يرزح العالم تحت رحمة ووطأة الأسعار المرتفعة التي عمت كل البلاد، واشتكى منها العباد في شتى أصقاع المعمورة، منها ما هو مبرر تجاريا بحجة الشحن والنقل وقلة الإنتاج واضطراب سلاسل الإمداد، وهي مبررات اقتصادية فنية يسوقها اصحاب المصالح المادية.
ولكن لا نعفي أنفسنا نحن المستهلكين كأحد أهم وأبرز الأسباب المساهمة في تلك الزيادة، فالاستهلاك في أعلى درجاته والإنتاج في أدنى مستوياته.
وفي خضم هذا الرأي وذاك التبرير تبرز نسبة جشع لدى كبار المنتجين ومن يتحكمون في الأسواق العالمية من الكيانات والتكتلات التجارية العملاقة، فهي حتما تستغل الأوضاع لتحقيق أقصى مكاسب ممكنة، فهذا الوضع يمثل سوقا خصبة بمبررات جاهزة تشفع لهم أمام الجهات الرقابية وأمام حنق وغضب المستهلك.
لكن التساؤل الكبير هو متى نتعلم الدرس، ومتى نعتمد على أنفسنا ومتى نتحول إلى منتجين لا مستهلكين.
هذا لبّ الموضوع وبيت القصيد وصميم المشكلة، فعندما نكون مستهلكين فقط فحتما سيتحكم فينا الغير كيفما يشاء، ولا يكون لنا سوى الاعتراضات التي لن تسمن ولن تغني من جوع.
علينا مراجعة الدروس خصوصا درس كورونا الكبير والمؤلم الذي غير العالم، وبالتالي لابد أن نتغير، لدينا الحلول بين أيدينا من كتاب الله منذ آلاف السنين، لكننا لا نعمل بها ولا نترجمها على أرض الواقع.
أليس قول الله تعالى في كتابه الحكيم
(قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون) (سورة يوسف 47) هو دعوة للإنتاج، قال (تزرعون) دعوة للتنمية والزراعة والتخزين لمواجهة الصعاب.
وقال (فما حصدتم فذروه في سنبله) قيل: لئلا يتسوس، وليكون أبقى؛ وهكذا الأمر، فهي دعوة أخرى لا ان نعمل حسابا للمستقبل وألا نترك الأمور تمضي من دون ترتيب أو حسن تدبير.
ما يمر فيه العالم أجمع حاليا هو درس كبير عميق له معان متعددة في كل نواحي الحياة، على الجميع إعادة ترتيب الأوراق وإعادة النظر في الاستراتيجيات وتحديث الأولويات، والنظر للمستقبل البعيد.
لا مجال إلا بالإنتاج والبدء اليوم قبل الغد لابد أن نكون شعوبا منتجة نعتمد على ايدينا وعقولنا لا أيادي الغير وعقولهم حتى لا نكون رهينة إلى الأبد.
نحن نملك كل المقومات من العقول والمساحات والأموال والطاقات البشرية الكافية والكامنة التي يعتمد عليها العالم خارجيا ويتلقفها ويأخذ أغلى ما لديها وهي رؤيتها وأفكارها فكل المهاجرين فقدناهم فقدنا استثمارنا في تعليمهم وغيرنا حصد ذكاؤهم.
الخوف كل الخوف أن نستمر في هذا الثبات العميق وألا نستوعب الدرس رغم قسوته ومرارته، الفرصة سانحة لمن يبادر، وقادرون على العودة والمنافسة وتحويل الأزمات إلى فرص.
الشرط الوحيد للنهوض هو العزيمة والإصرار والبدء بالخطوة الأولى التي هي دائما الأصعب.