- المدرسة الأحمدية الثانية بعد «المباركية» أدخلت الكويت مجالات التقدم صارت مجرد ذكرى عطرة.. لكنها دخلت التاريخ بعد ضمّ أرضها إلى قصر السيف
- مدرسة الصباح صاحبة أول مسرح مدرسي شهد تقديم أعمال فنية رائعة أصبحت خالية بسبب نزوح السكان من حولها لكنها بنيت من جديد في «الصوابر»
- مدرسة المثنى بُنيت في «القبلة» واتسمت بالحسّ التربوي وحلّ محلها الآن مجمع المثنى الكبير مقصد الكثيرين للحصول على ما يريدون من كماليات وغيرها
- المبنى المجهول قديم يكاد يتهاوى إن لم تدركه يد العناية لتعيد بهاءه وتوثّق أثر الأيدي الكويتية البديع في بنائه وتقديمه للعمل كتحفة رائعة
- المبنى المجهول هو مستشفى الولادة القديم و«الصدرية» القديم أيضاً وملحق بالمستشفى الأميري ومستشفى الأمراض العقلية قديماً وما تبقى منه لايزال قائماً
بقلم:د.يعقوب يوسف الغنيم
في الأوراق التي نقدمها هنا حديث عن مبان حكومية كانت قائمة في الكويت، وكان لها دورها في خدمة البلاد، ولكنها تقبع الآن في عالم النسيان، فبعضها مهدوم وبعضها الآخر ينتظر دوره في الهدم.
ولأهمية هذه المباني فإن من المهم ان نتحدث عنها، وأن نحتفظ بذكرها عبر هذه الأوراق.
كانت الأعمال التي تدار في هذه المباني التي اخترنا ان نورد معلومات عنها في هذا الفصل اعمالا مهمة استفاد منها الوطن والمواطنون معا.
وسوف يكون ما اخترناه من هذا النوع من المباني كما يلي:
1 - المدرسة الأحمدية.
2 - مدرسة المثنى.
3 - المبنى المجهول.
ونلحق بهذا الحديث ما تعودنا على إلحاقه في آخر كل فصل، وهو ما يتعلق بألفاظ اللهجة الكويتية.
وهذه هي المعلومات التي قصدنا عرضها:
1 - المدرسة الأحمدية
سيكون لنا في هذه الفقرة حديث عن المدرسة الأحمدية، وسيكون حديث تجربة معيشة املتها الحياة وشاهدها طفل في بدايات دراسته في مدرسة نظامية لم يجرب مثلها من قبل.
وهذه المدرسة مهمة في النظام التربوي في الكويت فقد نشأت قديما في سنة 1921م، وهي الثانية من نوعها بعد المدرسة المباركية التي انتظمت الدراسة بها منذ سنة 1912م، وشارك المقتدرون من ابناء الكويت في تأسيسها، واحتضنوها منذ كانت فكرة الى ان برزت الى الوجود، فدخلت الكويت بها مجالا مهما من مجالات التقدم، وكانت نموذجا فتح الطريق امام عدة مدارس تلتها في النشأة كانت اولاها المدرسة الاحمدية، ثم صار الطريق سالكا لقيام حركة تربوية شاملة بدأت بإنشاء مجلس المعارف في سنة 1936م.
ومن الدلائل على اهمية المدرسة الاحمدية انها نشأت لكي تسد نقصا رآه بعض المهتمين في مناهج الدراسة في المدرسة المباركية.
ولكي تسد نقصا آخر بدا في مقاعد الدراسة حيث ان النمو في اعداد التلاميذ صار يزداد باطراد بحيث لا تكفي مدرسة واحدة لاستيعابهم جميعا.
ومن المهم ان نذكر ان هذه المدرسة قد شهدت تعاونا حكوميا على انشائها منذ الخطوات الأولى، اذ كان امير البلاد الاسبق الشيخ احمد الجابر الصباح (1921م - 1950م) من اوائل المهتمين بنشأتها، الحريصين على ان تكون المناهج الدراسية التي تقدم فيها متطورة راقية، وأن تكون فيها اضافة حقيقية الى ما يلقاه التلاميذ في المدرسة الأولى (المباركية).
وحتى يبدي المزيد من اهتمامه بها فإنه تبرع لها بمبلغ مقداره 2000 روبية سنويا، وكان هذا المبلغ كبيرا في ذلك الوقت.
ومن المعروف ان هذه المدرسة قد صارت في هذه الايام مجرد ذكرى لما مضى من الزمان، ولكنها ذكرى عطرة تدل على عمل جليل قام به ابناء الكويت (حكومة وشعبا) وأعدوا له اعدادا جيدا.
وكان نشاط المدرسة في اثناء عملها نشاطا بارزا يلفت الانظار، وكان مدرسوها من ابناء الكويت الحريصين على اداء واجباتهم، الراغبين في ايصال العلم الى تلاميذهم، وكانت تقام بها في المناسبات المختلفة احتفالات متنوعة يحضرها كبار القوم وأولياء امور التلاميذ وعلى رأس هؤلاء جميعا أمير البلاد.
وعندما يأتي الى الكويت ضيف كبير من ضيوف الأمير فإن من برنامج زيارته - لا بد - زيارة المدرسة الأحمدية بمعية الأمير الذي كان فخورا بهذه المدرسة سعيدا بقيامها.
وانتهت الحاجة الى المدرسة الاحمدية بسبب موقعها اذ جرى تثمين وهدم المساكن المتاخمة لها، فانتقل السكان الى مواضع اخرى، وقل عدد تلاميذها كثيرا، وعند ذاك بني لها مبنى آخر كان موقعه في المكان الذي أنشئت فيه مكتبة الكويت الوطنية بعد سنوات من توقف الدراسة بها، ثم حل بهذا الموضع ما حل بالموضع الأول فتم نقل المدرسة الاحمدية الى منطقة المنصورية ولاتزال قائمة بها، تستقبل التلاميذ وتؤدي واجبها.
ومما ينبغي ان يقال هنا ان موقعها الأول القديم قد دخل التاريخ مرة أخرى عندما ضُمت ارضها الفضاء الى الامتداد الغربي لقصر السيف فصارت ضمن منظومة رائعة تضم عددا من المؤسسات المهمة ابتداء من قصر السيف القديم والديوان الاميري شرقا مرورا بمجلس الوزراء، اضافة الى اماكن اخرى ضمن هذه المنظومة التي صارت تمثل مظهرا من مظاهر الحكم في البلاد.
مدرسة الصباح
في شارع أحمد الجابر المؤدي الى قصر دسمان وقبل الوصول الى فريج العاقول الذي نُسي اسمه الآن على يمين المتجه الى الشرق بنيت في سنة 1947 (مدرسة ابتدائية) كانت لها اهمية بسبب ما تقوم به من انشطة مجاورة للأنشطة التعليمية المعتادة.
وهي بموجب التاريخ الذي ذكرناه من مدارس الكويت القديمة قد تم افتتاحها في العام الدراسي 1947-1948، ودخلت حاليا الى منطقة الصوابر، وذلك بعد ان هدمت وأصبحت ضمن موقع هذه المنطقة.
كانت هذه المدرسة مبينة بناء جميلا، وكان لها مدخل فيه الكثير من النقوش التي تجذب الأنظار، أما طلابها فقد كانوا هم أبناء المنطقة المحيطة بها، وكان أول ناظر لها هو الأستاذ حمد عيسى الرجيب الذي اهتم بها في بداية تأسيسها، ووضع لها مسرحا هو الأول من نوعه في مدارس تلك الأيام، وكان يعاونه عدد من المدرسين منهم الأساتذة عبدالعزيز الشاهين، وأحمد مهنا، وسليمان احمد الحداد، وعبدالله الجاسم العبيد، وصالح شهاب، وفاضل خلف، ومحمد صالح تقي، وغيرهم كثيرون لا يتسع المجال لتعداد اسمائهم، ولقد قام كل هؤلاء بجهود كبيرة في سبيل دعم عمل المدرسة والعناية بطلابها، وقد حصل عدد منهم على مراكز رائعة في الحكومة فخدموا الكويت في اكثر من مجال، مخلفين ذكرا لن ينسى، وتلاميذ يحفظون لهم الفضل في تنشئتهم وتربيتهم وقد تعاقب على نظارة مدرسة الصباح بعد ناظرها الأول كل من الاساتذة احمد اللباد، وأيوب حسين، ونجم الخضر وغيرهم.
ولما كان الاستاذ حمد الرجيب من المتخصصين في المسرح فقد حرص على ان تستفيد المدرسة من تخصصه هذا، فقام كما قلنا بإنشاء مسرح في ساحتها، وقدم عددا من الاعمال التمثيلية عليه يذكر الناس ان من اولى المسرحيات التي قدمت في الكويت على مسرح لائق كانت مسرحية (وفاء) التي قدمها الرجيب وأخرجها وشارك بالتمثيل فيها اضافة الى ذلك فقد كانت مدرسة الصباح من اوائل المدارس التي تشارك في المناسبات الدينية والوطنية ولها حفلات يحضرها كبار القوم ليطلعوا من خلالها على انشطة ابنائهم المختلفة، كما كانت لها مشاركات في المجال الرياضي، تقيم مباريات داخلية وتسعى الى مشاركة المدارس الاخرى في هذه الأنشطة، وكانت مبادراتها هذه تترك اثرا فعالا في تقدم الطلاب في المضمار الرياضي.
لقد قامت مدرسة الصباح بدورها الكبير في سبيل تعليم الأبناء وتربيتهم على اسس سليمة الى ان اصبحت خالية بسبب نزوح السكان من حولها فتم الاستغناء عن مبناها ولكنه بني - كما ذكرنا - من جديد ضمن منطقة الصوابر، ولم يعد هذا المبنى مدرسة ابتدائية كما سبق أن كان.
2 - مدرسة المثنى
هذه مدرسة ابتدائية تم انشاؤها في السنة الدراسية 1948/1949م ونشأت معها في وقت مقارب مدرسة الزهراء للبنات وهما من مدارس القبلة وهو اللفظ الذي يطلق على غربي عاصمة البلاد وتنطق قافه جيما فيقال: جبله.
تقع مدرسة المثنى بالتحديد في شارع فهد السالم وقد حل محلها مجمع المثنى الكبير الذي يرتاده الناس باستمرار للحصول على ما يريدونه من كماليات او غيرها مما تدعوهم اليه الحاجة.
وهذا المجمع لا يضم مدرسة المثنى وحدها بل لقد ضمت اليه روضة من رياض الاطفال كانت ملاصقة للمدرسة المذكورة وكان اسم هذه الروضة هو: الأندلس.
كانت مدرسة المثنى تضم عددا كبيرا من ابناء منطقة القبلة وكان خريجوها ينتقلون بعدها الى المدرسة القبلية الابتدائية التي زالت الآن.
كنت عند افتتاح هذه المدرسة تلميذا في المدرسة الاحمدية، وقد جرى نقلي مع عدد من زملائي المقاربين لي في السكن الى مدرسة المثنى، وكانت نقلة مفاجئة، ولكني سعدت بها فيما بعد، فقد كان ناظرها المربي القدير الاستاذ عقاب الخطيب وكان معه عدد من المدرسين منهم الاستاذ محمد النشمي منقولا معنا من المدرسة الاحمدية، والاستاذ علي القرطاس والاستاذ يوسف صالح العمر والاستاذ عبدالمحسن الحمود، والاستاذ عبداللطيف الفلاح والاستاذ فؤاد المشري وغيرهم.
ولقد كتبت ذكرياتي حول المدرستين اللتين تلقيت دراستي فيهما عند بداية حياتي، وكان من ذلك ما يلي:
وفي العام الدراسي 1948-1949 بنيت في منطقة القبلة مدرسة جديدة هي مدرسة المثنى، وهي المدرسة التي بني في موقعها مجمع المثنى الشهير الواقع في شارع فهد السالم، وتقرر ان ينتقل اليها جميع الطلاب الذين يسكنون تلك المنطقة، وقد أحضروا لنا سيارة من نوع اللوري كانت مليئة بآثار الرمل والاسمنت، اذ كانت تستعمل لنقل المواد الانشائية الى مواقع المباني المدرسية الجديدة، ولم يكن عندهم غيرها فنقلونا بها دون علم اهلنا الى المدرسة الجديدة، وصادف ذلك اليوم وصول الاستاذ صالح عبدالملك الصالح الى المدرسة الاحمدية ليكون ناظرا لها، ولما هو معروف عنه من الشدة والصرامة فقد كان عدد من التلاميذ الذين لم يتنقلوا معنا يتمنون لو نالهم حظنا بالانتقال الى حيث المدرسة الجديدة، والناظر المشهور بقدرته التربوية الاستاذ عقاب الخطيب.
ولقد فقدت في مدرسة المثنى ذلك الجو الرائع في المدرسة الاحمدية، فالأخيرة كانت تقع على البحر مباشرة عند الحد الغربي لمباني قصر السيف الجديدة وكانت مفتوحة على الجهة البحرية لا يفصلها عن البحر الا شبك من الحديد المشغول الذي يضفي على الموقع منظرا جميلا، حيث تقع بينه وبين البحر حديقة جميلة رائعة التنسيق، تزهو بالزهور وخاصة العصفر ذو اللون الاحمر الذي يميل الى الصفرة، وعباد الشمس بزهرته الكبيرة المستديرة الصفراء، وغير ذلك من الازهار مما لم أكن اراه قبل دخولي هذه المدرسة، اما المبنى فكان على شكل مربع منه ضلع خال من المباني، والآخر حديقة، أما الضلعان الآخران ففيهما الفصول على امتدادهما، وأمام هذه الفصول (ليوان) يقوم على اعمدة اسمنتية منقوشة، وفي أحد جوانب هذا (الليوان) كان يقام المسرح الذي تحتفل فيه المدرسة بالمناسبات وبخاصة عند نهاية العام الدراسي، وقد حضرت احدى تلك المناسبات التي مثل فيها استاذنا في المدرسة المرحوم محمد النشمي مع عدد من الطلاب، واذكر يومها اعتراض المرحوم راشد السيف ناظر المدرسة على استعمال الدفوف ضمن العمل المسرحي، معتقدا انه لا يجوز ان يحدث هذا في مكان له قيمته وهو المدرسة، وقد عاش - رحمه الله - الى ان شاهد دروس الموسيقى وآلاتها امام عينيه في المدارس، ولكن ذاك زمان وهذا زمان.
كان شعوري يوم انتقالي الى مدرسة المثنى غريبا، فبالإضافة الى الابتهاج بالتغيير والانتقال الى جو جديد مفرح الا انني فقدت عددا من اصدقائي وفقدت جمال المبنى الذي تتحلى به الاحمدية ذلك المبنى الرحب الجميل المطل على البحر المحتوي على حديقة جميلة، أما المثنى فقد كانت ضيقة، ساحتها غير كبيرة، تحيط بها الفصول من جوانبها الأربعة، بالإضافة الى (الليوان) الذي يميز الكثير من مدارس الكويت، ولكن هذه المدرسة لا تخلو من ميزات، فالحس التربوي الذي يتميز به الناظر كان له اثره في تقديم العديد من الفرص للطلاب كي يبرزوا، ويعيشوا في جو مدرسي سليم، كان التشجيع ميزة لم تتوافر لنا من قبل، اذكر انني قصصت - ارتجالا - قصة قصيرة في احدى الحصص، وأخبرت الاستاذ المرحوم عبدالمحسن الحمود ان هذه القصة من خيالي ولم اسمعها من احد، وسرعان ما ابلغ ناظر المدرسة بذلك وفي الصباح كانوا ينادونني من الطابور ويسلمون لي جائزة هي عبارة عن مجموعة من القرطاسية، مع كلمة طيبة فيها ثناء علي لم اكن اتوقعه.
وفي المدرسة الى جانب ذلك غرفة للمكتبة اظنها اول مكتبة مدرسية في الكويت، وغرفة للألعاب يزاول فيها الطلبة الكثير من الألعاب التربوية، كما كان فيها اهتمام بالكشافة التي انتقل الاستاذ محمد النشمي من اجلها الى المثنى، وكذلك الفريق الخاص الذي يشارك المدارس الاخرى في نهاية العام عند اقامة المهرجان الرياضي الكبير الذي يقام سنويا على مستوى البلاد، وكنت احد المشاركين في هذا الفريق.
ومما أسعدنا في هذه المدرسة مجاورتها لمزرعة تخص آل العدساني، وكانت مليئة بالاشجار والازهار البرية التي نراها في فصلي الربيع والخريف، بالاضافة الى ما يرد الى اسماعنا من اصوات العصافير والطيور المهاجرة التي كانت تعبر البلاد في هذا الوقت.
3 - المبنى المجهول
هذا حديث عن مبنى يجهله كثير من الناس، ولكنه كان يحظى بشهرة واسعة، ويؤدي خدمة لكثيرين منهم حتى نصل اليه فإننا نورد شيئا مما سبق نشره سنة 2005 ونبدأ بما يلي:
إذا سرت من عند دروازة البريعصي (بوابة الشعب حاليا) فإن اتجاهك منها الى حدود المقوع الشرقي سالكا شارع السور، وفي منتصفه يأتي المبنى الذي نصفه بأنه مجهول وهو كذلك فعلا.
ها نحن نراه على اليسار - في اتجاهنا الى الشرق - فنرى انه من المباني التاريخية التي تنتظر من يلتفت اليها وهو مبنى جميل ولكنه قديم يكاد يتهاوى ان لم تدركه يد العناية، وقفت امامه متأملا فوجدت اثر الايدي الكويتية التي قامت ببنائه وقدمته للعمل تحفة رائعة، فمن جانب منه نرى واجهة مزخرفة تنتهي بشكل يشبه التاج ترتفع عليه سارية العلم، ومن تلك الواجهة التي جاءت على شكل مثلث في الزاوية الشمالية الشرقية من المبنى يأتي باب من الحديد المشغول شديد الارتفاع.
اما من جانب آخر فيمتد المبنى من جهة تستقبل الشمال تزينه اعمدة جميلة تنتهي بأقواس منقوشة الجوانب عملت كلها بالاسمنت وكان تعدد هذه الاقواس مع امتداد المبنى من اهم ما قدم لنا الصورة الجميلة التي رأيناها.
اما في الداخل فيستطيع الناظر ان يخمن ان المباني المتعددة داخل المبنى الاصلي انما بنيت على مراحل بحسب الحاجة وبحسب الاستعمالات التي كان المبنى بمجموعة يخضع لها، وهو اليوم مغلق بسلاسل وأقفال من جهة، ومعرض للتلف والتدمير من الجهة المطلة على شارع السور بسبب عزم احدى الشركات على البناء بقربه.
هذا المبنى! هو مستشفى الولادة القديم وهو مستشفى الامراض الصدرية القديم ايضا، وهو ملحق المستشفى الاميري كما هو مكتوب عليه الآن، وهو - كذلك مستشفى الامراض العقلية قديما، ولم يكن عندما استعمل الاستعمال الاخير بالحجم الذي نراه الآن ولكن ما تبقى من مستشفى الامراض العقلية لا يزال قائما بجواره.
أنشئ مقر مستشفى الامراض العقلية في الموقع الذي ذكرناه بعد ان تم نقله قبل ذلك الى اكثر من مقر، وكان هذا المبنى مكونا من طابقين على هيئة بناية سكنية، فهو لا يحظى بالشكل الجميل الذي ظهر به المبنى اللاحق بأكمله، وقد بقي العمل فيه في مكانه الى ان تم نقله منه الى مكان قريب يقع في المنطقة المتاخمة للمبنى المسمى «الخليجية» الواقع على دوار الصباح، وقد سمي المقر الجديد مستشفى الامراض العقلية وهو يتسع لأربعين سريرا، وتولت دائرة الصحة العامة تجهيزه بالادوات الضرورية، وتم افتتاحه في سنة 1953م.
وفي العدد الاول من مجلة «كاظمة» الذي صدر في شهر يوليو لسنة 1948م خبر بعنوان «ملجأ المجانين» وفيه ما يلي: «أصبح هذا الملجأ في عهدة مديرية الصحة العامة التي نقلت المجانين الى بيوت استأجرتها مؤقتا ريثما يتم بناء ملجأ لهم مستوف للشروط الصحية، وسيكون هذا الملجأ شرقي البلد، وسيطرح على المناقصة عما قريب».
اما الموضع القديم لهذا المستشفى فقد بني الى جواره المبنى الذي تم وصفه في بداية حديثنا، ودخل البناء القديم ضمن الحدود الجديدة ولكنه ظاهر للعيان حتى اليوم، فإنه عندما تم البناء صار الموضع بكامله مستشفى للأمراض الصدرية وبقي هذا المستشفى هنا الى سنة 1959م، حيث افتتحت المباني الجديدة المخصصة له في منطقة الشويخ، ومنذ اليوم العشرين من شهر يونيو لسنة 1961م وصار المبنى المشار إليه آنفا مقرا لمستشفى الولادة في المنطقة التي هو فيها، ثم هو اليوم بالشويخ منذ شهر ابريل لسنة 1968م وصار المقر السابق ملحقا بالمستشفى الاميري، ثم استغنى عنه فأقفل وأهمل ولاتزال اللوحة التي يحملها المدخل الخلفي للمبنى تنص على انه ملحق المستشفى الاميري.
حول اللهجة الكويتية
- الآردي: لا شك في ان عددا كبيرا من ابناء الكويت في هذه الأيام لم يسمع بهذا الاسم، ولكنه كان اسما شائعا في البلاد قديما، فهو جزء من العملة التي لم يكن يستعمل غيرها في كل المعاملات من بيع او شراء.
ولكن عدم المعرفة به - حاليا - امر يرجع الى مضي مدة طويلة على توقف استخدامه، والواقع ان النقد الهندي عندنا كان قد بدأ استعماله في الفترة ما بين سنتي 1830م و1835م.
واستمر استخدامه حتى وقت صدور الدينار الكويتي في سنة 1961م، وقد كان الانتقال من استعمال النقد الهندي الى استعمال النقد الكويتي على الرغم من صعوبته بسبب التعود على النقد الاول، ولكننا كنا سعداء بصور نقد بلادنا الخاص باعتبار ذلك الامر دليلا على الاستقلال الذي نلناه بإلغاء الاتفاق التعاقدي مع بريطانيا في 19/6/1961م وكان هذا بعد صدور النقد الكويتي بما يقارب الشهرين من الزمان.
تتكون الربية الهندية من ستة عشر آنه وكانت الآنة الواحدة تساوي اربع بيزات (واحدتها بيزة)، اما البيزة فتتكون من ثلاثة اجزاء كل جزء منها يسمى الآردي.
وكانت لهذا النقد في بدايات تداوله قوة شرائية كبيرة بسبب ظروف تلك الايام. ومن ادل ما يمكن ان نمثل له بذلك هذا اللغز الشعبي الذي كانا نسمعه قديما وهو: «إبيزة يترس الحوش».
بمعنى ما هو الشيء الذي يملأ فناء المنزل ببيزة واحدة؟ وكان الجواب انه هو السراج، فهو يملأ الفناء اذا اشعل وهو لا يضيء بلا كورسين وهو ما نسميه القاز وكان سعر ملئه - آنذاك - بيزة واحدة وكانت البيزة جزءا من 65 جزءا من الربية التي كانت تساوي يومذاك خمسة وسبعين فلسا، بنقدنا الحالي.
والآردي الذي بينا حجمه المادي كان مما يباع به ويشترى في ذلك الوقت. ومما يذكر ان هذا النوع من النقد نظرا الى انه لم يكن نقدا كويتيا فقد كانت كمياته المستعملة في الاسواق تقل كثيرا في بعض الاحيان حتى يتسبب ذلك بأزمة خانقة جعلت المجلس البلدي يتدخل لحل واحدة من تلك الازمات في سنة 1351هـ التي توافق سنة 1933م.
وقد اوحت هذه الحادثة بقصيدة نظمها استاذي الشاعر راشد السيف قائلا في بداية نشرها انها: «بمناسبة العملة المعروفة: الاوراد الهندية، وفقا لقرار المجلس البلدي حيث اشتدت الازمة الاقتصادية».
وقد آثر جمع (آردي) على أوراد، بينما كان النطق العام عندنا هو: آرديات، ومن قصيدته قوله:
تنال الخير إن وُفقت فيه
خليلي فانبذن عنك العوائد
عن الإفلاس لم تنفع فلوسٌ
ولو راجت بأيدينا الأواردْ
ولقد استمر الآردي في الاسواق دهراً يباع به ويشترى، إلى أن تغيرت الظروف المادية في البلاد تدريجيا، فصار استعماله نادرا ثم اختفى مع تزايد الارتفاع المادي، ولكنه بقي حيا في المحاسبات، وفي أوراق التجار الى ان أُلغي النقد الهندي كله وجاء دينار الكويت.