محمد بدري عيد
بدت الهدنة بين إسرائيل وحركة «الجهاد الإسلامي» في قطاع غزة «متماسكة» في اليوم الاول من سريانها امس، فيما سعى كل من الطرفين إلى تجاوز فترة العنف الدامي التي استمرت لنحو 56 ساعة في أخطر وأعنف مواجهة بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية منذ أكثر من عام.
«الأنباء» استطلعت أراء خبيرين متخصصين في الشؤون السياسية والعسكرية، لاستجلاء ملامح الموقف في غزة فيما بعد وقف إطلاق النار، واستشراف مدى صمود التهدئة الحالية خلال الفترة المقبلة.
لماذا ركزت إسرائيل على «الجهد» دون «حماس»؟
بداية، وصف الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية د. ظافر العجمي الغياب الواضح لحركة «حماس» عن هذه الجولة من المعركة في غزة، بأنه أمر «غريب».
وبين ان وجهة الاستغراب تعود في هذا السياق إلى أن كلا من «الجهاد» و«حماس» لديهما عداء مشترك لإسرائيل عبر التزام أيديولوجي ذي طابع ديني بإقامة دولة فلسطينية.
مستدركا بأن هذا الاستغرب ربما يزول ـ جزئيا ـ إذا ما لاحظنا التغير الواضح في مضمون ومفردات الخطاب الرسمي لكلتا الحركتين تجاه إسرائيل خلال السنوات الأخيرة، إذ انه في الوقت الذي حافظت حركة «الجهاد الاسلامي» على خطابها المعادي لإسرائيل، ورفضت أي تنازل عن هذا الخطاب الايديولوجي الحاد، نجد ان قادة «حماس» خففوا من تصريحاتهم التي يصرون فيها على التزامهم بتدمير إسرائيل، وبالتالي فإن هذا التباين بين الجانبين يمكن أن يفسر لماذا بقيت «حماس» خارج المواجهة الأخيرة.
ولفت د. العجمي إلى أن إسرائيل ركزت ضرباتها العسكرية على غزة على مواقع حركة «الجهاد» دون المساس بمواقع مماثلة لحماس، وذلك في محاولة لإقناع الاخيرة بالابتعاد عن الدخول في المواجهة، لان تل أبيب تدرك جيدا أن انضمام «حماس» إلى القتال سيغير الوضع في غير صالح إسرائيل.
الوحدة الوطنية الفلسطينية.. «مفتاح الحل»
من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة د. أحمد يوسف أحمد أن القراءة المتعمقة والمتكاملة تستوجب وضع احداث غزة الأخيرة في إطارها العام كحالة من حالات التحرر الوطني في مواجهة قوة استعمارية احتلالية.
واوضح انه من الأمور المستقر عليها في الادبيات السياسية وجود ما يشبه «القانون العلمي» لحركات التحرر الوطني، والذي مفاده ان التناقض بين قوة الاحتلال والاستعمار وبين الشعوب المستعمرة لابد أن ينتهي بنيل الحرية والاستقلال، ولا يوجد لدينا الآن في العالم سوى استثناء وحيد من هذا القانون وهو الاستثناء الإسرائيلي في فلسطين.
وأضاف أنه في إطار هذا النموذج العام، يوجد نموذج خاص بغزة منذ بدايات القرن الحالي، حيث تصاعدت المقاومة في القطاع خلال السنوات التي أعقبت انتفاضة الأقصى التي تفجرت في 28 سبتمبر عام 2000م، وترتب على ذلك حالة فريدة في السلوك الإسرائيلي وهي إخلاء غزة من الوجود العسكري تماما، والأهم من هذا انه بسبب قدرة المقاومة الفلسطينية أجبرت اسرائيل على تفكيك مستوطنات من محيط غزة إحداها، كان رئيس الوزراء الاسبق أرئيل شارون قد قال في وقت من الأوقات انه مستعد لتفكيك تل أبيب وعدم تفكيكها، وهذا يشكل سابقة خطيرة بالنسبة لمستقبل الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي في فلسطين.
لكن المشكلة، وفقا للدكتور أحمد يوسف أحمد تتمثل في انقسام المقاومة الفلسطينية على نفسها منذ عام 2006م، وفشل كل محاولات رأب الصدع وإعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، مما عطل «القانون العلمي» الخاص بالتحرير الوطني عن العمل ضد المحتل الإسرائيلي رغم أن المقاومة تتصاعد ضده. صحيح أنها تتوحد مؤقتا في مواجهة اعمال العدوان والاعتداء العسكري الإسرائيلي، لكن دون ان تكون هناك وحدة القرار السياسي التي تؤدي الى ان تسلك المقاومة سلوكا إيجابيا وليس دفاعيا.
واعتبر ان المقاومة الفلسطينية لم تبلغ ذروتها بعد بسبب الانقسام، وهذا هو «المفتاح»، مؤكدا أن أي هدنة سيتم الوصول إليها في غزة ستكون «مؤقتة»، بحكم ان الموقف الذي ينطوي على التناقض الرئيسي بين الاحتلال الإسرائيلي والشعب الفلسطيني لابد وان يكون له حل، وهو الأمر الذي أجمع عليه الزعماء والقادة العرب في قمة جدة للأمن والتنمية التي عقدت بالمملكة العربية السعودية في 16 يوليو الفائت وشارك فيها الرئيس الأميركي جو بايدن، ومن ثم فأي هدنة ستكون مؤقتة إلى ان يتم التقدم على طريق الحل العادل والدائم للقضية الفلسطينية.
لكن المشكلة الاخرى في هذا الإطار، هي أن إسرائيل غير مهيأة الآن لاتخاذ قرارات من هذا النوع لاعتبارات عديدة متعلقة بالتفاعلات السياسية الداخلية بها، وذلك على الرغم من ان المطالب الفلسطينية وصلت الى درجة من الاعتدال تمثل فرصة تاريخية لإسرائيل.
واختتم د. أحمد يوسف أحمد بالتأكيد على أن الكرة الآن في ملعب الفلسطينيين، فإن توحدوا وزادت ضراوة مقاومتهم، أتوقع ان تجبر إسرائيل على التقدم في طريق الحل، ولكن إذا ظلوا على هذا النحو من انقسام المقاومة على نفسها رغم انها فاعلة، وكذلك إذا بقيت إسرائيل منقسمة على نفسها لا يستطيع قادتها اتخاذ قرارات استراتيجية، فسيتكرر هذا النموذج بين حين وآخر: انفجار للعنف، تتلوه محاولات للتهدئة، تنجح وتستمر فترة من الوقت، ثم يعود تفجر الوضع من جديد، وهذا ما رأيناه في العدوان الإسرائيلي على القطاع عام 2008 - 2009م، وفي عام 2012م، وفي عام 2014م، وكذلك في 2021م، ورأيناه الآن في 2022م.