محمد بسام الحسيني
«منهو ولدنا» عمل اجتماعي - كوميدي محدود في حجم إنتاجه وفي عدد خطوطه وشخصياته، لكنه دليل واضح على التقدم الكبير الذي تواصله الدراما السعودية في السنوات القليلة الماضية.
ففي وقت يتشوق فيه الجمهور الى عمل ذي قصة واضحة وقريبة من القلب والعقل لا تتعبه في التأويل والتحليل ومتابعة كآبة وتعقيدات السرد اللذين يهيمنان على الدراما والأدب الحديثين، يقدم لنا هذا المسلسل بالضبط ما يحتاجه الـمُشاهد ليستمتع بمجرياته وتحولاته وصراعاته الصادقة أحيانا والساخرة في أماكن أخرى.
الفكرة الأساسية للمسلسل هي كيفية مواجهة الإنسان لتبدل جذري يصيب حياته فيقلبها رأسا على عقب، ويقدم السيناريو حبكة متقنة ليعبر عن هذه الفكرة.
فماذا لو أنه صحا في يوم ووجد انه ليس ابن العائلة التي ربته ويتنعم بثروتها ويدير شركاتها، وأنه بالمقابل ابن رجل فقير من العامة سيُطرد من القصر ليعيش معه في إحدى الحارات، وبالمقابل الابن المفترض لذاك الرجل سيأتي مكانه بصفته الابن البيولوجي الحقيقي للعائلة والذي سينتقل فجأة من متسكع الى متنعم بالثروة؟!
ولا يقف الانقلاب عند هذا الحد بل يمتد الى الواقع العاطفي في حياة كل منهما، حين يحصل التبادل أيضا، فالفتاة التي كانت تتآمر على الشاب الثري طمعا في ثروته وأقنعته بحبها تنقلب لتحب بديله حديث الثراء الذي يقع في شباكها على حساب حب الطفولة الذي يجمعه بأخرى.
نحن إذن أمام قصة غنية بحد ذاتها في عناصر التشويق وكل أنواع المفارقات في النص الذي صاغه الكاتب سامي الفليح مع حوارات واقعية وبعيدة عن التنميق المفتعل، ويواكبها إخراج مناسب وحيوي للمخرج منير الزعبي الذي عالج محدودية مواقع التصوير بتنويع ذكي واستغلال كامل لكل الخلفيات والزوايا وعناية بالمشاهد كل على حدة، مزيلا أي أثر للتكرار الذي قد يصيب عين المشاهد.
تبدأ القصة مع بندر (فايز بن جريس) الشاب المتعجرف والمتغطرس والعصبي الذي يعيش مع والدته الثرية أنيسة (هند محمد) والتي تعترف لها الممرضة بعد سنوات طويلة ان مولودها لم يكن بندر وإنما ريان (إبراهيم الحجاج)، وأنها قامت بتبديلهما بعد ولادتهما!
ريان ليس غريبا، فهو الموظف العفوي والمستهتر والهزلي الطباع المطرود من الشركة، وبموجب الفحوصات سيصبح هو الكل بالكل وينتقل من العيش مع والده يونس (خالد الفراج) للعيش مع أنيسة، وبالمقابل على بندر أن يواجه حياته الجديدة والفقيرة مع يونس لأن الأخير هو الآن والده الحقيقي!
ريان يحب منذ الطفولة فيروز (خيرية أبولبن) وهي تعمل في شركة عائلة بندر أيضا لكن بعد ثرائه سيسقط فريسة لفريدة (ريما العلي) التي تتآمر مع متعب (حكيم جمعة) للاحتيال عليه بعدما سبق وبدآ خطتهما مع بندر حين كان هو رئيس الشركة!
تبدأ الأحداث بتمهيد يبين لنا كلا من شخصيتي «بندر» و«ريان» عن كثب ثم تأتي المفاجأة وتتعقد الأمور فيتصاعد الصراع والتناقض على كل الصعد في حياتهما.
بموازاة ذلك، نجد أنيسة تقسو ظاهريا على بندر الذي ربته سنوات طويلة وتتساهل مع «ريان» الذي تأمل أن ينجح في التأقلم مع واقعه الجديد، فتقع هي الأخرى في مأزق وهي ترى كيف انه يدمر كل النجاح الذي كان قد بناه بندر قبل مغادرته ونراها تتواصل مع يونس الذي مثلها عايش شعور الأبوة تجاه الشابين ويعرفهما عن كثب!
يؤدي كل من فايز بن جريس وإبراهيم حجاج دوريهما بنجاح وإقناع رغم ان فايز كان يحتاج توجيها لضبط إلقائه السريع للحوارات في بعض المشاهد، وكذلك إبراهيم في مبالغته بالانفعالات الساخرة أحيانا، ولكن في العموم يطلان كبطلين نجمين وفي دورين مناسبين لكل منهما.
وجود خالد الفراج يعزز جرعة الكوميديا في العمل، وهو المحترف في هذا المجال، بينما تؤدي هند محمد دورها برصانة لافتة.
جانب الشر والتحايل يمثله الثنائي متعب وفريدة ويقدمانه بشيء من المبالغة المسرحية في التعبير خلال عدد من المشاهد لكن وجودهما من عناصر التشويق المهمة في القصة.
«منهو ولدنا» من أعمال الموسم التي تؤكد ان النجاح ليس بحجم الإنتاج، وإنما بتكامل عناصر العمل، وأهمها وجود قصة متماسكة ومثيرة وإخراج جيد وتمثيل مقنع مع اختيار مناسب للشخصيات.
أقرأ أيضاً:-