محمد ناصر
بعد غياب طويل للدراما التاريخية العربية عن تلفزيون الكويت، أتى مسلسل «فتح الاندلس» للمخرج الكويتي محمد سامي العنزي ليعوض النقص الحاصل، وليقدم لمحبي هذه النوعية عملا يرصد إحدى حقبات الفتوحات الاسلامية البارزة، مستعيدا صفحة مجيدة من صفحات تاريخ المسلمين.
يروي المسلسل تفاصيل العمليات التي قادها طارق بن زياد من شمال أفريقيا وتحديدا من طنجة للوصول إلى شبه الجزيرة الإيبيرية، وذلك في قالب مليء بالقصص التي تسلط الضوء على حقبة تاريخية مهمة أعقبها تأسيس دولة الأندلس التي دامت أكثر من 8 قرون.
الطريق الطويل
طريق طويل بدأه المخرج الكويتي محمد العنزي مع المسلسل بدءا من العام 2018 حين استحصل على إجازة النص من لجنة نصوص المسلسلات التلفزيونية والبرامج والمواد الإعلامية بوزارة الإعلام والسماح له بإنتاجه وتصويره كمسلسل تلفزيوني، ثم أتت جائحة كورونا لتفرض تأجيل تصوير المسلسل الذي وجد طريقه للعرض هذا العام بعد تلك المدة الطويلة.
قبل العرض، أثار العمل الكثير من الجدل في الجزائر حول تجاهل المسلسل لأصول طارق بن زياد الجزائرية، ومع عرض الحلقات الأولى انتقلت الانتقادات الى المملكة المغربية بدعوى أنه يتضمن محتوى لا ينسجم مع ثوابت التاريخ، واتهام المسلسل بتصوير المغرب وكأنه مجرد طريق جغرافية لجيوش المشرق الأموية، وتقديم المغاربة كمجرد مساعدين عسكريين تحت قيادة شخصيات شامية، بينما التاريخ المدون يؤكد ان فتح الأندلس تم عبر شمال المغرب وبجيوش شمال أفريقيا قوامها المغاربة بالأساس.
النقاشات والجدالات متوقعة مع عرض أي مسلسل تاريخي، هكذا كان الحال مع مسلسل «الحسن والحسين» عام 2011 للمخرج محمد العنزي ايضا الذي نال جدلا كبيرا واعتراضات واسعة، فالتاريخ مادة دسمة لإثارة الجدل خاصة في عالمنا العربي، ولكن ماذا عن تقييم العمل بطريقة فنية بعيدة عن التاريخ؟
الأعمال التقنية
مع بداية عرض الحلقات، ظهرت ضخامة الانتاج المتمثلة بالديكورات والازياء واختيار مواقع التصوير والتميز في الاعمال التقنية والمؤثرات البصرية التي عادة ما تصاحب الدراما التاريخية والتي أتت موفقة بشكل كبير خاصة مع الاستعانة بشخصيات احترافية في هذا المجال، ولكن رغم ذلك برزت اخطاء كوجود زخرفات تركية في قصور طنجة، وبعض الالتباسات في ازياء طليطلة، وأخطاء في الغرافيكس كمشهد السفن في البحر.
إخراجيا نجح المخرج محمد العنزي في ادارة المسلسل في ظروف بالغة الصعوبة فرضتها جائحة كورونا، فأتت الصورة متميزة وطريقة سرد الحدث التاريخي مناسبة وإن عابها البطء في الأحداث، حيث تحكمت البرودة في بعض مفاصل العمل وخاصة مع عدد من شخصيات حكم «طليطلة»، كما نجح المخرج في استغلال الامكانات المتاحة ومواقع التصوير التي لم يلحظ المشاهد اختلافاتها عن المواقع الاصلية للحدث التاريخي، فركز على الكادرات الضيقة في كثير من المشاهد كما استغل جمال المواقع الطبيعية في لبنان عبر رسم كادرات بتكوينات تشكيلية بصرية جميلة وإن تكررت المشاهد ذاتها في عدة حلقات.
المعارك التاريخية
مع انقضاء نصف المسلسل تقريبا يلاحظ غياب المعارك التاريخية الضخمة التي تطبع هذه النوعية من المسلسلات، فغابت الجموع الكبيرة من المتحاربين واقتصرت المشاهد على معارك فردية نفذت بطريقة احترافية.
الثقل الدرامي
مشكلة المسلسل الأساسية كانت الالتزام شبه المطلق بالنص الشرعي ما أدى لجمود كبير في بناء الشخصيات، فالتفاعلات محسوبة بدقة، وكأن المشاهد يقرأ من كتاب التاريخ ما أدى لسلب إمكانية الإبحار ضمن الحدود المسموح بها لإعطاء ثقل درامي للشخصيات، فلا يوجد دراما تاريخية جاذبة دون إضافة لمسات خيالية على الشخصيات مع عدم المساس بالفكرة الاساسية للعمل، ففي النهاية الدراما التاريخية ليست عملا وثائقيا بالمطلق بل تستهدف في المقام الاول جذب المشاهد وتشويقه.
تمثيليا، لعب كل ممثل دوره ضمن الحدود المتاحة، وتألق ضمن فريق العمل الممثل تيسير ادريس بخامة صوته الجهورية وبنطقه اللغة العربية بطريقة سليمة عبر شخصية الملك لوذريق، كما برز الممثل اللبناني رفيق علي أحمد بدور موسى بن نصير، اما الممثل سهيل جباعي بدور طارق بن زياد فجاء أداؤه روتينيا معتادا وباردا في كثير من الاحيان، فلم نشعر بعظمة تلك الشخصية المحورية في تاريخنا الاسلامي، وكذلك الامر مع عاكف نجم بدور ابوبصير الذي تكلم طوال مدة الحلقات بطبقة صوت واحدة، فلا انفعال ولا غضب ولا تأثر، فكان أداؤه واحدا في مختلف المواقف الدرامية.
تبقى الاشارة الى جمالية اغنية المسلسل وتميزها وهي من كلمات مصعب العنزي وألحان رضوان الديري وغناء نعمان الحلو.
أقرأ أيضاً:-