- الخراز: نتعلم من الإسراء والمعراج أن المحن تخرج المنح وأن نصر الله قادم لا محالة
- العقيلي: من الحكمة تدبر هذه الحادثة والاعتبار بمواقفها والاتعاظ بأحداثها
- السويلم: من أعظم الدروس من هذا الحدث وحدة الرسالات السماوية
ونحن نعيش ذكرى غالية على نفوس المسلمين في جميع انحاء المعمورة، ذكرى مرتبطة بحادث خطير في تاريخ الدعوة الاسلامية، ففيه التقت السماء بالارض، حيث ارتفعت البشرية الممثلة في شخص محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الى ملائكة لا تقيدها الحدود ولا تتحكم فيها ارضيتها، نعيش بوجداننا مع الرحلة القدسية التي كان المحتفى به فيها رسول الانسانية محمد صلى الله عليه وسلم، في رحلة ليست من ترتيب البشر أو من تدبير العباقرة منهم، ولكنها كانت من تدبير الله رب العالمين لرسول رب العالمين. وبهذه المناسبة، نستطلع الدروس والعبر المستفادة منها:
عن أهم الدروس والعبر التي يجب ان نستثمرها من حادثة الاسراء والمعراج، يقول الشيخ د.خالد الخراز: كانت رحلة الاسراء والمعراج رحمة من الله تعالى بعبده وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم، شاهد من آيات الله عز وجل الكبرى ما شاهد وعاين من أمارات العناية الإلهية، فكانت معجزة نبوية بالجسد والروح معا، أيدتها نصوص القرآن، في الرحلة درس من حيث الافضلية، وانها ليست بالسبق الزمني وانما بما فضل الله تعالى (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض)، وفيها درس مهم هو ان نعطي لأهل الفضل مكانتهم وان ننزل الناس منازلهم، وهو درس في الإمامة وشروطها، وهي للأفضل مع وجود الفاضل، حيث تقدم النبي صلى الله عليه وسلم على آدم وهو أبو البشر، وعلى إبراهيم الخليل «أبي الأنبياء» عليهم الصلاة والسلام، فصلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء جميعهم في المسجد الاقصى مشكاة واحدة.
كذلك كانت حادثة شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم قبيل الرحلة ثم غسله بماء زمزم وملأه حكمة وايمانا، تنبيها لعظمة المهمة التي سيقوم بها النبي صلى الله عليه وسلم واللقاء الذي سيتم بينه وبين الملأ الأعلى، وهذا يدعونا الى الاستعداد المناسب لكل امر نسعى الى القيام به، ومن الفوائد ايضا ان على المسلم ان يسمو بروحه الى السماء فوق الاهواء والشبهات وفيه ايضا الرد على شبهة المنكرين للاسراء والمعراج.
دروس من العروج
اما الدرس الذي نستفيد منه في العروج، فيقول د.الخراز: من الدروس الاخرى ان المؤمن ثابت لا يزعزعه شيء، وان للسماء ابوابا حقيقية وحفظة موكلين بها، وفيه اثبات الاستئذان بأن يقول لمن يستأذن انا فلان، ولا يقتصر على انه لا ينافي مطلوب الاستفهام فيه، وفيه جواز مدح الانسان المأمون عليه الافتتان في وجهه، ومن العبر ايضا فضل على السير بالنهار لما وقع من الاسراء بالليل، وايضا في قول موسى عليه السلام «قد عالجت الناس قبلك»، دليل على ان علم التجربة زائد عن العلوم ولا يقدر على تحصيله بكثرة العلوم ولا يكتسب الا بها، أعنى التجربة، وفي ان الجنة والنار قد خلقتا، وفيه بذل النصيحة لمن يحتاج اليها، وان لم يستشر الناصح في ذلك.
ولفت الى ضرورة ان نتعلم من الاسراء والمعراج ان المحن تخرج المنح، وان نصر الله قادم لا محالة، كما تذكر المعجزة بعالمية رسالة الاسلام ومكانة النبي صلى الله عليه وسلم وعلاقته بإخوانه من الانبياء والمرسلين وايضا بمكانة وفضل المسجد الاقصى.
كما ان الحوار الذي حدث بين الانبياء والرسل في ليلة الاسراء والمعراج يؤكد على ضرورة نشر ثقافة الحوار البناء، وان المعجزة تقدم لنا نموذجا لوحدة الانبياء جميعا، فصلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالانبياء جميعا هي وحدة لهم في دعوتهم، فالكل جاء بالتوحيد الخالص من عند الله عز وجل.
دروس وعبر
من جهته، يقول الشيخ يحيى العقيلي: الاسراء والمعراج رحلة ربانية ومعجزة نبوية أكرم الله جل وعلا بها نبينا صلى الله عليه وسلم من مكة الى بيت المقدس، ثم عرج به على السماوات العلا، فسدرة المنتهى، ليتبوأ منزلة ما بلغها احد قبله، وقد جاءت هذه الحادثة المعجزة في أواخر مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة، وان من الحكمة تدبر هذه الحادثة والاعتبار بمواقفها والاتعاظ بأحداثها، مشيرا الى ان الاسراء والمعراج جاء والرسول صلى الله عليه وسلم يواجه اعتى صور التكذيب بدعوته والايذاء له ولأصحابه، فكان تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ان رفعه ربه ومولاه الى السماوات العلى، رفعه الله بجسده وروحه، كما رفع ذكره وشرح له صدره ووضع عنه وزره، وجعل الذل والصغار على من خالف امره، فهو خليل الرحمن وسيد الانام وصاحب المقام المحكوم والحوض المورود، لافتا الى ان لهذه الرحلة والآية الباهرة دروسا وعظات منها: رفعة مكان النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه، حيث رفعه الى اعلى مقام وشرفه بإمامته الأنبياء.
ومن الدروس ايضا نسخ الشرائع السابقة وختم النبوة والرسالة به صلى الله عليه وسلم، فهو الامام المتبوع وخاتم النبيين وسيد المرسلين، ومنها وحدة رسالة الانبياء ودينهم، اذ صلوا جميعا صلاة واحدة خلف إمام واحد يعبدون ربا واحدا، ومنها عظم منزلة الصلاة وشرفها، رفع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم لسدرة المنتهى ليفرضها عليه وعلى امته، وليعلم المسلمون الذين هم على صلواتهم يحافظون ما هم عليه من منزلة وفضل ومكانة، وقد نزل جبريل عليه السلام في صبيحة ليلة الاسراء يعلم النبي صلى الله عليه وسلم مواقيتها وفقهها، كذلك من العبر المستفادة ارتباط المسجدين (الحرام والأقصى) وعظم شرفهما، وان هذه الامة هي الأحق بحفظهما ورعايتهما.
كلمة الحق
ويضيف الشيخ يوسف السويلم مبينا بعض العظات النافعة في رحلة الاسراء والمعراج، فيقول: من اعظم هذه الدروس التي نتعلمها من هذا الحدث الجليل: درس وحدة الرسالات السماوية، اذ جمع الله تعالى الانبياء فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم إماما بالمسجد الاقصى تكريما وتشريفا لجميع الانبياء وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهناك درس مهم وهو الجهر بكلمة الحق نأخذ من ذلك ان الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ان عاد من رحلة الاسراء والمعراج دخل على ابنة عمه السيدة أم هاني وقص عليها ما حدث له، فلما اراد ان يخرج من عندها تعلقت بردائه وقالت يا رسول الله لا تخبر الناس بما رأيت فإنهم لن يصدقوك، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم جذب رداءه منها وقال: والله لأبلغن الناس بما رأيت، ثم خرج من عندها وقص على الناس ما رآه، أما حادثة شق الله سبحانه وتعالى صدر نبيه وحبيبه قبيل الرحلة فهي درس يضع امامنا بعض المفاهيم العظيمة، حيث ان لكل امر ذي بال وقدر لابد من الاستعداد للقيام به والتأهل لاستحقاقه ونيله، وغاية شق الصدر إشعار نبينا صلى الله عليه وسلم بعظيم المهمة التي سيقوم بها واللقاء الذي سيتم بينه وبين الملأ الاعلى، وهذا يدعونا الى الاستعداد المناسب لكل امر نسعى للقيام به.