- البحث عن النفط واستخراجه من مكامنه كان على رأس موضوعات البحث بين الشيخ مبارك الصباح والقنصل العام البريطاني في الخليج خلال سنة 1913
- الشيخ أحمد الجابر لاحظ تلكؤاً من الجانب البريطاني في استخراج النفط فقام باتصالات مع شركة للتنقيب لم ترشحها بريطانيا مما أثار حكومتها
- قصة استخراج النفط في البلاد استغرقت نحو 30 عاماً حتى عام 1934 وتأسيس شركة نفط الكويت (بريطانية ـ أميركية) للاجتهاد في التنقيب
- الشيخ أحمد الجابر منح الشركة امتيازاً خاصاً للبحث عن النفط وإنتاجه وتم تعديله ليصبح للدولة الحق في تسلم نصف الأرباح الناتجة عن أعمالها
- مدة الامتياز الأصلي 75 عاماً وحددت بمقدار 17 سنة أخرى في العام 1951 بحيث ينتهي الامتياز في سنة 2026
مع اقترابنا من نهاية ما نقدمه من أوراق، فإننا نورد هنا ما لابد من ذكره قبل التوقف، وهذا الذي نقدمه في هذا الفصل، وفي هذا اليوم منه ما يتعلق بأهم ما أفاد الكويت بعد توقف مواردها البحرية وهو النفط، ومن المعلوم ان عاصمة النفط عندنا هي الاحمدي التي تطور امرها فيما بعد فصارت محافظة ضمن محافظات الكويت. ولن يكون بالإمكان - حرصا على مكان النشر ومقدار ما ينشر - ان نضيف الى هذا الموضوع موضوعا آخر ماعدا ما له صلة باللهجة الكويتية، ولكننا مع ذلك لا نتردد في تقديم فقرة عن الاحمدي التي صار اسمها معروفا في الداخل والخارج منذ ان نشأت، ومنذ الاحتفال الكبير الذي تم بموجبه تصدير النفط من الكويت. ومن هنا يبدأ عرضنا التفصيلي لما أجملناه أعلاه:
1 - من تاريخ النفط في الكويت
يطول الحديث عن النفط في الكويت.. ولئن كنا قد تحدثنا عنه في مقال سابق، فإن ذلك الحديث أشبه ما يكون بصورة عاشها العاملون في حقول النفط في بداية التنقيب عنه، ولكننا هنا نعود بالتاريخ إلى الوراء لنورد القصة التي عاشتها البلاد على تعاقب حكامها مع هذا السائل الأسود الذي اتخذ اسم الذهب، وهو بالفعل كذلك، أليس مادة ثمينة تدر المال على البلد الذي تتفجر فيه فتحوله من بلد محتاج الى بلد غني؟
نعم.. وهذا هو الذي دفع الى مزيد من الاهتمام بموضوع البحث وبخاصة في اعقاب ضمور مورد من أهم الموارد في الكويت وهو صيد اللؤلؤ (الغوص) الذي كسد سوقه بسبب المنافسة غير المتكافئة مع اللؤلؤ الزراعي الذي انتجته اليابان، كما اشرنا فيما سبق اضافة الى تغير الأحوال بزيادة الأعباء المالية على الحكومة والأفراد، والحاجة الى مورد دخل ثابت، وفرص عمل لا تتحكم بها المواسم.
منذ سنة 1913 ونحن نرى آثار تحري المنابع النفطية في البلاد ونلمس اهتمام الشيخ مبارك الصباح ومن جاء بعده بذلك، ولقد دارت مباحثات مهمة بين الشيخ مبارك والقنصل العام البريطاني في الخليج السير بيرسي كاكس بتاريخ السادس والعشرين من شهر أكتوبر لسنة 1913 م كان على رأس موضوعاتها البحث عن النفط واستخراجه من مكامنه، ولا بأس من العودة الى هذا الحديث فهو يمثل بداية قصة النفط عندنا. كان حديثهما يدور حول تصورات عن وجود النفط في البلاد، بناء على ملاحظات سطحية لبعض المواقع التي كان القار فيها يفيض على سطح الارض مما ينبئ بوجود محتمل للنفط تحت التربة المغطاة بذلك القار. وكان كاكس قد اقترح على الشيخ مبارك استدعاء شخص ينظر في هذا الامر تمهيدا لاتخاذ اجراءات اخرى مناسبة تستغل الكويت بموجبها هذه الثروة الدفينة، وفي رسالة ارسلها القنصل العام في اليوم التالي لتلك المقابلة، وتعقيبا على ما دار من حديث جاء ما يلي: «إذا جنابكم ما تشوفون فيها اعتراض ارجو من جنابكم ان ترخصوني اخبر الدولة البهية القيصرية الانجليزية بأن جنابكم راضين بوصول جناب ادميرال اسليد لأجل ملاحظته مكان القار في البرقان وغير اماكن». ثم يضيف القنصل العام شرطا له الصفة التجارية المعروفة اليوم، فالباحث عن هذه الثروة هو اولى بالاستفادة من نتائجها، ومن غير المعقول ان يقوم هؤلاء الانجليز بالبحث والتنقيب ثم اذا ظهرت النتائج المشجعة اعطي الامتياز الى غيرهم، لذا قال في رسالته، «وإذا صار في نظرهم امل تحصيل الكاز «النفط» منه، جنابكم يقبلون بأن لا تعطي امتيازا في هذا الخصوص الى احد سوى الشخص المعين الموصى عليه من طرف الدولة البهية القيصرية الانجليزية». كان الأمر بيد الشيخ مبارك الصباح فهو يستطيع ان يوافق على حضور الشخص المذكور ويستطيع ألا يوافق، اما الشرط الآخر فهو شرط تجاري عادي اذا قبل بحضور الشخص فلابد وأن يقبل به، وقد وازن الشيخ مبارك بين الفوائد التي سوف تجنيها بلاده، والوضع الراهن له، فوجد ان المصلحة تقتضي الرضا بالعرض، ولذا كتب رسالة في اليوم نفسه، رد فيها بموافقته على إبلاغ الحكومة البريطانية بالأمر، وعلى حضور الشخص المناسب للبحث، وأبدى استعداده لإرسال من يصحبه الى الأماكن المؤمل وجود النفط فيها سواء أكان ذلك في منطقة برقان او غيرها. ولم تتحقق الأمنية في عهد الشيخ مبارك الصباح الذي توفي في سنة 1915م وحل محله ولده الشيخ جابر المبارك ليقضي فترة قصيرة في الحكم، ثم جاء الشيخ سالم المبارك بعدهما في 1917 م ليستأنف ما بدأه والده، وها هو الحديث عن النفط يعود من جديد، بل ويتم البحث في اماكن مختارة من اراضي الكويت تدل على ذلك الرسالة الصادرة من الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، وفي اليوم الثامن من شهر فبراير لسنة 1917م التي يبلغ فيها الشيخ سالم بتسلمه برقية تفيد بأنه بعد بضعة ايام سوف يصل الى الكويت مهندسان تابعان لشركة النفط البريطانية من اجل متابعة مسألة النفط، ويقول في رسالته «وقصدهم يصلون الى رأس كاظمة، وإلى البرقان، نرجوكم تعرفونا هل يوجد مانع لذلك؟ آملا اذا ليس هناك مانع، هل ممكن تجعلون معهم نفر من خدامكم المقدار الكافي لهم، وتجعلونا لكم بذلك ممنونين». ولم يكن الشيخ سالم في موقع يعترض فيه على وصول هذين المهندسين، فهو - ايضا - يريد حضورهما بسرعة لاستئناف البحث عن النفط بغية تحقيق الامل في العثور عليه، ولذلك ارسل في اليوم نفسه رسالة يرد بها على رسالة الوكيل السياسي ويقول: «عرفتم انه بعدكم يوم يجون نفرين مهندسين من جهة شركة الكاز (النفط) وقصدهم يصلون كاظمة والبرقان، ما فيه بأس، وليس يوجد مانع، ونجعل معهم مقدارا كافيا من خدامنا». وفي الثامن عشر من شهر مايو لسنة 1917 وصل الى الكويت مهندس آخر، فرغب الوكيل السياسي في ان يصحبه الى منطقة امديره فكتب بذلك رسالة الى الشيخ سالم الصباح يطلب السماح لهما بذلك، ويقترح ان يصحبهما ابنه الشيخ عبدالله السالم الصباح، فرد الشيخ سالم بالموافقة، وتمت هذه الرحلة بصفتها جزءا من البحث الدائب عن الثروة الكامنة. توفي الشيخ سالم المبارك في سنة 1921م وتولى الحكم بعده الشيخ احمد الجابر الصباح الذي استمر الحديث بينه وبين الجانب البريطاني حول استخراج النفط في البلاد، ويبدو ان الشيخ قد لاحظ تلكؤا من الجانب الآخر في الشروع بهذا العمل المهم بالنسبة للكويت، فأحب ان يقوم باستثارة هذا الجانب حتى يدفعهم الى القيام بذلك، وهذا فعلا ما قد تم بفضل الحكمة التي أدار بها الشيخ هذه المشكلة، حيث قام باتصالات مع شركة تنقيب عن النفط من الشركات التي لم ترشحها الحكومة البريطانية مما أثار ثائرة هذه الحكومة فكتب الميجور مور وكيلها السياسي في الكويت رسالة بتاريخ الحادي والعشرين من شهر يونيو لسنة 1922م يقول فيها: «بعد السلام وتقديم الاحترام والسؤال عن عزيز وشريف خاطركم اعرض انني تشرفت بوصول تحريركم المرسل بتاريخه من جهة امتياز الغاز الذي قدمه لسعادتكم ميجور هومز، وبهذه المناسبة فإني اذكر سعادتكم فقط بالوعد الكتابي الذي اخذه على عاتقه المرحوم الشيخ مبارك في تحريره المؤرخ في السادس والعشرين من شهر ذي القعدة لسنة 1331هـ، اذ قال: «نحن قطعا ما نعطي امتيازا في هذا الخصوص الى احد سوى الشخص المعين من طرف الدولة البهية الانجليزية».
واستمر الميجور مور في تأكيد ذلك، وأن الشيخ احمد الجابر قد رد الالتزام بما التزم به جده من قبل وقد رجع الميجور مور الى اعادة القول في ذلك عندما ارسل رسالته المؤرخة في السابع والعشرين من الشهر نفسه والسنة ذاتها ليقول للشيخ انه ارسل المقاولة التي تناولها منه، وهي التي ذكرها في رسالته السابقة الى القنصل البريطاني العام في الخليج، وسوف يأتي بالرد قريبا، ولكنه يؤكد ما ذكره في رسالته السابقة. هذه الاتصالات التي قام بها الشيخ احمد الجابر الصباح مع شركات نفطية لا ترضاها الحكومة البريطانية هي التي دفعت بهذه الحكومة الى الوفاء بالتزاماتها باستخراج النفط في الكويت، والابتعاد عن التردد وقد دلت على مقدرة الشيخ على التصرف الذي يضمن مصلحة بلاده، فلم يمض وقت طويل حتى بدأ استخراج النفط من مكامنه في البلاد، وقام الشيخ احمد الجابر بفتح صمام انابيب التصدير. ومن الامور التي جرت في ذلك الوقت ما تدل عليه رسالة الميجور مور التي بعثها الى الشيخ احمد في اليوم السابع من شهر يناير لسنة 1926 وأبلغه فيها عن وصول اثنين من خبراء النفط بقوله: «أتشرف لأخبر سعادتكم بان مستر وايلي الاول من عالمي طبقات الارض وصل بالامس في مركب الشركة، وأن الآخر وهو مستر مهيو سيصل ان شاء الله في السنان القادم، وفي اثناء هذه المدة يؤمل مستر وايلي في ان يكمل الترتيبات اللازمة من تأجير جمال وغيرها مما يقتضي لرحلتهما وبموافقة سعادتكم يؤملان ان يزورا الزور واللياح والأباطح وتلال الحمار والشق والباطن، والقسم الشمالي من الشق الواقع في حدود سعادتكم مع ما يتعرض في طريقهما من التلال عدا بعض الاماكن مثل وارة وبرقان والقصور التي اؤمل ان اريها بنفسي لمستر وايلي بالموتر قبل وصول المركب، وإني واثق - اذا كان هذا ممكنا - ان سعادتكم ستتفضلون بتجهيز الحرس الذي ترونه لازما مساعدة لنا».وقد زار الخبير الزائر والميجور مور الشيخ احمد الجابر، وعرضا عليه خطتهما وأردف مور هذه الزيارة برسالة بعثها في العاشر من شهر يناير من سنة 1926م. يقول فيها للشيخ: «أتشرف لأخبر سعادتكم بأني عزمت إن شاء الله أن اقوم بكرة يوم الثلاثاء مع المستر وايلي برحلة أريه فيها وارة والبرقان ومنها نرجع عن طريق الشعيبة وبقية قرايا القصور». وبناء على هذا فقد طلب كالمعتاد دليلا من رجال الشيخ يرشده الى الطريق، وحدد للدليل وقت الخروج في هذه الرحلة، وقد أمر الشيخ أحمد الجابر رجاله بالقيام بهذه المهمة مبلغا الميجور مور بذلك في رسالة كتبها ردا على الرسالة التي جاء فيها الطلب المذكور بتاريخ العاشر من شهر يناير لسنة 1926 وهو التاريخ الذي كتب فيه الميجور مور رسالته، ولاشك في أن سرعة استجابة الشيخ لمقترحات الوكيل السياسي وطلباته المتعلقة بأمر البحث عن النفط لتدل على مدى اهتمامه بالأمر، ورغبته في الوصول الى النتيجة المبتغاه في أسرع وقت، وذلك لعلمه بمدى فائدة النتيجة الإيجابية لوطنه. وفي اليوم الحادي والثلاثين من شهر يناير لسنة 1926م تسلم الشيخ أحمد الجابر الصباح رسالة من المقيم البريطاني يشرح فيها نتائج زيارة المختصين بعلم طبقات الأرض، ويبين فيها الخطوة التالية. فبعد الجولة الحقلية التي قام بها هذان العالمان جاءت رسالة المقيم السياسي البريطاني في الكويت لتقول: «لقد رجع عالما طبقات الارض، وكانا مسرورين جدا من المساعدة التي ابداها لهما (مرشد) مع بقية رجال الحرس». وكان الشيخ قد كلف السيد مرشد الشمري مع عدد من الرجال لمرافقة العالمين المذكورين الى حين انتهاء مهمتهما، ثم يضيف الميجور مور الى رسالته قوله: «لم يبق إلا مكان واحد يودان ان يرياه وهو جال الزور لجهة الشمال الشرقي الى حد ام غطي، او على كل حال الى مديرة» ثم يضيف: «وسأكون غاية ممنونا لو سعادتكم تسمحون لمرشد ان يذهب بصحبتهما ولكم عظيم المنة». واستجاب الشيخ احمد الجابر الصباح لهذا الطلب رغبة منه في تسهيل مهمة البحث عن النفط قائلا في رسالته المؤرخة في اليوم نفسه عن العالمين المذكورين: «قصدهما الآن ان يريا جال الزور لجهة الشمال الشرقي الى ام غطي الى مديرة، ومرام سعادتكم أخذهما في الموتر كار، وستذهبون بكرة ان شاء الله في موترين، وتأمرون ان نرخص خادما مرشدا يصير بخدمتكم فلا بأس حالا أمرنا على المذكور بذلك.وتمضي المتابعات والمباحثات والمراسلات والهدف واحد في جميع الحالات، والسؤال الملح هو: متى نعثر على النفط؟ وأين نجده في أراضي الكويت؟ إذن فنحن نبحث عن الحلقة الأخيرة في قصتنا هذه، وها قد جاءت وإن استغرقت وقتا طويلا لا يقل عن ثلاثين سنة، ففي سنة 1934م اسست شركة نفط الكويت بصفتها شركة بريطانية اميركية اصبحت بموجب تأسيسها تضم شركة برتش بتروليوم البريطانية وشركة جلف اويل الاميركية بصفتهما شركة واحدة لشريكين متساويين، وذلك للاجتهاد في الحصول على حقوق التنقيب عن النفط واستخراجه في الكويت، وفي الثالث والعشرين من شهر ديسمبر لسنة 1934م كان أمير الكويت المغفور له الشيخ أحمد الجابر الصباح قد منح الشركة امتيازا خاصا بها وحدها للبحث عن النفط وإنتاجه في البلاد، وهذا هو الذي مهد الطريق امام تأسيس الشركة المشار اليها، وبموجب الامتياز الاصلي كان دخل الدولة من النفط يقدر على أساس العائدات الا انه عدل بموجب الاتفاقية الملحقة التي وقعت في سنة 1951م ليصبح للدولة الحق في تسلم نصف الارباح الناتجة عن اعمال الشركة في الكويت.
وكانت مدة الامتياز الأصلي خمسا وسبعين سنة، ولكنها مددت بمقدار سبع عشرة سنة أخرى في عام 1951م بحيث تنتهي مدة الامتياز في سنة 2026م. وقد كانت مواقع الامتياز هي جميع اراضي الكويت ومياهها الاقليمية الى مسافة ستة اميال بحرية من علامة الجزر، وتشمل ـ ايضا ـ الجزر الكويتية والمياه المحيطة بها. وفي عام 1963 وبموجب اتفاقية مع حكومة الكويت، تنازلت الشركة طوعا للدولة عما يقرب من نصف منطقة الامتياز الاصلية.
كان المسح الجيولوجي الابتدائي قد بدأ بحفر اول بئر استكشافية في سنة 1936م في منطقة بحرة الواقعة في شمال جون الكويت، ولكنها لم تكن تبشر بإنتاج تجاري، فتم البحث في مكان آخر، وفي سنة 1938م التي كان البحث خلالها يتم في الموقع الآخر وهو برقان، اخترقت عمليات الحفر في البئر رمالا حاملة للنفط على عمق 3700 قدم، ودلت اختبارات الانتاج على انها مشجعة جدا، ولقد لحقت هذه البئر ثماني آبار حفرت بين عام 1938م و1942م فأكدت الامال بوجود النفط، ولكن العمل توقف بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية الى ان استؤنف في شهر نوفمبر من سنة 1945م وبدأ انتاج النفط بمعدل ثلاثين الف برميل يوميا، ثم بدأت الشحنات التجارية في شهر يونيو لسنة 1946م وبعدها تطورت الاكتشافات، وتنامت الاعمال، واضافت الشركة الى اعمال التنقيب والاستخراج اعمالا اخرى منها تكرير النفط الخام واتسع نشاط الشركة بشكل ملحوظ. كان هذا في السابق، اما اليوم فشركة نفط الكويت هي شركة كويتية 100% تملكها الحكومة وتعمل تحت مظلة مؤسسة البترول الكويتية التي نشأت بموجب المرسوم بقانون رقم 60/1980، وهي ذات اختصاصات تشكل كافة الاعمال النفطية في البلاد. بعد هذا نستطيع ان نتخيل الابتهاج الذي سيطر على البلاد نتيجة العثور على هذه المادة الغالية (النفط) بعد صبر طويل ودأب شارك فيه ثلاثة من حكام الكويت. كما نستطيع ان نتصور تغير الحياة إثر ذلك، ولما لحق من تبدلات اقتصادية واجتماعية كبيرة، ولكننا ننادي ـ دائما ـ بضرورة المحافظة على البنية الاجتماعية للكويت ما قبل النفط، فقد كان الآباء في وضع من التكاتف والتواصل ضمن لهم حالة مستقرة لا تؤثر فيها أنواء الحياة.
2 ـ مدينة الأحمدي
من المعروف لدى أهل الكويت ان اسم مدينة الاحمدي مرتبط بالنفط منذ ان نشأت، فعندما اكتشف النفط على الصورة التي وصفناها في الفترة السابقة، كان لابد من وضع يكون متوسطا بين الحقول النفطية، فتم اختيار موقعها بحيث يكون على مرتفع وذلك حتى يكون الهواء فيه نقيا بعيدا عن التلوث لأن المدينة سوف تضم مساكن العاملين في المجال النفطي بكل درجاتهم وأصناف اعمالهم وهذا المرتفع كان في الاصل امتدادا لمرتفعات الظهر التي تمتد من الطريق الدائري السادس حتى تصل جنوبا الى موقع الأحمدي. سميت الأحمدي باسم الشيخ أحمد الجابر الصباح أمير الكويت الأسبق (1921م ـ 1950م)، فقد ظهر النفط في عهده، وبدأت تباشيره بالظهور يوما فيوما مع متابعته لذلك. ووقف في اليوم الاول لتصدير اول شحنة نفط من الكويت ليدير الصمام الذي فتح الأنابيب المؤدية للنفط الخام الى اول ناقلة تحمل النفط الكويتي الى الخارج. كانت بدايات الأحمدي جميلة جدا فقد بنيت فيها مساكن فاخرة منها ما هو لكبار الموظفين، ومنها ما هو للعمال، وكانت طرقها معبدة تحف بها الاشجار من جانبي كل طريق، وفيها حدائق غناء كان أهل العاصمة يأتون إليها في أيام العطلات، وبخاصة في ايام الجُمع لما تضفيه عليهم من بهجة، ولما يملأ نفوس صغارهم من سرور، وفيها اسواق تمتلئ بكل ما يحتاجه السكان والزوار، اضافة الى انها تتميز بالهدوء وعدم الضوضاء. وفي الأحمدي دار للضيافة يحل بها كل ضيوف الكويت حين يزورون الاحمدي من اجل الاطلاع على الانشطة النفطية. وفيها مقر حاكم المنطقة من قبل أمير البلاد، وقد تولى المرحوم الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح هذه المسؤولية زمنا طويلا. ولقد سبق لي ان كتبت نبذة يسيرة عن الاحمدي جاء فيها انها تقع الى الجنوب من العاصمة، وان فيها مواقع لتخزين النفط الخام الذي يجمع من الحقول المجاورة، ثم ينساب تلقائيا من الخزانات بسبب الجاذبية الارضية التي يسببها ارتفاع موقع الأحمدي الى الساحل حيث يُنقل بالبواخر المعدة لهذا الغرض الى خارج البلاد. تبعد الأحمدي عن العاصمة مسافة 41 كيلومترا، وكان عدد سكانها في ذلك الوقت 23277 نسمة، ولا شك في أن هذا العدد قد ارتفع الآن كثيرا. والأحمدي اليوم جزء من محافظة واسعة هي: محافظة الأحمدي وتمتد هذه المحافظة حتى نهاية الحدود الجنوبية، وتضم من المدن الفحيحيل، وأبوحليفة، وبعض الضواحي كالصباحية والرقة، وضاحية جابر العلي وغيرها. وفي محافظة الأحمدي برقان وهو الموقع الرئيسي لاستخراج النفط وكان أول مصدر تم اكتشاف النفط فيه بكميات تجارية. وهو موقع له تاريخ قديم وقد جرت فيه احداث منها ما كان في السنة الستين هجرية. وفي هذه المحافظة ايضا موقع اثري وتاريخي مشهور في كتب التاريخ العربية، وفي بعض دواوين الشعراء ومن أشهر من ذكره منهم الشاعر الأعشى الكبير: ميمون بن قيس. وكانت فيه احداث مهمة جرت في الزمن الجاهلي وهو الموقع الذي فيه جبل وارة، وكان يسمى عند قدماء العرب أوُارة.
هذه هي الأحمدي.
حول اللهجة الكويتية: هل تموت الألفاظ مع الوقت أم تبقى للأبد؟
هنا نسوق تساؤلا فحواه: هل تموت ألفاظ لهجة أي وطن مع مرور الوقت ام انها تستمر إلى الأبد؟ والواقع أن الألفاظ تتعرض لضعف استعمال الناس لها، وذلك إذا حلت بهم اسباب تؤدي الى ذلك الضعف، وبالتالي الى تواري بعض الألفاظ وعدم خضوعها للاستعمال اليومي.انه موت للألفاظ، لكنه ليس موتا نهائيا، فإن هذه الألفاظ التي تنسى بعد طول استعمال تظل حاضرة في الشعر الشعبي المتداول بين الناس، لأن أغلب هذا الشعر يكون محفوظا لدى الاهالي في الكتب او في الحفظ او في الغناء بكل أنواعه، ومثال ذلك لفظ «الرِّشا»، وهو الحبل الذي يربط الدلو حين يتم انزاله في البئر (الجليب) فهو الآن منسي، لأن البيوت لم تعد ـ في أيامنا هذه بحاجة الى الآبار كما كانت في السابق، لأن الماء صار يأتيها بواسطة الأنابيب وفق النظم الحديثة، لكننا لا ننسى الرِّشا حين تتردد أمام اسماعنا الأغنية الشهيرة التي كتب كلماتها الشاعر الشعبي فهد بورسلي وكان مطلعها:
يوم الاثنين الضحى
شفت لي غروٍ عجيب
وفيها من ذكر اللفظ الذي أشرنا إليه قوله:
ما تعنَّت للحطب
والرِّشا فوق الجليب
وهو يتحدث عن تلك الفتاة المنعمة العجيبة، ويذكر ان من الدلائل على الترف الذي كانت تعيش فيه انها لا ترسل لاجتلاب الحطب لمنزل أهلها، ولا تكلف باستخراج الماء من قعر البئر، بل ان رشاء الدلو موضوع فوقه بلا استعمال، وبالطبع فإن هذا الذي يتحدث عنه الشاعر شيء قديم، والبحث عن الحطب من اجل الاستعمال في المنزل، واستخدام الآبار أمران قد عفى عليهما الزمن، لذا فإننا نستطيع ان نقول ان لفظ «الرِّشا» بأنه قد زال من الاستعمال، ولكنه محفوظ في الاشعار كما مثلنا له علما بأنه من ألفاظ اللغة العربية الفصحى.
ومن الألفاظ التي كانت دارجة في لهجتنا ثم توارت لفظ «القصيل»، وهو علف من الأعلاف الخضراء التي تقدم للماشية قديما، ولا ننسى ان المنازل الكويتية لم تكن تخلو من واحدة او اكثر من الاغنام، لأن الحصول على الحليب في ذلك الوقت لم يكن متيسرا الا منها، لذلك فقد كان لها دور في حياة الكويتيين كبارا وصغارا، وللحصول على القصيل يقوم بعض اصحاب المزارع ببذر كميات من الشعير حتى اذا ظهر نباته واشتد قطع منه اعلاه وأُبقي أسفله، فالأسفل ينمو مرة اخرى واكثر من مرة اذا اهتم به المزارع، والقسم الأعلى يجلب الى سوق الجت في العاصمة فيباع للأهالي، وهذا ما يسمى في ذلك الوقت «القصيل»، ولهذا اللفظ اصل، فهو صحيح في اللغة لأنه جاء من لفظ «قَصَلَ» بمعنى قطع، وعندما أطلقت اللهجة على هذا النوع من العلف الأخضر اسم «قصيل»، فذلك لأنه مقطوع على الصفة التي ذكرناها آنفا. ومن الألفاظ التي لا تستعمل عندنا حاليا لفظ «نول»، وهو يعني أجرة النقل، فإذا أراد أحد من الناس شحن بضاعة على سفينة من السفن، فإنه لابد وأن يسأل عن نول النقل اي أجرة النقل، واللفظ عربي فصيح، ولكنه غير مستعمل الآن، بل هو من آثار السفن الكويتية التي كانت تنقل للناس بضائعهم وحاجاتهم وأنفسهم من مكان إلى آخر. وآخر ما نذكر هنا هو لفظ «سبَّع» ومنها ان المرأة اذا غسلت ثوبها وكررت غسلها كانت خاتمة ذلك هو التسبيع، وكذلك يقال: سبّعت المرأة الإناء اذا غسلته الغسلة الأخيرة، ولعل اللفظ قد أتى من الغسلات السبع، وعلى هذا فإن لفظ سبَّع من الألفاظ الفصيحة وقد انتهى اعمالها الآن. نعود مرة اخرى الى ذكر ألفاظ اللهجة الكويتية التي توقف استعمالها الى حد ما، وفق تغير الأوضاع، واختلاف ما بين ايدي الناس من ادوات، اضافة الى ما طرأ على المجتمع كله من تغير كان لابد وأن يظهر أثره في الحديث العام. ومن هنا نستأنف ما بدأناه في السابق لكي نقول ما يلي: من الألفاظ التي تكاد ان تكون غير دارجة على الألسنة في أيامنا هذه لفظ: أشعل، وهذا لفظ عربي فصيح يدل على وجود لونين هما الأحمر والأبيض في جناحي الطائر، وكان مربو الحمام في الماضي يطلقون هذا الوصف على الحمامة التي يشتمل ريشها على هذين اللونين، وكانوا يطلقون على الحمامة لفظ طير فيقول احدهم: هل رأيت طيري الأشعل؟ وما تراجُع هواية ترابية الحمام والتفاخر بالنوع الخاص منها الذي كنا نسميه القلابي، وانشغال الشباب خاصة بأمور اخرى فقد تراجع لفظ «الأشعل». ومن الألفاظ التي توقف عنها الاستعمال في لهجتنا لفظ «السّنون»، وهو اللون الأسود الذي يلتصق بحيطان المطابخ نظرا الى ان الطبخ في الماضي كان بواسطة اشعال النار في الخشب او الشجيرات الجافة كالعرفج وغيره، والاشعال بهذه المواد كان يخرج دخانا كثيفا هو الذي يسبب السّنون الملتصق في حيطان المطابخ. وقد يتكثف السّنون لكثرة العمل في المطبخ فتتكون منه مادة سوداء تسمى «الغما»، وكانت النساء تجمعها عن طريق حكها وجمعها في صحن ثم تضاف الى الحناء حتى يكتسب بها اللون الأسود، وتهتم كل امرأة عند قدوم المناسبات كالأعياد والأعراس بهذا لأن ما يضعنه في ايديهن من ذلك انما هو نوع من انواع الزينة. ومضى لحاله ـ ايضا ـ لفظ «يا ثوم»، وهو في اللفظ الفصيح «جاثوم»، ومعناه المعروف هو الكابوس، ولم يعد لفظ الياثوم دارجا الآن بعد أن حل لفظ الكابوس محله. ومن الألفاظ التي ينبغي ذكرها ضمن ألفاظ اللهجة الكويتية مما لم يعد دارجا في الاستعمال اليومي لفظ «بحيم»، والبحيم هو الحريص على ما عنده الذي يشتد بخله بحيث لا يمد احدا بأدنى شيء مما يملك، وهو فوق ذلك ينكر أنه صاحب مال حتى لا يطلب منه شيء. ومن الألفاظ التي يمكن ذكرها هنا لفظ «السهم»، وهو بمعنى النصيب، فإذا اشترك جماعة في مال لهم فإن نصيب كل واحد منهم من هذا المال يقال انه سهم، واذا قدم لمجموعة من هؤلاء مالا على سبيل الهدية ووزع على الجميع إذا واحد منهم لم ينل من القسمة شيئا فإنه يقول لهم «وين سهمي؟».
وقد زال هذا اللفظ ما عدا ما نسمعه في سوق الأسهم، واللفظ وارد هنا بصفته من ألفاظ اللغة العربية الفصحى. ولم يعد لفظ «الودك» ساريا الآن في اللهجة، لأن الودك نفسه لم يعد مستعملا، ذلك اننا في الماضي لم نكن نحصل على الدهن او الزيت النباتيين من اجل الطبخ، ولذلك فقد كان المستعمل في هذا الشأن هو الودك، وهو يتكون من شحم الخروف يوضع على النار مع قليل من البصل وبعض البهار حتى يذوب، ويصبح سائلا، ثم بعد ذلك يصفى السائل ويترك حتى يبرد فيصير متماسكا يؤخذ منه عند الحاجة بحسب مقادير معينة، وقد سدت المنتجات النباتية من الزيت والدهن مسد «الودك»، فلم يعد موجودا، فنُسي اسمه هذا، وقد كانت الكاف تنطق مكشكشة فيقال «ودچ».