- الحزيمي: بقدر ما يكون أساس الأسرة متيناً يكون صرح المجتمع وبناؤه شامخاً منيعاً
- السلطان: بعض الآباء يقتصر دورهم على التمويل وتركوا مقعد المربي وجلسوا على مقعد الممول
قال الله تعالى (يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانهَ عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم من الأمور ـ لقمان: 17).
هذه الآية الكريمة تعد نموذجا حيا وباقيا لما ينبغي على الأبوين ان يفعلاه تجاه ابنائهم، كما تمثل الآية قاعدة تربوية ايمانية مهمة، حيث يفيض القرآن الكريم والسنة النبوية بالدعوة الى التربية الايمانية بالعقيدة والعبادات والاخلاق والمعاملات، ويجب ان نزرع تلك التربية في نفوس الأبناء وما يعينهم على النجاة في دنياهم وآخرتهم وينفعهم، ويكون عونا لهم في الحياة، فما الدور المأمول للاسرة في بناء مجتمع القيم والأخلاق؟
الحصن المتين
في البداية، يؤكد الامام والخطيب بوزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية الشيخ رائد الحزيمي ان للاسرة في الاسلام شأنا عظيما، فهي الاساس الذي بقدر ما يكون راسخا متينا يكون صرح المجتمع وبناؤه شامخا منيعا لما يختزنه من عوامل القوة والحيوية والنماء، ومن ثم كانت عناية الاسلام بمؤسسة الاسرة عناية بالغة وفي غاية الدقة والشمول، مبينا ان التربية الدينية الصحيحة تعد خط الدفاع والحصن المتين امام كل مظاهر انحراف الابناء في مجتمعاتنا العربية والاسلامية، فارتفاع معدلات الانحراف طبيعي في ظل غياب التربية الدينية، فالآباء انفسهم افتقدوا هذه التربية منذ صغرهم، بل ان بعضا منهم ـ مع الاسف الشديد ـ لم يربَّ تربية صحيحة كما علمنا ديننا الحنيف، فكيف ننتظر منهم ان يربوا ابناءهم على اشياء هم انفسهم افتقدوها؟ فإن فاقد الشيء لا يعطيه.
واكد انه لكي تؤدي الاسرة وظيفتها وتضطلع برسالتها لابد ان تقوم على دعائم واسس ومبادئ ثابتة وراسخة، فلقد ظلت الاسرة المسلمة تمثل صمام امان ضد الاخطار ومحاولات تذويب كيان الامة وطمس هويتها وإلغاء تميزها وريادتها، حينما كانت تعتصم بحبل الله المتين، لكن هذه الاسرة هي نفسها التي اصبحت مدخلا للهدف ونسف بنيان الامة حينما وقعت فريسة بين ايدي الاعداء، فقد ايقن هؤلاء أنه لا مطمع لهم من اضعاف الامة والاجهاز عليها الا بالتسلل الى حمى الاسرة لنقض عرها ونسف بنيانها.
غياب السلطة الأبوية
من جهته، أكد د.خالد السلطان ان غياب السلطة الابوية بوصفها سلطة ضابطة على الابناء سبب رئيسي في انحراف الابناء وضياعهم، وعدم استمرار هذه السلطة في ممارسة دورها سيترك فراغا تدخل من خلاله مؤثرات اخرى تعبث بعملية التنشئة ذاتها، وبصفة خاصة اذا اعطيت مساحة كبيرة للاصدقاء من دون ان يصاحبها توجيه اسري من الاب والام، فإن ذلك يؤدي ـ بلا شك ـ الى انهيار عملية التنشئة من اساسها.
واشار د.السلطان الى ان بعض الآباء تسببوا في ضياع اولادهم وافسادهم، عندما ظنوا ان دورهم يقتصر على التمويل فقط، فترك الاب مقعد المربي وجلس على مقعد الممول الذي لا يعرف معنى التنشئة والتوجيه الرشيد وتهذيب السلوك، مؤكدا ان اولادنا يحتاجون الى من يعينهم على مواجهة عوامل الانحراف ويشعر بهم ويشاركهم همومهم وآمالهم وآلامهم، واذا لم ننتبه الى ذلك فإننا نهدر حقوقهم ونضيع الامانة التي علقها الله في اعناقنا، قال صلى الله عليه وسلم «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، فعلينا ألا نفاجأ اذا ما وجدنا مجتمعنا اصبح مليئا بمختلف المعاصي صغائرها وكبائرها، فضلا عن تعاطي المخدرات وظهور الاكتئاب، لأننا بإهمالنا تسببنا حتى وصل المجتمع الى هذه الدرجة من البلاء، واصبح حالنا قريبا من المجتمع الغربي الذي لا يعرف من التربية الا الماديات فقط.
وسائل الإعلام
وحمل د.السلطان وسائل الاعلام، لاسيما المرئية منها، المسؤولية في انتشار العديد من الانحرافات الاخلاقية بين شبابنا ومراهقينا، مشيرا الى ان لها دورا كبيرا في افساد اخلاق الشباب بتقديمها لكثير من البرامج التافهة التي لا تحمل مضمونا تربويا ولا قيما سليما، بل اغلب تلك البرامج تثير الغرائز وتنميها لدى الشباب الذي لا يعرف كيف يكبح جماح شهوته، ومما يؤسف عليه ان تلك البرامج اصبحت على مرأى ومسمع من الابناء، وربما يعلم الآباء والامهات الذين يتعاملون مع الامر بسلبية شديدة بحجة ان الجيل الجديد يختلف عن الاجيال السابقة، اضف الى ذلك ايضا القوة العظمى في التأثير اليوم وهي مصيبة الانترنت وما يحويه من برامج التواصل الاجتماعي القائم اساسا على تدمير الاخلاق والدعوة الى الشذوذ والانحــلال، فنتائجه السلبية السريعة على الانسان شيء لا يتخيله العقل، قال صلى الله عليه وسلم «كـــيف بالمرء ان يضيع من يعول»، فلنحمي اولادنا ولا نهمل تربيتهم، وإلا فإن سخط الله ونقمته وشيكة.