للجبال الجليدية سبع جولات في التقدم والانحسار وهذه الأجواء التي نراها اليوم لم تحصل سوى قبل 11.7 ألف سنة، فالأرض كانت سابقا حارة ورطبة جدا، ومرت بعصر جليدي قبل حوالي 1.8 مليون سنة، وكان هناك انحسار قبل 10 آلاف سنة.
وأشار إلى أن العلماء يقولون حاليا إن التغيرات المناخية للإنسان يد فيها بسبب انبعاثات الغازات الدفيئة ولوحظ بدء التغيرات المناخية منذ عام 1830 ولكن هناك ملاحظات بارتفاع درجات الحرارة بين 5 و7 درجات في الخمسة آلاف سنة الماضية وهذا ما يعيدنا للقول إن التغير المناخي مرتبط بتاريخ الكرة الأرضية.
معلومات غير دقيقة
بدوره، قال المدير التنفيذي لشركة الرؤية الكويتية لإدارة المشاريع البيئية والباحث العلمي سابقا في معهد الكويت للأبحاث العلمية د. رأفت ميساك إن ما أشارت له وكالة «بلومبيرغ» الى أن الكويت لم تكافح التحديات البيئية معلومة غير دقيقة وتحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر، وفيما يلي ما يدعم هذا الرأي:
٭ أولا: الكويت دولة من الدول الأطراف في اتفاقات ريو الثلاث التي تشمل التنوع البيولوجي ومكافحة التصحر والتغير المناخي منذ تسعينيات القرن الماضي، وقامت الكويت بتصميم وتنفيذ استراتيجيات وطنية في المجالات الثلاثة.
٭ ثانيا: الكويت تعلم تمام العلم أن الاختيار الأوحد للتخفيف من مخاطر التغيرات المناخية وغيرها من كوارث، هو إعداد خارطة طريق للصمود، تتواكب مع الرؤية المستقبلية للكويت وروح قانون حماية البيئة رقم 42 لسنة 2014 وأهداف وأولويات إطار سينداي للحد من المخاطر (2015-2030) واتفاق باريس للمناخ (2015) فضلا عن أهداف التنمية المستدامة المرتبطة بالحد من المخاطر وتبلغ 10 أهداف من أصل 17 هدفا (2015-2030) وإستراتيجية مؤتمر قمة تغير المناخ بجلاسكو (2040).
٭ ثالثا: في العام 2016 أعدت الكويت استراتيجية وطنية لتحييد تدهور الأراضي (2016-2040) تحت مظلة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر والتخفيف من الجفاف، وتتكون هذه الاستراتيجية من عشرة برامج، منها البرنامج رقم 4 الذي يختص بالتعامل مع التغيرات المناخية (2021-2040) والبرنامج رقم 6 الذي يختص بحصاد مياه الأمطار والسيول (2021-2040) والبرنامج رقم 9 الخاص بالتخضير (2016-2040).
٭ رابعا: تقترح منظمات المجتمع المدني في الكويت ممثلة بالجمعية الكويتية لحماية البيئة مراجعة وتطوير المنظومة الوطنية الحالية لإدارة الأزمات والكوارث في إطار التوافق مع الأطر والالتزامات الدولية التي منها إطار سينداى (2015-2030) وأهداف التنمية المستدامة (2015-2030).
وأشار د. ميساك إلى أن ما ذكرته الوكالة بأن الكويت ستكون غير صالحة للعيش بسبب التغير المناخي والارتفاع الشديد في درجة الحرارة، مجرد اجتهاد يفتقر إلى الموضوعية والدليل العلمي موردا بعض الملاحظات الهامة المرتبطة بذلك.
ولفت إلى أنه في إطار جهود الكويت في الحفاظ على عناصر المنظومة البيئية والحياة الفطرية وتنمية التنوع البيولوجي، تم إنشاء عدد من المحميات الطبيعية البرية بمناطق مختلفة في الكويت، وهذه المحميات تغطي قرابة 3242 كم2 (18% من الكويت) وهذه النسبة تزيد عن المعدل العالمي.
يطلق علي المناطق المحمية مصطلح «النقاط اللامعة» وفقا لقاموس اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر والتخفيف من الجفاف، وبطبيعة الحال تكون النقاط اللامعة الأفضل من نواحي التنوع البيولوجي والنوعية البيئية وانتاجية الأراضي ما ينعكس إيجابا على المنظومة البيئية بشكل عام.
زيادة بسيطة في مساحة الأراضي الزراعية
ولفت الى انه على الرغم من المساحة الصغيرة للأراضي الزراعية بالكويت، الا انها شهدت بمرور الوقت زيادة محدودة من 471 كم2 عام 2012 (2.6% من الكويت) الى 592 كم2 عام 2017 (3.3% من الكويت)
المنطقة منزوعة السلاح
وتحدث د.ميساك عن المنطقة المنزوعة السلاح بين الكويت وجمهورية العراق والتي تغطي مساحة 1009 كم2 (قرابة 6% من الكويت) تمثل جزءا أساسيا من رأس المال الطبيعي للكويت ولها العديد من المردودات الإيجابية منها الحفاظ على التنوع البيولوجي وتحسين خصائص التربة والتخفيف من مخاطر العواصف الرملية والغبارية والتغيرات المناخية.
نسبة وتناسب
بدورها، شددت الخبيرة بالشأن البيئي د. فهيمة العوضي على القيام بعدة دراسات حول التأثيرات الحرارية والنظر إلى ارتفاع درجات الحرارة نتيجة الاحتباس الحراري العالمي مؤكدة أن موضوع القدرة على تحمل الحرارة يخضع للنسبة والتناسب، فالكويت دولة صحراوية وهي تسجل أعلى الدرجات في العالم على مر الزمن وليس أمرا جديدا فالأمر لا يتعلق بالتلوث وعدم الوعي البيئي لافتة إلى أنها عوامل مؤثرة ولكن ليست السبب الرئيسي بل هو الاحترار العالمي.
وقالت إن دولة صغيرة كالكويت ليس لها تأثير على الاحترار العالمي بشكل كبير فالأمر متعلق بالتلوث العالمي نتيجة المصانع في الدول الصناعية مؤكدة انه لا يجوز اعتبار الكويت هي المسؤولة عن هذا الأمر.
ولفتت د.العوضي إلى أن معالجة الموضوع تتم عبر طرح ما هو متوقع من الكويت وليس اعتبار أنها المتسبب، مشيرة إلى أن المتوقع منها كدولة حضارية لديها ناتج محلي مرتفع وتحتل مرتبة مهمة في دول الأوبيك أن تساهم بمساحتها الصغيرة عن طريق المحميات ووسائل النقل والزراعة والتقليل من الغازات الدفيئة، مؤكدة أن تقرير «بلومبيرغ» مضخم، فالوضع ليـــس كما ورد فيه.