بيروت - عمر حبنجر ووكالات
تنتهي ولاية الرئيس ميشال عون بحدثين متناقضين: ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وتعثره مع سورية، حيث سيسجل التاريخ ان لبنان وعدوه الأول إسرائيل وقعا أول اتفاق من نوعه في تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي، بضمانة «المقاومة» لهذا الاتفاق الذي اعتبره الرئيس عون إنجازا لعهده، ووصفه الرئيس الأميركي جو بايدن بالاتفاق التاريخي، شاكرا للرؤساء ميشال عون ونبيه بري ونجيب ميقاتي، عبر وسيطه عاموس هوكشتاين إسهاماتهم، بأول اتفاق لبناني - إسرائيلي تحققه واشنطن، منذ فشل اتفاق 17 أيار 1983، الذي رفضه مجلس النواب اللبناني في الظروف المعروفة.
وجاء توقيع الترسيم، بعد شروع إسرائيل باستخراج الغاز من حقل كاريش، فيما أمام لبنان ما بين 5 و10 سنوات، لاستجرار الغاز من حقل قانا، حتى لو باشرت شركة توتال الفرنسية الاستكشاف والتنقيب فورا، ما يشكل خرقا لمعادلة، «لا غاز من كاريش قبل الغاز من قانا».
يضاف الى ذلك، تنازل الجانب اللبناني عن 40% من حصة شركة توتال التي ستتولى الاستكشاف والاستجرار من حقل قانا، وضمنها ما يعتبر انه حصة إسرائيل في هذا الحقل.
وبدأت مراسيم إقرار الاتفاق صباحا، حيث وقع الرئيس اللبناني ورئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد كل على حدة في مقره، اتفاق ترسيم الحدود البحرية بعد أشهر من المفاوضات والوساطة الأميركية.
والتقى وفدا البلدين بعد الظهر في مقر قوات الأمم المتحدة (يونيفيل) في بلدة الناقورة في جنوب لبنان في غرفتين منفصلتين لتبادل رسائل الاتفاق، بحضور هوكشتاين والمنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسك، حيث تسلمت الإحداثيات الجغرافية المتفق عليها، لتحل مكان تلك التي أرسلتها الدولتان إلى الأمم المتحدة في 2011.
ويأخذ الاتفاق شكل تبادل رسائل الموافقة على نص الاتفاق، بين لبنان والولايات المتحدة من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة ثانية. ويدخل الاتفاق حيز التنفيذ عندما ترسل الولايات المتحدة إشعارا يتضمن تأكيدا على موافقة الطرفين اللذين هما في حالة حرب.
وأخطر ما في هذا الاتفاق، أن لابيد اعتبره اعترافا لبنانيا بإسرائيل، حقق من خلاله «ربحا اقتصاديا وديبلوماسيا من هذا الاتفاق»، لكن الرئيس عون سارع للقول إنه «لا أبعاد سياسية» للاتفاق.
والتقى هوكشتاين عون وشهد توقيعه الاتفاق، وهو على شكل «رسالة تقول إن لبنان تسلم الرسالة الأميركية ووافق على مضمونها»، وفق ما أعلن نائب رئيس مجلس النواب إلياس أبوصعب المكلف ملف الترسيم.
وإثر لقائه عون، أعرب هوكشتاين عن سعادته بالوصول إلى «هذا اليوم التاريخي في المنطقة.. وإلى اتفاق يخلق الأمل والفرص الاقتصادية والاستقرار لجانبي الحدود».
وانقسمت ردود الفعل اللبنانية بين مؤيد ومعارض، حيث اعتبر رئيس التيار الحر جبران باسيل، ان لبنان «انتصر» في هذا الاتفاق على إسرائيل من خلال قوله: «أنا وكل اللبنانيين ما منصدق انه لما منقدر ننتصر على إسرائيل ونسحب من أنيابها الخط البحري 23 وحقل قانا، ما منقدر ننتصر على كم صعلوك فاسد قيمته بدولاراته المسروقة من جيوب الناس».
والرأي ذاته أكده، أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، حيث قال: «نعتبر ما حصل انتصارا كبيرا للبنان ومع تسليم الوثائق تنتهي مهمة «المقاومة»، وكل التدابير الخاصة والاستنفار انتهت أيضا».
وأردف قائلا «أمام بعض الملاحظات والإشكالات التي أثيرت منذ بداية التفاوض وما تم التوصل إليه، يظهر ان بعض الناس انصدموا واصبحوا يطلقون كلاما لا يفهم «على هول الصدمة طقوا الفيوزات».
وقال إن «المفاوضات في ملف الترسيم كانت جميعها غير مباشرة ولم يلتق الوفدان اللبناني والصهيوني تحت سقف واحد، والذي وقعه فخامة الرئيس وسيتم إبلاغه في الناقورة هو ليست معاهدة دولية ولا ينطوي على تطبيع مع إسرائيل».
في المقابل، رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل اعتبر في حديث لتلفزيون لبنان «ان ترسيم الحدود البحرية قبل البرية هو خطوة مستهجنة وغير معتادة، اذ تتم عادة الترسيم البري قبل البحري.
وأضاف: «في اتفاقية الترسيم البحري بدنا نقول مبروك لإسرائيل، لأنها بدأت بالتنقيب في الوقت الذي لا نعلم فيه نحن ماذا إذا كنا نملك النفط والغاز أم لا».
بدوره، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط سأل عبر تويتر: «لماذا تغيب الجيش عن إبرام الاتفاق حول الترسيم الذي يثبت الهدنة ويؤكدها؟ وأين هي الشركة الوطنية للنفط وأين هو الصندوق السيادي؟ إن تحركات المسؤولين في هذا الشأن تثير الريبة وكأن الموضوع هندسة مالية إضافية مصيرها الضياع والهدر على حساب المواطنين».
وتلك هي أيضا نظرة القوات اللبنانية الى الموضوع، حيث اعتبرت ان ما حصل لن يكون مجديا، إلا إذا تشكل صندوق سيادي لحفظ الأموال المتوافرة من بيع النفط والغاز بعد انطلاق عملية الاستخراج، وحتى لا تضيع كما ضاعت أموال المودعين، وتهدر كما هدرت في الصفقات والسمسرات والتهريب.
حكوميا، تبقى حكومة تصريف الأعمال هي المخولة بإدارة المهام الرئاسية اعتبارا من اول نوفمبر، ما لم تحصل معجزة، وتتألف حكومة قبل نهاية الشهر.
رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، اعتبر ان أكثر مرة ذلت بها رئاسة الجمهورية، هي في هذا العهد، وتياره أكبر مساهم في الفراغ، وأكيد عند الشغور تنتقل صلاحيات الرئاسة للحكومة، أي حكومة.
ووصف جعجع رئيس التيار الحر جبران باسيل بـ «الكذاب الكبير، كبير ونصاب،» وقال: إذا حدا معه مال هو جبران باسيل..».
مصادر سياسية، اعتبرت ان التيار يمارس أفلام تشكيل الحكومة ليتهم الرئيس ميقاتي بالعرقلة، فيما الحقيقة ان باسيل لايزال عند موقفه بعدم إعطاء الثقة لحكومة يريد ان يكون شريكا فاعلا فيها.
وقالت المصادر: الواقع ان ميقاتي «رضي بالهم، والهم لم يرض به»، فبعد أن تم الاتفاق على تغيير 6 وزراء في الحكومة توقف النقاش، وعندما سئل باسيل عن الثقة بالحكومة، أجاب: لا ثقة، الأمر الذي استفز ميقاتي، وهنا توقف التفاوض.
بايدن: يمهّد الطريق لمنطقة أكثر استقراراً وازدهاراً
هنأ الرئيس الاميركي جو بايدن لبنان واسرائيل بتوقيع اتفاق الحدود البحرية والذي أنهى نزاعا طويلا بين البلدين.
وقال بايدن في بيان اصدره امس «أنا فخور بأن أهنئ إسرائيل ولبنان على إبرام اتفاقهما رسميا من أجل حل النزاع الحدودي البحري الذي طال أمده.
لقد اتخذ الطرفان في الناقورة الخطوات النهائية لدخول الاتفاق حيز التنفيذ، وتم تقديم الأوراق النهائية إلى الأمم المتحدة بحضور الولايات المتحدة».
وأضاف « كما قلت عندما تم الإعلان عن هذا الاتفاق التاريخي، فإنه سيؤمن مصالح كل من إسرائيل ولبنان، ويمهد الطريق لمنطقة أكثر استقرارا وازدهارا.
ستواصل الولايات المتحدة العمل كمسهل فيما يعمل الطرفان على الوفاء بالتزاماتهما وتنفيذ هذا الاتفاق. لا ينبغي أن تكون الطاقة ـ خاصة في شرق المتوسط ـ سببا للصراع، بل أداة للتعاون والاستقرار والأمن والازدهار.