بمراسم مهيبة ودقة متناهية، ودعت بريطانيا ملكتها اليزابيث الثانية التي وحدتها طوال 70 عاما، بحضور حشد من قادة وملوك وزعماء العالم.
وبدأت الجنازة مع حمل النعش المصنوع من خشب البلوط والمغطى بالعلم الملكي وفوقه تاج الإمبراطورية على عربة مدفع تحت سماء ملبدة بالغيوم ليتم نقله في موكب عسكري من قاعة وستمنستر التاريخية حيث ظل مسجى لأيام للسماح للعامة بإلقاء نظرة الوداع، إلى كنيسة وستمنستر آبي، حيث اقيم القداس والجنازة الرسمية.
وكانت هذه الكاتدرائية شهدت زواج الملكة عندما كانت لاتزال أميرة في سن الحادية والعشرين في نوفمبر 1947، قبل أن تتوج فيها في الثاني من يونيو 1953.
وفي مراسم اتسمت بالأبهة وقيل ان الملكة الراحلة اشرفت على وضع تفاصيلها، نقل النعش في أول جنازة رسمية في البلاد منذ عام 1965، عندما أقيمت جنازة وينستون تشرشل. واصطف عشرات الآلاف في الشوارع لمشاهدة مرور نعش الملكة.
وساد الصمت متنزه هايد بارك القريب أيضا في لندن، حيث التزم آلاف الأشخاص، الذين انتظروا لساعات، السكوت لحظة ظهور نعش الملكة على الشاشات التي وضعت في المتنزه.
وداخل الكنيسة انطلقت الترانيم المعتادة في كل جنازة رسمية منذ أوائل القرن الثامن عشر.
وتوجه الملك تشالز ووريث العرش ابنه الأمير وليام للقاعة معا في عربة ملكية واستقبلا بالتهليل والتصفيق من حشود المعزين والمشيعين الذين ملأوا شوارع وسط لندن.
لكن الصمت خيم تماما على الجميع لحظة خروج نعش الملكة وسار أفراد العائلة الملكية على صوت المزامير وقرع الأجراس. وحيا الملك تشالز والأميرة آن والأميران إدوارد ووليام، وجميعهم يرتدون الزي الرسمي العسكري الملكي، النعش وهو يرفع عن عربة المدفعية.
أما الأميران أندرو وهاري، اللذان لم يعودا من الأفراد العاملين في العائلة الملكية، فقد ارتديا سترتي حداد ولم يقوما بالتحية رغم خدمتهما من قبل في مناطق صراع مثل جزر فوكلاند وأفغانستان.
وبعد ذلك، نقل النعش مجددا عبر وسط لندن، حيث مر بمقر الملكة الرسمي قصر باكنغهام، وصولا إلى قوس ولينغتون في هايد بارك كورنر، حيث تبعه الملك تشالز ونجله ووريث عهده الأمير وليام وولداه وأفراد العائلة المالكة مرة أخرى سيرا على الأقدام لمسافة 2.4 كيلومتر.
ومن هناك، تم نقل نعش الملكة، إلى محطته الأخيرة في قلعة ويندسور التي تقع على بعد 35 كيلومترا غرب لندن، حيث أقيم في كنيسة القديس جورج «قداس الوداع الأخير» بقيادة رجال الدين في الكنائس القريبة من مقارها المختلفة وتخللته طقوس رمزية تؤكد انتهاء عهدها.
وكان من بين المصلين طاقم الملكة الشخصي بالإضافة إلى الحكام ورؤساء الدول التي يظل فيها العاهل البريطاني حاكما للدولة.
وتلا ثلاثة من قساوسة أكثر الكنائس أهمية بالنسبة للملكة إليزابيث الثانية الصلوات على روحها، وهم كاهن ساندرينغهام الواقعة شرق بريطانيا، وكاهن كراثي كيرك - الكنيسة الواقعة بجانب قلعة بالمورال - فضلا عن قسيس الكنيسة الملكية في ويندسورغريت بارك.
وتليت الصلوات نفسها في جنازات أجداد الملكة، الملك جورج الخامس في عام 1936، والملكة ماري في عام 1953، ووالدها الملك جورج السادس في عام 1952.
وأبعد المسؤول عن المجوهرات الملكية، التاج الامبراطوي والكرة الملكية والصولجان من أعلى التابوت، ووضعت على المذبح، ليتم فصل الملكة عن تاجها للمرة الأخيرة.
وبعد غناء الترنيمة الأخيرة، وضع الملك تشالز الثالث علم حراس غرينادير على نعش الملكة. وحراس غرينادير هم أكبر الحراس المشاة الذين يؤدون واجبات احتفالية للملك.
وعزف عازف القرب الملكي معزوفة جنائزية فيما انزل بعد ذلك جثمان الملكة، إلى القبو الملكي لتدفن إلى جانب زوجها الأمير فيليب.
واختتمت مراسم قداس مواراة الجثمان بعزف النشيد الوطني، ايذانا بانتهاء اليوم الجنائزي الطويل وكذلك 11 يوما من الحداد والمراسم جاب خلاله الجثمان العديد من المواقع الرمزية بدءا من قلعة بالمورال حيث توفيت.
وشاهد ما يقارب 4 مليارات شخص حول العالم الجنازة عبر شاشات التلفزيون في منازلهم، بحسب تقديرات بريطانية. ولم يسبق أن بثت جنازة لملك بريطاني على التلفزيون من قبل.
وخيم آلاف البريطانيين في لندن منذ ليل أمس للحصول على أفضل المواقع لمشاهدة موكب جنازة الملكة إليزابيث، إذ اعتبر البعض «أنها جزء من التاريخ».
رغم درجات الحرارة المتدنية في العاصمة البريطانية، تجمّع بريطانيون قبل الساعة السابعة صباحا قرب قصر باكينغهام وكاتدرائية وستمنستر، حيث بدأت المراسم الدينية عند الساعة 11 بتوقيت لندن.
وقالت سوزان ديفيز (53 عاما) التي وصلت عند الساعة 6:30 الى هايد بارك كورنر من ايسيكس بشرق لندن مع زوجها وولديها المراهقين لوكالة فرانس برس «أردت أن أكون جزءا (من الحدث). إنه يوم عظيم في تاريخنا، هذا جزء من حياتنا».
الأميران الصغيران جورج وشارلوت يحضران الجنازة.. بروفة لدورهما «المهم» في المستقبل
حضر نجلا حفيد الملكة إليزابيث الثانية، الأميران جورج وشارلوت جنازتها أمس في دلالة على الدور المهم الذي سيضطلعان به الآن كأبناء الأمير وليام، الأول في ترتيب خلافة العرش البريطاني.
انضم الابنان الكبيران لأمير وأميرة ويلز إلى الموكب الجنائزي عند دخوله كنيسة وستمنستر وخروجه منها.
وسار الأمير جورج البالغ تسعة أعوام، والأميرة شارلوت ذات السبع سنوات، مع والدتهما كاثرين أميرة ويلز ووالدهما وليام أمير ويلز الذي أصبح الأول في ترتيب خلافة العرش بعد والده تشالز.
وارتدى جورج الذي بات الثاني في ترتيب خلافة عرش بريطانيا، بذلة داكنة اللون وربطة عنق سوداء بتسريحة شعر بفرق على جانب واحد. وبدا جورج رصينا والشبه مع والده عندما كان في السن نفسها، كان كبيرا.
اما شقيقته شارلوت فارتدت فستانا أسود وقبعة، وغاب شقيقها الأصغر لوي عن الجنازة.
وكان الأولاد الثلاثة يزورون الملكة اليزابيث بانتظام.
وقالت والدتهما كاثرين في وثائقي بمناسبة عيد ميلاد الملكة التسعين في عام 2016 إن الملكة كانت من أول الزائرين عندما أنجبت شارلوت وكانت «سعيدة للغاية» لهذا الحدث. وكشفت أن جورج كان يسمي جدة والده غان-غان.
وأضافت «كانت تترك دائما هدية صغيرة أو شيئا ما في غرفتهم عندما كنا نذهب لزيارتها ونمضي الليلة وهذا كان يظهر حبها لعائلتها».
وفي بيان أصدره وليام بعد وفاة الملكة «كان أطفالي الثلاثة يقضون إجازاتهم معها وكونوا نتيجة لذلك ذكريات ستبقى معهم طوال حياتهم».
وظهر الطفلان يصغيان بانتباه للقداس الى جانب والديهما ثم سارا وراء النعش لدى الخروج من الكنيسة. بعد ذلك تبعا الموكب في سيارة مع والدتهما وكاميلا زوجة الملك تشالز.
رغم ان جورج وشارلوت أصغر سنا بكثير، أعادت مشاهد الجنازة الى الذاكرة صور وليام وشقيقه هاري يسيران وراء نعش والدتهما ديانا أميرة ويلز في 1997 عندما كانا في الـ15 والـ12 على التوالي.
وقال وليام لافراد من الحشود ان السير وراء نعش الملكة عندما نقل من قصر باكنغهام الى ويستمنستر «أعاد بعض الذكريات» من جنازة والدته.
في حين لا تظهر وسائل الإعلام البريطانية طفلي وليام وكاثرين في حياتهما اليومية، إلا أن جورج وشارلوت كانا في دائرة الضوء لحضورهما عدة مناسبات عامة كبرى في الآونة الاخيرة.
في احتفالات اليوبيل البلاتيني للملكة في يونيو، ظهر الملل الشديد عليهما في بعض الأوقات خلال حفل موسيقي اقيم في الهواء الطلق ضم نجوم بوب قدامى خارج قصر باكنغهام.
وحضر جورج أيضا نهائي بطولة أوروبا في ويمبلي مع والديه في يوليو، وكان في غاية الفرح عندما سجلت إنكلترا هدفا وارتدى سترة مزدوجة الصدر وربطة عنق في زي بدا فيه نسخة مصغرة عن والده.
التحق الأطفال الثلاثة مؤخرا بمدرسة جديدة معا قرب ويندسور بعد أن قرر والديهم الإقامة هناك هذا الصيف بدون خدم مقيمين.
المحطة الختامية.. كنيسة صغيرة في قلعة ويندسور التاريخية
في نهاية جنازة رسمية تابعها الملايين حول العالم، وصل نعش الملكة إليزابيث الثانية إلى قلعة ويندسور الأثيرة لديها كي تدفن في كنيسة صغيرة في مراسم خاصة.
كان وليام الفاتح هو من شيد قلعة ويندسور عام 1066 قبل معاودة بنائها وتصميمها على مر القرون، وتعتبر أقدم وأكبر قلعة مأهولة في العالم.
والقلعة التي تقع خارج لندن مباشرة كانت المنتجع الرئيسي للملكة في عطلة نهاية الأسبوع وكانت كذلك منزلها المفضل في سنوات حكمها الأخيرة.
ألحق حريق هائل أضرارا كبيرة بها في 1992 الذي وصفته الملكة بأنه «عام فظيع» لما شهده من سلسلة فضائح هزت العائلة الملكية.
وقلعة ويندسور هي المثوى الأخير أيضا لأكثر من 12 من الملوك والملكات الإنجليز والبريطانيين، ودفن معظمهم في كنيسة القديس جورج، ومن بينهم هنري الثامن، الذي توفي عام 1547، وتشالز الأول الذي قطع رأسه عام 1649.
ومدفن الملكة في كنيسة الملك جورج السادس التذكارية، والتي توجد بالقرب من المجمع الرئيسي لكنيسة القديس جورج. وفي عام 1962 أمرت ببناء الكنيسة التذكارية وسمتها على اسم والدها.
وهناك دفن الملك جورج وزوجته الملكة الأم، إلى جانب ابنتهما الصغرى مارغريت.
وأغلب الموسيقى التي تستخدم خلال المراسم من تأليف أو توزيع وليام هنري هاريس، عازف الأرغن الرئيسي في الكنيسة بين 1933 و1961. ويعتقد أنه علم الملكة العزف على البيانو وهي طفلة.
وحصلت الملكة عام 1948، حينما كانت لاتزال أميرة، على وسام الرباط - أرفع أوسمة الفروسية في بريطانيا، في كنيسة القديس جورج، هي وزوجها الأمير فيليب.
استضافت كنيسة القديس جورج جنازات زوج الملكة فيليب ووالدها وجدها جورج الخامس وجدها الأكبر إدوارد السابع.
وقد عمد حفيدها الأمير هاري هناك، وتزوج هناك أيضا عام 2018. وفيها أكد الأمير وليام، ولي العهد الجديد، معتقداته المسيحية ليقبل عضوا كاملا في الكنيسة الكاثوليكية.
ونعش الأمير فيليب، الذي توفي في التاسع من أبريل 2021، موضوع في القبو الملكي كي يتسنى دفنه إلى جانب الملكة.
كلبا الملكة المفضلان في وداعها في قلعة ويندسور
انتظر الكلبان مويك وساندي، نعش الملكة اليزابيث في قلعة ويندسور، لإلقاء النظرة الأخيرة عليها.
وطالما شوهدت الملكة الراحلة رفقة مجموعتها من الكلاب من فصيلة كورغي الويلزية، التي شغفت بها الملكة منذ طفولتها.
واقتنت الملكة أربعة من كلاب الكورغي، انضم آخرها إلى المجموعة هذا العام.
ولا يعلم الكثير، الآن، عن مصير كلاب الملكة بعد وفاتها، لكن مصادر توقعت ان تعود ملكيتها الى الملك الجديد.
وقد امتلكت الملكة العشرات من هذه الكلاب، على مدى سنوات عمرها التي اقتربت من المائة.