محمد بسام الحسيني
بخلاف كتّاب الدراما العرب والخليجيين وبعيدا عن أسلوب «النار الهادئة» في إنضاج الأعمال، تواصل الكاتبة هبة مشاري حمادة كعادتها ممارسة «الصعق الدرامي»، واعتماد ما يشبه الوجبات الدرامية السريعة أسلوبا لتقديم أعمالها عبر حشد القصص وتكثيف المواقف بلا هوادة، فجاء مسلسلها «من شارع الهرم إلى..» هذا الموسم على ذات سرعة إيقاع أعمالها السابقة التي تكسر حاجز الصوت!..
وكما كان متوقعا، فقد ألهبت من البداية أجواء الانتقادات وتسببت في عسر هضم للمحتوى لدى فئات واسعة من المشاهدين شعروا بالفظاظة والغلاظة من التنميط السلبي لبعض الشخصيات والطرح الصادم لبعضها الآخر..! لكنها في المقابل كسبت تحدي المتابعة الواسعة والتفاعل غير المسبوق وطبعا «الترندينغ» و«الريتينغ» الذي تحترف تحقيقه.
فعلتها في المواسم الماضية، وهذه المرة كذلك رفعت الكاتبة سقف طرحها للقضايا الشخصية والسياسية والتابوهات إلى مستوى جديد، ومباشر أحيانا كهجومها الصريح على تركيا. ويضج العمل أيضا بسيل من القضايا الجدلية الحساسة التي يصعب تعدادها ومنها الخيانات والغيرة الزوجية والشرف والاستغلال الطبي لغايات تجارية وتجارة الأعضاء والمخدرات والمسكرات، وللإنصاف، يتخلل المسلسل أيضا في المقابل طرح موضوعات هادفة وإنسانية مثل ضرورة الاعتناء بالمناهج وعصرنة الأساليب التربوية وعدم إهمال أبناء الجيل الجديد لأبنائهم وتعزيز دور المرأة والتوعية النسوية والسعي لإثبات الذات وقضية البدون من زاوية إنسانية وغيرها.
فنيا، السيناريو لا يختلف في هيكله العام وحبكته عن الإطار الذي تحب كاتبته أن تعمل فيه وسبق ورأيناه في أعمال سابقة لها ومنها «دفعة القاهرة» «أمنا رويحة الينة» و«زوارة خميس» وغيرها، حيث يحتشد أبطاله في مساحة مكانية واحدة تحت إمرة شخصية محورية وتدور مغامراتهم وتتشابك مواقفهم التي تتركز على الوقوع بشكل متتال في مآزق محرجة وحابسة للأنفاس ثم الخروج منها، مترافقة مع كل أنواع المصادفات والمفارقات والحوادث والجرائم والمصائب ولو في غياب المبررات الدرامية ذات الصلة بالأحداث أحيانا.. ويترافق كل ذلك مع حوارات ذكية وساخرة وإن لا تخلو من المفردات السوقية والفجة في مواضع كثيرة!
التجميع المكاني للممثلين والمعزز بجرعة كوميديا بطلتها الرئيسية «لولوة الملا» في دور الكنة الملسونة رشا، ينقلنا إلى أجواء شبيهة بالـ «ست كوم» حيث يمكن متابعة الحلقات والمواقف كل على حدة.
تقود العمل الفنانة هدى حسين في دور الدكتورة عبلة وهي أم لمجموعة أطباء باختصاصات مختلفة يعملون معها، ولكل شخصيته ومشاكله ونقاط ضعفه، فالكبير أنس «خالد البريكي» بخيل يركض خلف الفلس ولو على حساب زوجته وأولاده، وشقيقه قتيبة «عبد المحسن القفاص» مهزوز الشخصية ويصدم بزواج طليقته في (نور الشيخ) من أخيه شاهين (خالد الشاعر) ويستمر بملاحقتها، وزهير (أحمد إيراج) طبيب تجميل ينظر لزوجته لبنى (ليلى عبدالله) على أنها تمثال نحته ويريد للجميع أن يراه، ما يتسبب في معاناتها المستمرة معه، أما نزار (محمد الرمضان) فانتهازي ووصولي يدعي التدين ويتزوج بلاجئة سورية، فيتسبب في كثير من المشاكل لزوجته سلسبيل (مرام)، وأخيرا الابن الأصغر معن (ناصر الدوسري) الذي يرتبط بعلاقة مع امرأة متزوجة فيدمر أسرتها وتهتز علاقته بزوجته نوف (فرح الصراف).
وبموازاة عائلة الدكتورة عبلة، تؤدي النجمة نور الغندور دورا جريئا وغير سهل كراقصة (كريما) تأتي من شارع الهرم لتشارك في حفل زفاف قتيبة، فتجد نفسها وسط المعمعة وأمام عرض من عبلة قد يساعدها لتنقذ ابنتها التي تحتاج إلى عملية جراحية ويقضي بتبرع «كريما» بجزء من كبدها لعبلة!.. وقد أثار ظهور نور وهي تؤدي الرقص الشرقي في مشهد غير مألوف بالمسلسلات الخليجية سببا إضافيا لاتساع دائرة المعترضين على المسلسل.
منذ الحلقة الأولى يعتمد المخرج المثنى صبح الرمزية في إظهار «كريما» غارقة في أعماق البحر وتتحدث إلينا من عالم آخر عن قسوة الظروف والحياة، ما يبدو تلميحا لنهاية مأساوية ستحل بها..
نقطة الارتكاز الأساسية للعمل تتمثل في أداء فرقة الممثلين. المجموع يشكلون «آرمادا» حقيقية شبه خالية من الثغرات في إسناد الأدوار من الكبير إلى الصغير، وهذا التقييم يعكسه نجاح كل منهم في إثبات حضوره وجوانب شخصيته، ولابد هنا من التنويه بالثلاثي فرح الصراف، ليلى عبدالله ونجمة الكوميديا العفوية والتلقائية لولوة الملا. أما مرام التي سبق وأدت دورا عن «داعش» فحجم ظهورها أقل مساحة وتأثيرا من المعتاد، بينما تقدم نور الشيخ ظهورا أفضل وأكثر حيوية مما شاهدناه في «دفعة القاهرة».
وعلى جبهة الشباب، يؤدي أحمد إيراج دورا مستفزا بمضمونه وجرأته استثار فئات واسعة من الجمهور ضده، ولكن انتقاد مضمون الدور لا يلغي كون إيراج يؤديه بواقعية وتقمص للشخصية مع استعداد واضح للدور الجدلي ومتطلباته. ومفاجأة العمل الابن الأصغر ناصر الدوسري حيث يؤدي دور معن متناقض الشخصية الذي يستسلم لنزواته مستهينا بواقع الأمور وتبعاتها ثم يجبن وينزوي أمام الخطر بشكل مقنع وينم عن موهبة واعدة لأدوار كبيرة مستقبلا.
الفنانة هدى حسين تقدم دور بطولة تقليدي براحة واضحة، إذ لا تتطلب شخصية عبلة مجهودا كبيرا كالذي شاهدناها تقدمه في «كف ودفوف» قبل رمضان.
يقدم مخرج المسلسل صورة جميلة عموما ولكن تقليدية في الغالب، ويتسبب حصر معظم المشاهد داخل المنزل أو المستشفى في الحد من حرية الإخراج.
في المجمل، يمكن تصنيف المسلسل في خانة العادي فنيا مقارنة بأعمال هبة السابقة لكنه الأنجح جماهيريا.. وزاد من متابعته حجم التنديد الذي واجهه ولايزال من منتقديه!
أقرأ أيضاً:-