عندما يخبرنا المسؤولون أن 65% من الجرائم التي تحدث داخل الكويت، مرتبطة ببيع المخدرات أو تعاطيها أو ترويجها، وأنه من بين كل 50 قضية تنظرها الأجهزة الأمنية في البلاد، هناك 35 قضية ذات صلة بالمخدرات، وأن ما بين 50 إلى 60% من إجمالي السجناء، أدينوا في قضايا مخدرات، فإن لنا أن نستشعر قلقا شديدا. يتضاعف قلقنا حين نعرف أن أعداد المدمنين في البلاد، تتجاوز الآن 40 ألف مدمن، وبعض الإحصائيات تصل بهم إلى 70 ألفا، وإن كانت الإدارة العامة لمكافحة المخدرات تنزل بالرقم إلى 20 ألف مدمن. وهو رقم كبير في كل الأحوال، حتى لو اقتصرنا على الرقم الذي تعتمده الجهات الرسمية، خصوصا في ظل ما بات معروفا ومؤكدا عما يؤدي إليه الإدمان من مخاطر جسيمة، وصلت إلى حد أنه في بعض السنوات الأخيرة، بلغت نسبة الوفيات بسبب المخدرات، 90% من إجمالي الوفيات الناتجة عن الحوادث.
يتحول القلق إلى نوع من الاستشراف للخطر الشديد، بل والكارثي، لدى الحديث عن أن أكثر الفئات استهدافا لتجار هذه السموم، هم الشباب، وطلبة المدارس بوجه خاص. ولا شك أنه أمر مفزع جدا أن يكون 20% من طلبة المدارس في الكويت، قد سبق لهم أن تعاطوا أنواعا معينة من المخدرات، طبقا لإحصائيات سبق أن أعلن عنها «المشروع التوعوي الوطني للوقاية من المخدرات».
وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها الجهات الأمنية بتعليمات مباشرة من النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الفريق أول م. الشيخ أحمد النواف وإشراف وكيل وزارة الداخلية الفريق أنور البرجس، في التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة، ونجاحها المشهود في إسقاط عدد من «بارونات المخدرات» خلال الفترة الأخيرة، والذين حاولوا إغراق البلاد بسمومهم، أو اتخاذ الكويت معبرا أو«ترانزيت» لنقل تلك السموم إلى دول أخرى، فإن هذه السموم تتزايد، ومساحة المتعاملين معها بيعا وشراء وتعاطيا وإدمانا تتسع وتتمدد. ونخدع أنفسنا إذا توهمنا أن هذه الحرب المعلنة على شبابنا ستتوقف، ذلك أن الصراع بين الخير والشر، قائم منذ الأزل، وسيستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. لكن ذلك ينبغي ألا يحبطنا، أو يضعف من عزيمتنا في مقاومة الشر وأهله.
وأول الطريق لمحاصرة هذه الظاهرة، سعيا للقضاء عليها، أن نقف على أسباب تفاقم انتشار المخدرات خلال السنوات الأخيرة. ولا شك أن من أهم هذه الأسباب: ضعف الوازع الديني، وازدياد المشكلات الاجتماعية والأسرية، بصورة لافتة، لاسيما مع الارتفاع الكبير في معدلات الطلاق، والتي تشير بعض الإحصائيات إلى أنها باتت تشكل ثلث أعداد المتزوجين حاليا. وعلينا أيضا ألا نتجاهل بعض الظواهر التي عرفها العالم كله في هذا العصر، مثل القلق والاكتئاب الشخصي والبحث عن البهجة، فضلا عن التأثير السلبي لوسائل الإعلام، والأخطر وسائل التواصل الاجتماعي، التي سهلت بدرجة كبيرة سبل معرفة أنواع مستحدثة من المخدرات، مثل الشبو والكبتاغون والهيروين واللاريكا وغيرها، فضلا عن سهولة الحصول عليها بواسطة وسائل التواصل أيضا.
ولعل الصدمة التي أصابت الشارع الكويتي خلال الأيام القليلة الماضية، كانت كبيرة ومدوية، على خلفية الحوادث الأخيرة الأليمة والمحزنة، وأبرزها واقعة قتل إحدى المواطنات لطفلها البالغ من العمر 7 سنوات، في منطقة غرب عبدالله المبارك، والتي اعترفت بأنها أدمنت تناول جميع المواد المخدرة منذ 10 سنوات، وأنها «تعاني نقصا في المال، وليس لديها دخل ثابت تنفق منه على نفسها وعلى أطفالها وعلى المواد المخدرة، ولا تستطيع تلبية احتياجاتهم، وكانت تريد التخلص منهم». هذا بالإضافة إلى الكثير من القضايا الأخرى المترتبة على تعاطي المخدرات، من قتل ومشاجرات وسلب بالقوة وسرقات، وما يلمسه الجميع من تشتت وتمزق أسري، وفشل دراسي للأبناء الذين يكونون عادة ضحايا لآباء وأمهات مدمنين، وما يترتب على ذلك أيضا من احتمالات سقوطهم في بئر الجريمة، واللجوء إلى أي أساليب للحصول على المال، كالسرقة والنهب والسلب، أو السير على درب والديهم في الاشتغال ببيع وترويج المخدرات.
نقول لعل هذه الصدمة التي أشرنا إليها تكون سببا في التأسيس لوعي مجتمعي كبير بمخاطر ظاهرة المخدرات، ومن ثم تكثيف أساليب مواجهتها، وإشراك كل قطاعات وفئات ومؤسسات المجتمع في هذه المواجهة، التي ينبغي أن تكون شاملة وحاسمة.
ولا يختلف أحد على أن دور وزارة الداخلية في هذا الجانب، هو الأهم والأخطر. وإذا كنا قد ذكرنا أن الوزارة حققت نجاحات كبيرة في حربها على تجار السموم، خلال السنوات الماضية، وبلغت ذروتها في الأشهر الأخيرة، عبر ضربات ساحقة متتالية للمهربين القادمين من لبنان وإيران والعراق وسورية ودول أخرى، فإننا لابد أن نطالب «الداخلية» أيضا بالتشدد في مراقبة المنافذ البحرية والبرية والجوية، وإحكام الرقابة عليها بالتعاون والتنسيق مع الإدارة العامة للجمارك، وكذلك التعاون مع وزارة الصحة في إنشاء مراكز لمعالجة التعاطي والإدمان وفق معايير دولية.
وغني عن القول التأكيد على أن مواجهة هذا الخطر الكبير، ليست فقط أمنية، وإنما تتشارك فيها كل مؤسسات الدولة، بدءا من الأسرة، مرورا بدور وزارتي التربية والتعليم العالي، من خلال المدرسة والجامعة ومراكز ومؤسسات البحث العلمي، ووصولا إلى وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني، فضلا بالطبع عن الدور البالغ الأهمية لوزارة الأوقاف، من خلال خطب الجمعة والدروس الدينية بالمساجد، والحسابات الإلكترونية للوزارة بمواقع التواصل الاجتماعي.
نعم نحن في مواجهة خطر كبير جدا، يستهدف شبابنا، كما يستهدف أمننا واستقرارنا وتماسك مجتمعنا، ويهدد أيضا بضرب تنميتنا الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى تداعياته السلبية والمباشرة على الطاقة الإنتاجية وتراجع حيوية الصحة الشبابية بالمجتمع، وانخفاض متوسط الأعمار.
ونحن جميعا مسؤولون بدرجة أو بأخرى، وفي هذا الصدد ينطبق علينا الحديث النبوي الشريف «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته».
بالختام لابد من تفعيل قرار الإبعاد الإداري وأن يتم إبعاد أي شخص مقيم خليجي أو عربي أو أجنبي يتعاطى أو يتواجد في مكان التعاطي.
[email protected]