- شعبان رسول رمضان وسفير شهر القرآن فيه ترفع الأعمال إلى رب العالمين
- حري بنا أن نتفقه في أسباب قبول العمل وشروطه وموانعه وعلامات قبوله
- اصدقوا في توبتكم لله تعالى في شهركم فهي خير خاتمة لعامكم الذي مضى
ليلى الشافعي
مضى أسبوع من شهر شعبان وتدعو ألسنة وقولب المسلمين في العالم «اللهم بلغنا رمضان.. لا فاقدين ولا مفقودين» فهل شمرتم لاستقبال رمضان.. وعن فضل شهر شعبان والحكمة من إكثار الرسول صلى الله عليه وسلم من صومه، وفضل هذا الشهر، يتحدث الشيخ يحيى العقيلي لـ «الايمان»:
يقول الشيخ يحيى العقيلي: هذا هو شهر شعبان بشارة رمضان، بلغنا الله وإياكم صيامه وقيامه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعاهده بالصيام لأنه شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى، قال أهل العلم ترفع فيه اعمال العام المنصرم وخير حال المرء أن يُرفع عمله وهو صائم.
وفي رفع العمل لله تعالى وقبوله، بين الشيخ العقيلي من أسباب رفع العمل مقبولا عند الله تعالى أن يتجنب المرء الشحناء والبغضاء على إخوانه المسلمين، فإن ذلك مانع من رفع العمل وقبوله عند الله جلّ وعلا. قال صلى الله عليه وسلم: «تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر الله لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين اخيه شحناء فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا انظروا هذين حتى يصطلحا انظروا هذين حتى يصطلحا».
وزاد: شهر شعبان رسول رمضان وسفير شهر القرآن، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد فيه ويخصه بأعمال دون غيره من الشهور مما أثار انتباه الصحابة إلى ذلك، حتى لاحظ أسامة بن زيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، فقال أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟
فقال: «ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم».
فرسول الله صلى الله عليه وسلم يشير في الحديث الى الغفلة عن العبادة، والغفلة داء فهي تصرف القلب عن الله تعالى وتصرف العقل عن التفكر في حسن العاقبة وتصرف النفس عما يزكيها، وتصرف البدن عما فيه صلاحه وعافيته وتحجب المرء عما فيه سعادته في دنياه ونجاته في أخراه وقد عرض القرآن الكريم الغفلة في خمس وثلاثين آية، محذرا لنا منها (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين).
وجاء التحذير من مصاحبة غافل القلب، لأن ذلك سبب للانجرار معه في غفلانه، قال تعالى: (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا).
وأكد الشيخ العقيلي ان مما يحفظ المؤمن من الغفلات كثرة الذكر لله تعالى، فهي وصية الله لعباده، وأيضا مما يحفظ المؤمن من الغفلات التزامه الصلوات في المساجد التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، ومنها صحبة الصالحين، ومنها تتابع العمل الصالح وتعاهد القربات، كما أوصى ربنا جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم (واعبد ربّك حتى يأتيك اليقين).
وعن علامات قبول العمل في شهر شعبان، قال: هذا الشهر الذي ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين وبعده نشرف بقدوم شهر رمضان المبارك، شهر الخيرات والبركات والقربات، حري بنا ان نتفقه في أسباب قبول العمل عند الله تعالى، فقبول العمل هو ما كان يلهج لطلبه الخليل وابنه اسماعيل - عليهما السلام - حين رفعا قواعد الكعبة، فمن علامات القبول الرضا عن الله سبحانه وتعالى، فلا يعترض على حكمه وشرعه أو يتبرم من قدره ولا يرضى الله إلا على من رضي عنه وهم أهل الجنة الذين قال عنهم (رضي الله عنهم ورضوا عنه)، ومن تلك العلامات: تتابع العمل الصالح (ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا) وقوله تعالى: (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى)، وأيضا من علامات القبول استصغار العمل في عين صاحبه واستشعار تقصيره (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون).
أما عن شروط قبول العمل، فقال الشيخ العقيلي: ثلاثة، أولها تحقيق الإيمان والإسلام (فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون) والشرط الثاني لقبول العمل: الإخلاص لله تعالى المنافي للرياء والعجب (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا). أما الشرط الثالث فهو موافقة العمل لهدي النبي صلى الله عليه وسلم «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» رواه مسلم. ومن هنا وجب على المؤمن ألا يتقرب بقربة إلا بعد تحققه من موافقتها للشرع المطهر.
وحذّر العقيلي مما يمنع قبول العمل، وذلك باختلال أحد الشروط أو بتلبسه بأحد الموانع ومنها المن والأذى، ومنها أكل الحرام، ومنها التخاصم بين المسلمين.
وأشار الى حال السلف الصالح في شعبان فإنهم كانوا إذا دخل شهر شعبان أقبلوا على مصاحفهم فقرأوها وأخرجوا زكاة أموالهم ليعينوا غيرهم على طاعة الله في رمضان، وكان يقال: شهر شعبان شهر القرآن فاغتنموا أشهركم وتحروا أسباب رفع العمل وقبوله عند الله تعالى من الإخلاص لله كما أمر جل وعلا، وقال: (وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين)، واصدقوا في توبتكم لله تعالى في شهركم فهي خير طاعة لعامكم الذي مضى وتهيأوا لقدوم رمضان بحسن الإعداد والاستعداد لصيامه وقيامه والعمل الصالح فيه، وأحسنوا وفادة شهركم هذا وأكرموا ضيافته واقتدوا بنبيكم في تعاهد صيامه وتحري رفع العمل فيه رجاء كرم الله وغفرانه.
أحداث تاريخية مهمة وقعت في شعبان: تحويل القبلة وفرض الصيام
شهر شعبان حافل بالعديد من الأحداث التاريخية المهمة، ففيه أمر الله تعالى المسلمين بالجهاد في سبيله، وأوجبه عليهم، وألزمهم به، كما حولت القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام في شهر شعبان، بعد أن صلت جموع المسلمين إلى جهة بيت المقدس، وأحدث ذلك العديد من التساؤلات خاصة أن تحويل القبلة كان بعد الأمر بالجهاد، ومن الأحداث الواقعة في شعبان غزوة بدر الصغرى التي لم يحصل فيها قتال بين المسلمين والكفار، وبلغ عدد المسلمين فيها 1500 مقاتل.
٭ تحول قبلة المسلمين إلى الكعبة المشرفة: حيث أمر الله تعالى المسلمين بتحويل القبلة إلى الكعبة المشرفة، بعد أن كانت قبلتهم باتجاه بيت المقدس لسنة ونصف، وتم بذلك نسخ أول حكم شرعي، وضرب الصحابة رضي الله عنهم أروع الأمثلة في الاستجابة لأمر الله تعالى دون أي تردد أو تأخير، حتى ان بعضهم بلغهم حكم تحول القبلة وهم راكعون في الصلاة فداروا كما هم باتجاه الكعبة.
٭ فرض الصيام في رمضان: حيث فرض الله تعالى الصيام على المسلمين في العاشر من شعبان من العام الثاني للهجرة، كما قال ابن كثير رحمه الله: «وفي شعبان فرض صوم رمضان»، ولابد من الإشارة إلى أن زكاة الفطر فرضت في نفس الوقت.
٭ غزوة بني المصطلق: حيث وقعت هذه الغزوة المباركة في الثاني من شعبان من العام الخامس للهجرة، وكان سببها أن بعض الأخبار وردت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مفادها أن المشركين يتجمعون لقتاله والقضاء على المسلمين، فأمر صلى الله عليه وسلم الجيش بالاستعداد، وباغت المشركين بالهجوم عليهم وهزمهم.
ومن الأحداث التي وقعت في هذه الغزوة افتضاح المنافقين الذين يسعون في إفساد المجتمع المسلم، من خلال الكذب، والتحريض، ونشر الفتن بين أبنائه، حيث حاولوا استغلال خلاف وقع بين المهاجرين والأنصار ليشعلوا الصراع بين المسلمين، وقال رأس النفاق عبدالله بن أبيّ في ذلك اليوم قولته الخبيثة: «لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل»، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدخل مباشرة وقال: «دعوها فإنها منتنة»، فدفنت الفتنة في مهدها.
- في 9 من شعبان 932هـ = 21 من مايو 1526م: السلطان المسلم بابر شاه ينتصر على جيش هندي ضخم، يضم 100 ألف جندي وألف فيل في معركة «بانيبات» التي استمرت 7 ساعات فقط، وينتمي بابر شاه إلى سلالة تيمور التي أقامت حكما إسلاميا في الهند استمر 3 قرون.
- في 10 من شعبان 12هـ = 20 من أكتوبر 633م: معركة الحصيد: بين المسلمين بقيادة «القعقاع بن عمرو»، والفرس بقيادة «روزبه»، وانتصر المسلمون، وفر الجيش الفارسي بعد مقتل قائدهم.
- في 15 من شعبان 1294هـ = 25 من أغسطس 1877م: القائد العثماني أحمد مختار باشا ينتصر على الجيش الروسي في معركة «كدكلر»، ويحصل من السلطان العثماني «عبدالحميد الثاني» على لقب «غازي» لانتصاراته المتعددة على الجيوش الروسية.
- في 18 من شعبان 967هـ = 14 من مايو 1560م: الأسطول العثماني بقيادة طرغد باشا ينتصر على الأسطول الإسباني الصليبي في معركة «جربا» قرب تونس، في واحدة من كبرى المعارك البحرية في التاريخ العالمي في تلك الفترة، ويقتل أكثر من ثلثي بحارة الأسطول الإسباني، في حين لم يسقط من العثمانيين سوى ألف شهيد فقط.
- في 20 من شعبان 852هـ = 19 من أكتوبر 1448م: السلطان العثماني مراد الثاني ينتصر على جيوش أوروبا المسيحية المؤلفة من مائة ألف مقاتل في معركة «كوسوفا» بعد 3 أيام من القتال الشرس الذي قتل فيه 17 ألف أوروبي، وتعد هذه الحملة الأوروبية هي الحملة السادسة التي تجهزها أوروبا لطرد العثمانيين من أوروبا، لكنها فشلت في تحقيق الهدف.
- في 23 من شعبان 13هـ = 22 من أكتوبر 634م:نشوب معركة «الجسر» بين المسلمين بقيادة أبي عبيد، والفرس بقيادة ذي الحاجب «بهمن بن جاذويه»، وكانت معركة هائلة استشهد فيها أبوعبيد، وتولى القيادة المثنى بن حارثة، ولم يوفق المسلمون في تحقيق النصر، وإن أبلوا بلاء حسنا في المعركة.
- في 24 من شعبان 13هـ = 23 أكتوبر 634م: نشوب معركة «أليس الصغرى» بين المسلمين بقيادة «المثنى بن حارثة» والفرس، وكان النصر فيها حليفا للمسلمين.