محمد ناصر
الماضي نراه ماثلا أمام الأعين بمرآة الحاضر في مسلسل «الزقوم»، فأوجاع «سنة الجدري» عايشنا مثلها مع وباء «كورونا»، وما شاهدناه على الشاشة في المرحلة التراثية من المسلسل لم يكن تمثيلا فحسب بل تألمنا معه وشعرنا خلاله بوجع الفقد وألمه.
يشهد مسلسل الزقوم المعروض عبر فضائية «أبو ظبي» عودة التعاون بين الثنائي الكاتب الاماراتي إسماعيل عبدالله والمخرج البحريني أحمد يعقوب المقلة بعد 6 سنوات على عرض مسلسلهما الأخير «خيانة وطن» والذي أخذ نصيبا وافرا من النجاح حينها.
يرصد العمل حكايا صراعات السلطة والنفوذ بين عائلتين، تبدأ خيوط القصة في فترة الأربعينيات، عندما يستولي صديقان على إرث مدفون لأحد الاغنياء الذي يتوفى بمرض الجدري، فيستخرجانه ويهربان به ليبدآ مسيرة الثراء، لكن الأمور لا تبقى كما كانت، فزمن الآباء يختلف عن الأبناء، لتبدأ المشاكل والصراعات بين أبناء الأسرتين على الوجاهة والنفوذ.
الأعمال الضخمة
«ثيمة» الصراع على النفوذ سبق وأن عالجتها الدراما الخليجية مرات عديدة، ولكن كاميرا أحمد يعقوب المقلة لها بصمتها الخاصة في طريقة سرد الرواية وهو ما يظهر جليا في الحلقة الأولى حيث مشهد تعريفي لموكب سيارات فخمة تجوب الشوارع مع صوت الراوي «سعد الفرج» لمجريات الرواية، يتبعها مشهد متميز بنظام اللقطة الواحدة لشخصيات العمل في الزمن الماضي.
لم يستخدم المقلة أسلوب مزج الحلقة الواحدة بين أحداث الماضي والحاضر، بل خصص الحلقات الاربع الاولى كاملة لتقديم شخصيات الزمن الحاضر وانتقل مع الخامسة الى الماضي ليكون المشاهد وكأنه امام مسلسل قصير، كما اعتمد اسلوب عدم التدرج في تقديم الحبكة للمشاهد، بل قدم نهاية الحدث في بعض المحاور على بدايتها، ثم لجأ عقب ذلك لعرض إشارة تعريفية «قبل عدة أشهر» ليتسنى للمشاهد فهم الحدث من بدايته.
المرحلة التراثية
الحقبة التراثية في العمل كانت الاكثر تميزا من كافة النواحي، وهنا يثبت المخرج أحمد يعقوب المقلة علو كعبه في الأعمال الحقبوية ونجاحه بإدارة التفاصيل الفنية كافة من ديكورات وتصوير وماكياج، ولدى المقارنة بين الحقبتين اللتين يرصدهما المسلسل نجد الكفة تميل لصالح الحقبة التراثية.
صياغة الحوارات
الحوارات كانت احدى مشاكل العمل، فمن الصعب أن نجد في حياتنا اليومية شخصيات تتحدث بالطريقة التي شاهدناها في المسلسل، فبعض الحوارات أتى مصطنعا، وبعضها الآخر وكأنه مستخرج من كتاب، فهذا التكلف في صوغ الحوارات أتى بنتيجة عكسية ظن صناع العمل أنها سيكون لها وقع في قلوب المشاهدين.
مشكلة اخرى كانت باعتماد النص على الكثير من المصادفات، وهي الحل الأخير المفترض أن يلجأ اليه كاتب العمل، فنرى مصادفة التقاء عبدالعزيز اللاهوب مع سيف في المستشفى، وصدفة رؤية لحظة دفن الاموال، وصدفة عثور عامل النظافة على حقيبة «الهاردات» ووقوعها بأيدي خبراء «تهكير»، وصدفة التقاء العائلتين عبر طفل، الممثل فارس البلوشي، وغيرها من الصدف التي أضعفت الرؤية العامة للمسلسل، بالإضافة لنقاط ضعف بارزة في السيناريو لاستجداء الإثارة بأحداث غير منطقية.
كما كان لتعدد الحبكات أثره على المشهد العام للمسلسل، فكانت حكاية ناتاليا مع المافيا وامتدادها لأسرة اللاهوب الاكثر ضعفا في المسلسل، إلا أنه رغم ذلك يسجل للسيناريو مقدرته على تضليل الشخصيات في ذهن المشاهد، فرجل الخير نكتشف رويدا رويدا لصوصيته، وسيدة الاعمال الناجحة يظهر أسلوبها الدنيء في الوصول لمبتغاها، وغيرها من الأحداث التي لا يستطيع المشاهد تخمين مصيرها.
الأداءات المتميزة
الأداءات المتميزة كانت من ابرز نقاط قوة المسلسل، فالممثل القدير سعد الفرج استطاع الاستحواذ على المشهد الدرامي ككل بسطوة حضوره وانسيابية أدائه، فشخصية عبدالعزيز اللاهوب التي أداها تحمل في طياتها الكثير من المشاعر المتضاربة بين الثراء والطيبة والوجاهة واللصوصية ومحاولة التبرؤ من أشباح الماضي، فامتلك خيوط الشخصية بين يديه وكان بمنزلة المحرك للممثلين معه في أي مشهد، كما أدى الممثل الاماراتي ابراهيم المشرخ شخصية عبدالعزيز اللاهوب في شبابه بكل حرفية واتقان.
الممثلة سعاد علي برعت كذلك في تجسيد شخصية «ميثة اللاهوب» المرأة المتسلطة سليطة اللسان التي يهابها الجميع ولا تتوانى عن رمي كبار منطقتها بالنعال على رؤوسهم، وإن بالغت في بعض المشاهد في انفعالاتها وخاصة مع تعابير وجهها.
أقرأ أيضاً:-