- عمل ممتع عن حقبة عصيبة من تاريخ المنطقة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً
- الفهد هادئة.. والبلام رقم صعب.. وغلوم أبدع.. وبوشهري مختلف..والعماني جميل
- مشاهد المسلسل إيقاعها سريع والمخرج قام بالتركيز على مساوئ الحروب
مفرح الشمري
بعد النجاح الكبير لمسلسل «أم هارون» ودورها الرائع فيه تعود الفنانة القديرة حياة الفهد إلى تقديم الأعمال التاريخية وتتجه في رمضان الحالي الى منطقة أخرى هي تداعيات الحرب العالمية الثانية وأثرها على دول الخليج من عام 1940 حتى 1945 وذلك من خلال مسلسل «سنوات الجريش».
ينقلنا العمل إلى مرحلة حرجة من التاريخ مرت على دول الخليج العربي التي عانت شعوبها من المجاعة بعدما أصابت اغلب البيوت في تلك الفترة، بالإضافة الى كشفها الوجه الخبيث لدول الاستعمار من جهة وجشع تجار الحروب من جهة أخرى.. إضافة إلى تعامل الناس الشرفاء والحكومات للقضاء على هذه الآفة التي نزلت عليهم.
«سنوات الجريش» ليس مسلسلا عاديا بل مادة مهمة يقدمها لنا فريق عمله حتى يتعرف الجيل الحالي على تضحيات الآباء والأجداد عن قرب، بالإضافة إلى انه يسلط الضوء على تداعيات الحرب الكبرى من خلال وجهة نظر خليجية-عربية ويضيف جديدا لمكتبتنا الفنية وفرصة للمقارنة بالأعمال الأجنبية التي تطرقت لذات الحقبة.
قصة حقيقية
النص وضعه اللبناني محمد النابلسي وأعده الكاتب الكويتي سامي العلي، ويتناول قصة حقيقية حدثت بالفعل في الخليج العربي خلال فترة الاربعينيات التي عاشتها دول الخليج بعد منع سفنها من الابحار حيث امتلأت مياه البحر بالألغام وتعرضت بعض السفن للانفجار والغرق، ليظهر بعدها تكاتف ابناء الخليج للتغلب على هذا الوضع وعلى المجاعة التي راح ضحيتها آلاف البشر في هذه الحقبة المدمرة والعصيبة. تجسد الفنانة القديرة حياة الفهد في هذا المسلسل شخصية «المطوعة سلطانة» المحبوبة من الجميع والتي يحترمها الكل بمن فيهم سايمون «جريجوري جوتلب» الحليف البريطاني في المنطقة لأنها امرأة قوية وصاحبة كلمة مسموعة في «الفريج» و«تمون» على الكبير قبل الصغير وتحب الخير للجميع دون استثناء، وهي التي تواجه استغلال التاجر «جلوان» حبيب غلوم لهذه الازمة برفع الاسعار دون احساس بما يعانيه الناس من نقص المؤن الغذائية.
المطوعة «سلطانة» لديها ولد وحيد اسمه غيث «حمد العماني» تخطب له دانة «هبة الحسين» بنت فهد «علي السبع»، ولكن غيث يؤجل الزواج في ظل الاوضاع التي يعيشها «الفريج»، ويقرر الذهاب مع النوخذة نوح «حسن البلام» الى «المستعمرة» حيث الفاشيين لجلب الطعام للأهالي تنفيذا لخطة الحليف البريطاني سايمون الذي طمأنه بان طريقه سيكون آمنا.
يبلغهما سايمون انهما سيلتقيان بعميلة البريطانيين لينا «ستيفاني صليبا» المتواجدة هناك مع ابنتها للثأر من الفاشيين الذين قتلوا زوجها الفيزيائي بعدما اكتشفوا عدم ولائه لهم وسعيه للتخلص منهم بابتكاره «خوارزميات» لتدمير قواعدهم الجوية التي استولوا عليها. وتجند لينا نفسها لتثأر لزوجها وتحصل على حقيبة الخوارزميات منهم، وبالفعل تقتل قائدهم وتحصل عليها لتسليمها لسايمون عن طريق النوخذة نوح.
وبعد توالي الاحداث تكثف المطوعة سلطانة نشاطها الخيري لانقاذ اهل الفريج من المجاعة كما قامت الحكومة باصدار بطاقات تموين للناس، وفي المقابل يستمر التاجر جلوان باستغلالهم بعد رفضه ان يبيع لهم اي مؤن غذائية الا بالاسعار الجديدة التي وضعها.
وفي ظل هذه الأوضاع المأساوية يصل النوخذة نوح الى المستعمرة مع غيث وبدر«عبدالله الخضر» ويكتشف وجود ابنه محمد «سعود بو شهري» في المركب معه بعد ان خبأه بدر ليرضخ نوح للواقع ويتقبل الأمر على مضض، خصوصا انه كان رافضا للخطوة لأن محمد وحيده ولايريد ان يخسره في هذه الحرب.
وبعد ان يلتقي نوح بالعميلة لينا تدله على القرية التي فيها المؤن وبعد مواقف صعبة ومريرة يتعرض لها، يصل النوخذه للقرية ولكن دون غيث ومحمد اللذين يضيعان في الغابة ويلقى القبض على محمد من قبل شعب «الهومسا» الذي يقاتل شعب «الهيمبيا» حيث يصل اليهم غيث وأغلبيتهم من العرب المهجرين بسبب الحروب.
ومع مرور الوقت يكتشف النوخذه نوح ان الحليف البريطاني «سايمون» لم يرسله «لسواد عيونه» وإنما ارسله لجلب حقيبة الخوارزميات لتفجير قاعدة الفاشيين الجوية!
تطلب لينا منه ان يتمالك حتى يصل الى اهل الفريج الذين ينتظرونه بفارغ الصبر للقضاء على المجاعة التي حلت بهم وبالفعل يقتنع نوح ويستلم الحقيبة.
تبلغ لينا «سايمون» بتأمين عودة النوخذة نوح الى اهله والحقيبة معه ليفرح بالخبر ويأمر قواته برا وجوا بتأمين عودة نوح وبالفعل يعود ولكن من دون ابنه محمد وغيث ويبلغ المطوعة سلطانه ان ابنها وابنه في المستعمرة وسيرجع لإعادتهما طالبا منها الاهتمام بالحقيبة بعد ان ابلغها بنوايا سايمون الخبيثة وان الحقيبة خيط الأمل لاستعادة «عيالهم».
توافق المطوعة سلطانة على طلبه بعد ان تفهمت الأمر، ليتجه نوح بعدها الى مكتب «سايمون» ويسمعه كلاما جارحا بأنه ضحك عليه بموضوع جلب الطعام لأهل الفريج بينما الحقيقة أنه يريد الحقيبة دون الاهتمام بما قد يحصل لهم من مصائب، ليرد عليه «سايمون» نحن حلفاء وأصدقاء مع بلادكم بالسلم والحرب والحقيبة مهمة عندنا، فيبلغه نوح ان الحقيبة موجودة في المستعمرة لدى محمد وغيث والمطلوب منهم الاسراع في انقاذهم من الجنود الفاشيين الذين يحاصرونهم حتى يحصلوا الحقيبة، ولكن سايمون لا يصدق كلامه فيحاول اغراء بدر «عبدالله الخضر» بالمال ليدله على مكان الحقيبة لانه كان متواجدا على متن المركب ولكن بدر كان واعيا في التعامل معه وكشف مخططه لنوح الذي يسافر للبحث عن ابنه وصديقه غيث.
أحداث مهمة
المسلسل مليء بالأحداث المهمة التاريخية والموثقة عن تلك الحقبة ومنها قصف مصفاة البحرين ومصفاة الظهران بالمملكة العربية السعودية وكان المرور على الواقعتين بشكل سريع تماشيا مع احداث العمل الدرامي لانه ليس فيلما وثائقيا، وهذا قرار سليم من مخرج العمل مناف عبدال الذي حاول تسريع إيقاع المشاهد مع التركيز على مساوئ الحروب والتي تدخلها دول لا شأن لها بها بل لكونها متحالفة مع أحد أطرافها على الرغم من المسافات البعيدة عن منطقة تفجر الحرب الحقيقية.
«سنوات الجريش» صورة جميلة بيضاء لدول الخليج التي ترفض الحروب المدمرة وتنادي بالسلام للجميع، هذه الصورة رسمها بإتقان المخرج مناف عبدال من خلال مشاهد انسانية تدمع العين وتدمي القلب خصوصا مشاهد المجاعة التي اصابت الناس واوصلت بعضهم لدرجة القتل والسرقة من أجل «تمرة» أو «چيلة جريش».
والتاريخ يشهد أن الأسطول الشراعي الكويتي خلال سنوات الحرب العالمية الثانية خفف من معاناة الدول التي تأثرت بانقطاع المواد الغذائية وقام بجهود جبارة لتزويدها بالبضائع الضرورية وهذا ما يضيء عليه العمل.
المخرج مناف عبدال تحدى نفسه وأمسك بزمام الأمور حتى يخرج لنا هذا العمل بالشكل المطلوب ويخدم نصه الجيد وأجاد في تقديمه مشاهد بيوت الطين وأصحابها والغابة والبحر وقصف الطائرات بالإضافة الى مشاهد المستعمرة وما يدور فيها من حروب وخطط لمقاومة الفاشيين، مشاهد تلخص المعاناة، معاناة المجاعة، ومعاناة من فقدوا احبابهم.
فرصة للشباب
تمثيليا، تؤدي الفنانة القديرة حياة الفهد دور المطوعة سلطانة بسهولة فهو لا يتطلب الكثير من الجهد، مظهرة الهدوء والتعاطف والإنسانية مع محيطها عبر تعليمها لأبناء اهل الفريج علوم القرآن ونراها تسهر الليالي لإطعامهم ومعرفة احوالهم ويحسب لـ «ام سوزان» في هذا العمل اعطاء الفرصة للشباب في هذا المسلسل لذلك جاءت ادوار مشاري «فيصل فريد» وتركي «ابراهيم القحومي» والرقيب نواف «ناجي جمعة» مختلفة عما قدموه في السابق.
واثبت الفنان حسن البلام انه رقم صعب في التمثيل بتقديم شخصيته بشكل لافت للنظر وأداء قوي لشخصية النوخذه المعروف عنها الحزم في الشدة ومواجهة ويلات البحر واهواله، والامر كذلك بالنسبة للفنان حبيب غلوم الذي يؤدي شخصية التاجر الاستغلالي باحترافية، بينما نجد الفنان سعود بوشهري يقدم أفضل ادوار مسيرته لأنه استطاع اقناع المشاهد بأدائه سواء في السلم او الحرب بهدوئه الجميل وحواراته العربية والانجليزية وحتى عندما تم اعتقاله لم تفلت منه الشخصية وسار على نفس الوتيرة، ومثل هذه الادوار تتطلب جهدا مضاعفا من الممثل. ونجح بوشهري في ذلك خصوصا في مشهد بيعه لقبيلة الهيمبيا (حيث يوجد صديقه غيث) والتي تقاتل قبيلة «الهومسا» رغم انه من المفترض كونهما شعبين شقيقين، ولكن الفاشيين والنازيين فرقوهما بعد زرع الفتنة بينهما ليتم الصلح بينهما بعد خطبة عصماء يلقيها سعود بوشهري وحمد العماني عندما يلتقيان بعد غياب!
الأداء التمثيلي للفنان حمد العماني جاء تصاعديا فعلى الرغم من بدايته العادية في المسلسل الا انه استطاع في مشاهد المستعمرة ان يقدم اداء جميلا وصنع ثنائيا متناغما مع سعود بوشهري في المواقف التي تعرضا لها وكذلك مع المطربة رجاء بلمير التي يفترض أن تتدرب بشكل مكثف لتطوير قدراتها الواعدة والامر كذلك للممثلة دانه (هبه الحسين) التي لم تستغل مشاهدها لتقديم نفسها بالمستوى المطلوب.
اما الفنان علي السبع والفنانة ليلى السلمان فوجودهما اضافة للعمل لخبرتهما الطويلة ونجحا في تجسيد دور الأب والأم بتوصيل معاناتهما مع التاجر جلوان وتفكيرهما بحال ابنتهما دانه بعدما أجل غيث الزواج منها.
مفاجأة العمل هي الممثلة اللبنانية ستيفاني صليبا التي تؤدي دورها باسلوب جميل ممتع وبعيد عن التصنع على الرغم انها تجربتها الاولى في الاعمال الخليجية ولكنها اقنعت المشاهد بدورها المزدوج. اما الفنان عبدالله الخضر فهو «ملح المسلسل» بحركاته وبحواراته وردات فعله العفوية والتلقائية والتي تلطف الاجواء للمشاهدين وهم يتابعون احداث العمل الجدية.
أخيرا، «سنوات الجريش» عمل يستحق التقدير على الجهد المبذول بدءا من الفكرة والبحث عن المعلومات الخاصة به وصولا لتنفيذه.
أقرأ أيضاً:-