ياسر العيلة
بهدوء شديد وبلا ضجيج مفتعل، استطاع مسلسل «بيبي» ان يصل الى قلوب المشاهدين لتضمنه جميع عناصر النجاح.
يعكس العمل الصورة الحقيقية للمجتمع الكويتي التي غيبتها الكثير من الأعمال الأخرى، ويقدم لنا حياة «الفريج» بما يضمه من أسر وعائلات يتشاركون في كل شيء بالافراح والأحزان بحب حقيقي.
تدور القصة حول الشابة «بيبي» المصابة بمرض «اضطراب ما بعد الصدمة» والتي تتصرف كالأطفال رغم عمرها الذي تخطى مرحلة الطفولة بكثير، وهي محبوبة من الجميع، والكل يتعاطف معها كونها حلقة الوصل بين أفراد «الفريج».
من الحلقات الأولى نكتشف ان هناك سرا خطيرا خاصا بـ «بيبي» لا يعرف تفاصيله سوى ماما مكية (اسمهان توفيق) وضاري (بشار الشطي). ومع توالي الحلقات نعرف انها كانت زوجة ضاري، وأنجبت منه ابنتهما «سميرة» ثم تتعرض لهجوم من بعض الشبان الصغار وتحترق غرفتها بكل ما فيها فتُصاب نتيجة لهذه الحادثة بمرض اضطراب ما بعد الصدمة، لتبدأ بالتصرف كطفلة بالرغم من انها في الواقع امرأة بالغة.
ثم تبدأ «بيبي» رويدا رويدا في تذكر بعض الذكريات القديمة، ومنها اكتشافها ان «سميرة» التي جسدت دورها الفنانة الشابة «الغالية» هي ابنتها التي لا تعلم ان «بيبي» أمها الحقيقية لأن والدها «ضاري» أخبرها بأن امها ماتت.
وخلال الاحداث يظهر ناصر (احمد العوضي) الذي انقذ «بيبي» من حريق في غرفتها، وتربطه علاقة غامضة بها.
نص المسلسل مُحكم، كتبه الموهوب احمد العوضي بشكل رائع، ليضع لنفسه مكانا بارزا بين كتاب الدراما الأساسيين ويكون احد صناع المتعة في هذا المجال، فقدم من خلال العمل صورة عن قرب لأهل الكويت الحقيقيين، صورة من دون فلاتر للتجميل، ورسم ملامح شخصيات العمل ببراعة شديدة، مع حرصه الدائم على ايجاد رابط درامي يربط بينها بطرق فنية فريدة فضلا عن بناء الاحداث بطريقة مشوقة للغاية. وبالنسبة لمخرج العمل محمد سمير فقد استطاع في فترة قصيرة ان يكون واحدا من اهم مخرجي الدراما في الكويت والخليج على مستوى التكنيك والأداء الاخراجي، فيُظهر الكثير من الحرفية العالية كمخرج مهتم بالتفاصيل، ويمتعنا برؤية بصرية جميلة في هذا العمل، حيث ظهرت قدرته في المزج بين التراجيدي والكوميدي.
تمثيليا، الفنانة شجون بالرغم من تقديمها شخصيات مركبة من قبل آخرها في مسلسل «ملاك رحمة» فإن دورها في «بيبي» مختلف، فنحن نمتلك ممثلة من العيار الثقيل لديها امكانيات ممتازة، وتمثل الشخصية بشكل يتوافق مع امكانياتها الفنية والجسدية بكل ما يتطلبه هذا الدور من ارهاق نفسي وطريقة نطق الكلام واسلوب التخاطب، ما اكسب شخصية «بيبي» تعاطفا كبيرا من قبل المشاهدين، بالإضافة الى انها اعطت المسلسل خفة ظل وبعدا كوميديا تناغم بشكل ممتع مع الابعاد التراجيدية للقصة ومعاناتها مع مرضها النفسي.
وبالنسبة للنجم بشار الشطي فأكد من خلال شخصية «ضاري» انه فنان متمكن، واستطاع بأدائه السهل والبسيط ان يخطف الانظار، وأضحكنا وأبكانا في الكثير من المشاهد، فبشار فنان يمثل بكل حواسه وإحساسه وانفعالاته الصادقة لأبعد مدى، اما الفنانة الكبيرة اسمهان توفيق فكانت حلقة الوصل بين كل المشاركين في العمل وبحضور طاغ على الشاشة وتمثيل عفوي وتلقائي، حيث وضعت خبرات السنين في شخصية «ماما مكية» بأدائها الصادق وطريقة كلامها ونبرة صوتها والحنان الذي يفيض في كل مشاهدها، فقد ذكرتنا بجدات الزمن الجميل. وقدمت الفنانة احلام حسن دورا من افضل أدوارها على الاطلاق، وكانت ذكية جدا في اختيار شخصية «فتحية»، وشكلت مع الفنانة مي البلوشي بدور «نضال» ثنائيا اضفى على العمل اجواء من البهجة والسعادة، كما قدم احمد العوضي دوره كممثل بشكل طبيعي عفوي بعيدا عن التصنع والمبالغة من خلال شخصية «ناصر»، ونفس الكلام ينطبق على الفنانة زينب بهمن التي اكدت انها تمتلك موهبة حقيقية، ونجحت في ابهار المشاهدين بشخصية «نوال» التي يطاردها شبح العنوسة بالإضافة الى بخلها الشديد.
وكان للنجم الشاب عبدالله عبدالرضا حضور خاص في هذا العمل من خلال شخصية «نبيل» الزوج المغلوب على امره امام زوجته، والذي يهوى الطبخ، فقد كان بحق فاكهة العمل، وقدم مع الفنانة غادة الزدجالي التي تجسد شخصية «شمس» ثنائيا جميلا، كما قدم دويتو جميلا ايضا مع الفنان الشاب فهد الصالح الذي يجسد دور «سعد».
وكشف الصالح من خلال هذا العمل أنه نجم قادم بقوة خلال الفترة المقبلة. فيما قدم الفنان بدر الشعيبي شخصية الضابط «مبارك» بشكل مثالي وبهدوء بعيدا عن الصورة النمطية التي تقدمها الاعمال الدرامية لشخصية الضابط. ومن الفنانين الذين اجادوا في تقديم ادوارهم في هذا العمل الفنانة شوق «حنان» زوجة «ضاري»، حيث جسدت دورها بأسلوب السهل الممتنع واستطاعت ان تجعل المشاهدين يتعاطفون معها في مشاهد كثيرة، منها المشهد الذي جمعها بـ«ضاري» عندما سألته هل يحبها ام لا؟ حيث جسدت بشكل احترافي معاناة الزوجة التي تعاني من عدم حب زوجها لها. وقدمت الفنانة غدير السبتي دورا انسانيا لشخصية «هلا» المرأة «المتصابية» التي تبحث عن كل جديد في عالم التجميل لكنها تتعرض لجرح مشاعرها من قبل الشخص الذي ارتبطت به والذي يصغرها في العمر. وحتى لا اغفل باقي نجوم العمل، فالحقيقة كل منهم قدم دوره كما يجب ان يكون ومثل ما كتبه احمد العوضي، ومن هؤلاء جنى الفيلكاوي وخالد احمد والغالية وعبدالرحمن الفهد ونور محمود.
وأخيرا، مسلسل «بيبي» أكد ان الدراما الانسانية تبقى دائما ذات تأثير كبير في قلوب المشاهدين ويحسب للجهة المنتجة له انها قدمت عملا فنيا كبيرا لكل افراد العائلة دون أي لفظ أو مشهد خادش.
أقرأ أيضاً:-