- من أسباب ازدهار الثقافة الساحلية أن التنقل عبر المياه كان أسهل منه في اليابسة
- الدول الساحلية كانت قائمة على الصيد وبيع اللؤلؤ والتجارات الكبيرة عبر السفن
آلاء خليفة
أكد أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية في الجامعة الأمريكية بالكويت د.هشام العوضي ان الهوية قبل النفط في موانئ الخليج كانت «ساحلية» وصولا الى المحيط الهندي، موضحا انها كانت كجزء واحد على الرغم من اختلاف اللغة والعادات والمذاهب والطوائف، فهذه الدول تشترك فيما يسمى بـ «الثقافة الساحلية».
جاء ذلك خلال محاضرة بعنوان «تساؤلات الهوية في الخليج قبل وبعد النفط..رؤية تاريخية» أول من أمس ضمن ملتقى «تكوين» الثالث المنعقد تحت شعار «تساؤلات الهوية..من نحن؟ وما الذي يمكن ان نكونه؟، والذي تنظمه مكتبة تكوين بالتعاون مع المجلس الثقافي البريطاني ومنصة الفن المعاصر وبرعاية إعلامية من «الأنباء»، وبحضور مؤسسة مكتبة تكوين الروائية بثينة العيسى ومدير عام منشورات تكوين الشاعر محمد العتابي وعدد من المثقفين والأدباء والمهتمين بالشأن الثقافي.
وقال د.هشام العوضي انه عندما نقول «ساحلي» فنعني ذلك الشخص المنفتح على الآخر وكثير التنقل وصديقا للبحر ومحبا لتعلم لغات مختلفة والزواج من الآخر بالمقارنة مع الداخل فيما يخص التنظيم القبلي الذي يحدد حركة افراده لأسباب عدة، لافتا الى ان د.يعقوب الحجي أكد ان «تجار وبحارة الكويت كانوا جزءا من ثقافة المحيط الهندي الأوسع»، وهناك عدة عوامل ساهمت في ازدهار الثقافة الساحلية ومنها ان التنقل عبر المياه أسهل منها في اليابسة، مبينا ان التضاريس كانت تصعب عملية الارتباط بالداخل، مشيرا الى ان حركة القوارب أسهل وأيسر من الدواب والدول الساحلية كانت قائمة على الصيد واللؤلؤ والتجارات الكبيرة من خلال السفن المبنية من الاخشاب والدول الساحلية كانت تعزز اقتصاد كل ميناء خليجي يطل على المحيط الهندي. وأضاف ان سفر الكويتيين في الماضي كان يستغرق وقتا طويلا للعودة الى البلاد، مما فرض اقامتهم بالخارج وبالتالي اثر على ارتباطهم بجنسيات أخرى وارتدائهم لزي معين خاص بالبلاد التي يتواجدون فيها كما اثر على ثقافتهم في الأكل والموسيقى واللغة. وتحدث عن الهوية في الخليج بعد الاستقلال وهل هي هوية محلية أم عربية، موضحا انه بعد الاستقلال حدثت استدارة وأصبحت الهوية الوطنية مستمدة من ثقافة الصحراء وليست «الساحلية»، كما كانت قبل النفط نظرا لأن استقلال الدولة جعلها تعمل على صناعة المواطن، وأيضا تمت الاستدارة نحو الإقليم العربي بسبب احداث معينة مثل القومية العربية والثورة الإيرانية. وأوضح العوضي انه في ميزان القوى بين السياسة والتاريخ تكون الغلبة للسياسة مستشهدا بمقولة مايكل رولف حول الاسكات في التاريخ «إنطاق معلومة وإسكات معلومة أخرى»، لافتا الى ان رولف ذكر ان من اخطر الأشياء التي تمارسها الدولة تعاطيها مع التاريخ لأن السياسة أثقل من التاريخ هو ما نسميه «الاسكات»، مشددا على ان «دور المؤرخ هو إنطاق ما تم إسكاته».
وتابع: لا يوجد ما يمنع ان اكتب كتابا حول تاريخ أهل إيران في الكويت أو تاريخ اليهود او المسيحيين في مملكة البحرين على سبيل المثال كونها سردية تم إسكاتها فلابد للمؤرخ ان ينطقها، دوره على المدى البعيد من الممكن ان يكون داعما للدولة، وذلك لعدة أسباب أبرزها ان الدولة ناضجة راشدة يفترض ألا يهزها كتاب أو سردية وان حدث ذلك، فهذا يعني ان الدولة أخفقت في صناعة الهوية الوطنية والانتماء للوطن، بالإضافة الى وجود جيل منفتح وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي.
وذكر ان الدول الخليجية وصلت الى مفترق طرق، ولا نقول ان النفط سينتهي، ولكن هناك تحولات معينة تدفعها للبحث عن مصادر رافدة ومساندة للنفط، ضاربا مثالا على ذلك بالتحولات التي حدثت في المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة والى حد ما في رؤية كويت 2035، موضحا ان الحديث عن صندوق الاستثمارات في السعودية وطريق الحرير بالكويت وتجنيس أصحاب المواهب والمبتكرين الأجانب في الامارات يوضح ان هناك نزعة جديدة تتمثل في الترحيب بالآخر والانفتاح عليه وجذبه اما من خلال السياحة او التجارة، وهذا ما قد يعني العودة الى ثقافة السواحل بطريقة تتواءم مع تحولات القرن الواحد العشرين.