محمد بسام الحسيني
تشكل مشاهدة الموسم الثاني لمسلسل «محمد علي رود» متعة بصرية لجهة الجوانب الفنية البحتة. هو عمل متكامل يقدم صورة غنية وعالية القيمة إخراجا وإضاءة ومونتاجا، ويعتبر من الناحية التقنية مفخرة للإنتاج الكويتي، ودليلا على أن الإبداع الكويتي على مستوى جودة الصورة في الدراما التلفزيونية لا يقل عن نظيره في المسرح الأكاديمي الذي تتسيد الكويت من خلاله الساحة العربية.
لكن مشكلة العمل في جنوح النص بشكل جذري وشامل من الواقعية الاجتماعية نحو الفانتازيا شبه المطلقة وعوالم السحر والأوهام والهلاوس، مبتعدا عن روحية انطلاقته وبصمته التي تركها في أذهان المعجبين بالموسم الأول.
هذا النوع من الأعمال ومتقبلوه أضيق من جمهور مسلسلات الحقبات الواقعية عموما، كما أن النص يغير زاوية المعالجة بشكل حاد من قمة المجتمع إلى قاعه مرة واحدة، وينتقل من صراع التجار والنواخذة إلى أجواء «العشيش» والعصابات والنشل والتسيب الأمني والقراصنة والسلابة.
وإلى جانب هذا الانتقال، يغوص المسلسل أكثر وأكثر في أعماق الماورائيات بإضافة شخصية «ياسين» (فيصل العميري) البحار العائد من زنجبار متمرسا بالسحر الأسود، ليرعب الجميع ويوحدهم ضده.
وسط هذه السوداوية، يحافظ الكاتب على خطوط تقليدية لتعزيز الاتصال مع أحداث الموسم الأول أبرزها «البحث عن الذهب المفقود» الذي تركه النوخذة عبدالوهاب (سعد الفرج) بعد وفاته لابنته نجلاء (بثينة الرئيسي) حيث تصلها رسالة -وصية تركها لها متضمنة لغزا حول مكان الكنز!
هكذا يطلق المؤلف محمد أنور الذي نال جائزة شعلة «الأنباء» كأفضل كاتب عن الجزء الأول عام 2020 العنان لمخيلته، فتتوالى الأحداث علينا تباعا وكأنها آتية من قمقم ولا حدود لخروجها عن السيطرة بانتظار ما ستحمله الحلقات القادمة.
بعيدا عن مبالغات القصة واقترابها من بعض الكلاسيكيات العالمية في مجال الفانتازيا، يقدم محمد أنور حوارات في غاية الروعة والتأثير ويجيد الحفاظ على إيقاع التطورات دون هبوط، فتمر الحلقات سريعة ومشوقة.
الإخراج، يستحق تنويهاً خاصاً. إتقان لكل تفصيل في البر والبحر وفي الليل والنهار، مع ابتكار في تشكيل المشاهد بإعطائها حقها وبراعة في استخدام الفلاتر والمؤثرات التي ينقلنا المخرج جاسم المهنا وفريق تصويره وإضاءته من خلالها إلى عالم الأعاجيب والماورائيات، فضلا عن الاستغلال المثالي للبيئة والطبيعة.
تمثيلياً، تطل الفنانة أسمهان توفيق في دور بطولة مستحقة لتبدع في القسوة والشر الذي تمارسه وتواجهه في آن!
حصة النبهان، إحدى نجمات الأعوام الأخيرة اللامعات في الدراما الكويتية والحائزة شعلة «الأنباء» ٢٠٢١ عن دورها في «الناموس»، تحيي من جديد أجواء دورها في الموسم الأول بشخصية مريم المسكونة مع مزيد من الانفعالات عبر استحضار قواها الروحية لردع «ياسين».
ياسين (فيصل العميري) يؤدي دور بطولة فعلية ويطل كساحر محدودب بطباع قرصان وابتسامة شريرة ونظرات لعينة يتحكم بمصائر أهل الديرة ومحيطها.
شخصيات حسين (حسين المهدي) وغازي (عبدالله بهمن) وفتوح (فتات سلطان) تفقد شيئا من بريقها وزخمها مقارنة بالموسم الأول، فحسين عاد من البحر وتراجعت علاقته بزوجته نجلاء وفتوح تحاول حماية ابنة أخيها نجلاء، أما غازي الذي ظن الجميع أنه مات فيعود للتهديد مع ذات الأوهام التي تسيطر عليه. وبعكسهم، يعود مشاري (خالد أمين) بشكل أكثر تشويقا وبروزا ومحورية.
حضور لطيف تسجله الفنانة روان مهدي بشخصية آسيا التي برزت من الحلقة الأولى.
ختاما، يسجل محمد علي رود (2) خروجا عن الإطار التقليدي لأعمال الحقبات ومغامرة في إنتاج ضخم يستحق المشاهدة أيا تكن الملاحظات.
أقرأ أيضاً:-