عبدالكريم أحمد
جاء نص منطوق حكم المحكمة الدستورية كالتالي:
باسم صاحب السمو أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح ـ المحكمة الدستورية ـ بالجلسة المنعقدة علنا بالمحكمة بتاريخ 27 من شعبان 1444هـ الموافق 19 من مارس 2023م برئاسة السيد المستشار محمد جاسم بن ناجي - رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين فؤاد خالد الزويد وعادل علي البحوة وصالح خليفة المريشد وعبدالرحمن مشاري الدارمي.
وحضور السيد عبدالله سعد صالح أمين سر الجلسة.
صدر الحكم الآتي:
في الطعنين المقيدين في سجل المحكمة الدستورية برقم 14 و44 لسنة 2022 «طعون خاصة بانتخابات مجلس الأمة عام 2022» المرفوع أولهما من: فرز محمد فرز الديحاني.
ضد: 1 - رئيس مجلس الوزراء بصفته. 2 - وزير الداخلية بصفته. 3 - وكيل وزارة العدل بصفته. 4 - أمين عام مجلس الوزراء بصفته. 5 - رئيس اللجنة العامة لشؤون الانتخابات بصفته. 6 - رئيس مجلس الأمة بصفته. 7 - شعيب شباب قديفان المويزري. 8 - محمد هايف سلطان المطيري. 9 - مبارك حمود سعدون الطشة. 10 - مبارك هيف سعد الحجرف. 11 - ثامر سعد غيث الظفيري. 12 - مرزوق خليفة مفرج الخليفة.13 - سعد علي خالد الرشيدي. 14 - محمد عبيد محمد عبدالله المطيري. 15 - عبدالله فهاد هندي العنزي. 16 - يوسف محمد سيف البذالي.
والمرفوع ثانيهما من: فرز محمد فرز الديحاني.
ضد: 1 - شعيب شباب قديفان المويزري. 2 - محمد هايف سلطان المطيري. 3 - مبارك حمود الطشة. 4 - مبارك هيف سعد الحجرف. 5 - ثامر سعد غيث الظفيري. 6 - مرزوق خليفة مفرج الخليفة. 7 - سعد علي خالد خنفور الرشيدي. 8 - عبيد محمد عبدالله المطيري. 9 - عبدالله فهاد هندي العنزي. 10 - يوسف محمد سيف البذالي. 11 - أمين عام مجلس الأمة بصفته. 12 - وزير الداخلية بصفته. 13 - وزير العدل بصفته.
الوقائع
حيث ان حاصل الوقائع - حسبما يبين من الأوراق - ان الطاعن (فرز محمد فرز الديحاني) طعن في انتخابات مجلس الأمة لعام 2022، التي أجريت في الدائرة (الرابعة) وذلك بصحيفة أودعت إدارة كتاب هذه المحكمة بتاريخ 2022/10/12 طالبا في ختام تلك الصحيفة الحكم: ببطلان عملية الانتخاب في الدائرة (الرابعة)، وما يترتب على ذلك من آثار، على سند من القول انه كان مرشحا في انتخابات مجلس الأمة لعام 2022 عن الدائرة الانتخابية الرابعة والتي أجريت بتاريخ 2022/9/29، وقد اعترت هذه الانتخابات مخالفات دستورية في الاجراءات الممهدة لها تصمها بالبطلان، كما شابت اجراءاتها مخالفات وأخطاء جوهرية وعيوب جسيمة في مرحلة الإدلاء بالأصوات وفرزها، مما أثر سلبا في نتيجة الانتخابات النهائية وهو ما يؤدي الى بطلانها في هذه الدائرة، وبنى طعنه على أسباب حاصلها ما يلي:
أولا: انه قد شاب عملية الانتخاب عوار دستوري في الاجراءات الممهدة لها، إذ صدر المرسوم رقم 136 لسنة 2022 بحل مجلس الأمة مشوبا بالبطلان لمخالفته أحكام المادة 107 من الدستور، قولا من الطاعن بأن الحكومة التي صدر مرسوم الحل بناء على طلبها هي حكومة حديثة العهد بتولي السلطة، اذ قامت بأداء اليمين الدستورية في ذات اليوم الذي صدر فيه المرسوم، مما يعني عدم تصور وجود خلاف بينها وبين مجلس الأمة، كما أن الخلافات بين المجلس والحكومة السابقة تكون قد زالت بقبول استقالة تلك الحكومة وتشكيل حكومة أخرى مغايرة، وبالتالي يكون مرسوم الحل قد صدر استنادا الى أسباب غير حقيقية بالمخالفة للدستور، بما يستوجب عدم الاعتداد به وترتيب آثاره، وهو ما يترتب عليه بطلان المرسوم رقم 147 لسنة 2022 بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس الامة لوروده على غير محل.
ثانيا: ان عملية الانتخاب قد أجريت في ظل مراسيم بقوانين - أصدرتها السلطة التنفيذية بإرادتها المنفردة في غيبة مجلس الأمة بسبب حله - جاءت مشوبة بعيب عدم الدستورية لمخالفتها نصوص الدستور، إذ أصدرت المرسوم بالقانون رقم 5 لسنة 2022 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 35 لسنة 1962 في شأن انتخابات مجلس الامة، والمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2022 بتعديل الجدول المرافق للقانون رقم 42 لسنة 2006 بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الامة، استنادا الى المادة 71 من الدستور في حين انه لا يوجد في هذين المرسومين ما يستدعي الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، إذ صدر المرسوم الاول بحجة وجود تلاعب في القيود الانتخابية، بينما صدر المرسوم الثاني لإضافة بعض المناطق الجديدة الى الدوائر الانتخابية، وهي وقائع سابقة على صدور مرسوم الحل ولم تحدث في فترة غيبة المجلس.
وتم قيد الطعن في سجل المحكمة الدستورية برقم 15 لسنة 2022، وأعلن المطعون ضدهم.
وبتاريخ 2022/10/13 أودع الطاعن صحيفة طعن أخرى ادارة كتاب هذه المحكمة، بذات الطلبات والأسباب سالفة البيان، وأضاف اليها طلب الحكم: أصليا: بإعادة تجميع نتائج جميع اللجان بالدائرة الانتخابية الرابعة (الاصلية والفرعية) وإعلان فوزه حسب ترتيبه وفقا لما يسفر عنه إعادة التجميع، وبطلان ما يخالف ذلك من آثار، واحتياطيا: بإعادة فرز وتجميع صناديق جميع اللجان بالدائرة الانتخابية الرابعة (الاصلية والفرعية) وإعلان فوزه حسب ترتيبه وفقا لما يسفر عنه إعادة الفرز والتجميع.
وبطلان ما يخالف ذلك من آثار، على سند من القول إنه قد شابت عملية الانتخاب أخطاء جوهرية وعيوب جسيمة تؤدي الى بطلانها في الدائرة الرابعة، وذلك بسبب اشتراك بعض الموقوفين والممنوعين من الادلاء بأصواتهم، وحدوث خطأ في تجميع الاصوات التي حصل عليها، وعدم اطلاع مندوبيه على أوراق الاقتراع عند الفرز، وعدم الاعلان عن النتائج التفصيلية بالدائرة. وتم قيد هذا الطعن بسجل المحكمة الدستورية برقم 44 لسنة 2022 وأعلن المطعون ضدهم. وقد نظرت المحكمة الطعنين على الوجه المبين بمحاضر الجلسات، وقررت ضم الطعن الثاني الى الطعن الاول للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد، وطلبت المحكمة من وزارة الداخلية (ادارة الانتخابات) موافاتها ببيان مفصل بأسماء المرشحين في الدائرة الرابعة في انتخابات مجلس الامة لعام 2022، وعدد الناخبين المقيدين فيها، وذلك من واقع ما لدى الوزارة من سجلات وأوراق، شاملا هذا البيان عدد المقرعين في الدائرة، والنسبة المئوية لعدد الذين أدلوا بأصواتهم من مجموع عدد الناخبين، وعدد الاصوات التي حصل عليها كل مرشح في كل لجنة من لجان الدائرة، وعدد الاصوات الصحيحة، وعدد الاصوات الباطلة، وما أسفرت عنه نتيجة الفرز التجميعي بالنسبة الى جميع المرشحين، وأسماء الفائزين في الانتخابات في هذه الدائرة موضحا قرين كل منهم مجموع الاصوات التي حصل عليها وفقا للنتائج المعلنة، وكذلك موافاة المحكمة بصور من جميع المحاضر التي تلقتها الوزارة من لجان هذه الدائرة.
وبعد أن تلقت المحكمة ما طلبته من الوزارة من بيان وأوراق، ندبت السيدين المستشارين صالح خليفة المريشد وعبدالرحمن مشاري الدارمي - عضوي المحكمة - للانتقال الى مقر الامانة العامة لمجلس الامة واتخاذ اللازم نحو ضم محضر اللجنة الرئيسية للدائرة الرابعة والجدول المرفق به والمبين به مجموع الاصوات التي حصل عليها كل مرشح، وقد انتقل عضوا المحكمة المنتدبان الى مقر الامانة العامة لمجلس الامة يوم 2023/1/4 لأداء المهمة الموكلة اليهما على النحو الثابت بمحضر الانتقال، حيث تم ضم محضر اللجنة المشار اليها، وتمكين الخصوم من الاطلاع على جميع الاوراق وإبداء دفاعهم، وقدم ممثل ادارة الفتوى والتشريع مذكرة دفع فيها بعدم قبول الطعن لتجاوز النطاق المقرر قانونا في الطعن الانتخابي، وبجلسة 2023/3/8 قررت المحكمة اصدار الحكم في الطعنين بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الاوراق، وسماع المرافعة، وبعد المداولة.
حيث انه عن الدفع المبدى من ادارة الفتوى والتشريع بعدم قبول العطنين بمقولة ان الطاعن قد تجاوز بطلبه النطاق المقرر قانونا بالطعن في جميع الدوائر الانتخابية فهو مردود، ذلك ان الثابت ان الطاعن كان مرشحا في انتخابات مجلس الامة لعام 2022 عن الدائرة الانتخابية الرابعة، وطلب الحكم بإبطال الانتخابات في تلك الدائرة بسبب ما اعترتها من مخالفات دستورية في الاجراءات الممهدة لها تصمها بالبطلان، وما شاب العملية الانتخابية التي تمت في الدائرة الرابعة من مخالفات وأخطاء جوهرية وعيوب جسيمة في مرحلة الادلاء بالاصوات وفرزها، مما أثر سلبا في نتيجة الانتخابات النهائية، وهو ما يؤدي الى بطلانها، فإنه لا يكون بذلك قد تجاوز النطاق المقرر قانونا للطعن الانتخابي ويكون الدفع المبدى في هذا الخصوص غير صحيح. وحيث ان الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
وحيث انه بالنسبة الى ما أثاره الطاعن متعلقا ببطلان مرسوم حل مجلس الامة، فإنه تجدر الادارة في هذا المقام الى أن هذه المحكمة قد سبق لها - في أحكام عديدة سابقة - التأكيد على أنها وهي تفصل في الطعون الانتخابية بوصفها محكمة موضوع ملتزمة بإنزال حكم القانون على واقع ما هو معروض عليها، وتغليب أحكام الدستور على ما سواها من القواعد القانونية، مقيدة في ذلك بضوابط العمل القضائي وضماناته بعيدا عن العمل السياسي بحساباته وتقديراته، وانها بما تحمله من أمانة القضاء وعظيم رسالته وما وسد لها من اختصاص استنادا الى الدستور، حارسة على أحكامه، رقيبة على الالتزام بقواعده، لا يجوز لها أن تتخلى عن اختصاص أنيط بها، أو أن تترخص فيما عُهد اليها به، كلما كان تعرضها لما أثير أمامها من مسائل لازما تدخلها، إعلاء لكلمة الدستور ومحافظة على نصوصه وكيانه ونزولا على أحكامه. وحيث ان مبنى النعي بالسبب الاول من أسباب الطعن الاول ببطلان هذه الانتخابات انها قد شابها عوار دستوري في الاجراءات الممهدة لها، بسبب مخالفة المرسوم رقم 136 لسنة 2022 بحل مجلس الامة المادة 107 من الدستور، لصدوره بناء على طلب حكومة حديثة العهد بتولي السلطة، قامت بأداء اليمين الدستورية في ذات اليوم الذي صدر فيه المرسوم، بعد استقالة الحكومة السابقة، مما يعني عدم تصور وجود خلاف بينها وبين مجلس الامة، فيكون مرسوم الحل قد صدر استنادا الى أسباب غير حقيقية بما يستوجب عدم الاعتداد به وترتيب آثاره.
وحيث ان هذا النعي سديد، ذلك ان المادة 107 من الدستور تنص على أن «للأمير ان يحل مجلس الامة بمرسوم تبين فيه أسباب الحل على أنه لا يجوز حل المجلس لذات الاسباب مرة أخرى وإذا حل المجلس وجب اجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يتجاوز شهرين من تاريخ الحل فإن لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن ويستمر في أعماله الى أن ينتخب المجلس الجديد».
والمستفاد من ذلك - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة، ان حل مجلس الامة هو حق دستوري مقرر للسلطة التنفيذية، ويعتبر أحد السبل لإحكام المعادلة والتوازن بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، ومن المعلوم أن الامير يتولى سلطاته بواسطة وزرائه، والمقصود بالحل هو إنهاء مدة المجلس إنهاء مبتسرا قبل انتهاء الاجل المقرر له، وانه وإن كان الدستور لم يقيد استعمال الحكومة لحق الحل بأي قيد زمني، فلها أن تتخير توقيته وتقدير مناسباته، إلا أن الدستور أحاط الحل - نظرا لخطورته، ببعض القيود والضمانات، فيجب أن يكون حل مجلس الأمة بمرسوم تبين فيه أسباب الحل، وهو أمر يتطلب معه أن يوقع مرسوم الحل مع الامير، رئيس مجلس الوزراء حتى يتحمل مسؤوليته السياسية عن هذا التصرف، أما عن الاسباب الداعية للحل، فقد تكون لاستحكام الخلاف بين الحكومة وبين مجلس الامة، أو لاختلال التناسب والانسجام بينهما، أو لضرورة تقتضي ذلك، وانه إذا حُل المجلس لا يجوز حله لذات الأسباب مرة أخرى، كما أنه يجب إجراء انتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يتجاوز شهرين من تاريخ الحل، إذ ما دام أن الغرض من الحل هو الاحتكام الى الامة وأخذ رأي الناخبين فيه، فلا يصح ارجاء ذلك الى أمد بعيد مع استمرار السلطة التنفيذية في التصرف بلا رقيب، وبالتالي وجب دعوة الناخبين الى اجراء انتخابات جديدة، والغاية من هذا الحكم هو تأكيد ضرورة اتصال الحياة النيابية، فإذا لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن، ويستمر في أعماله الى أن ينتخب المجلس الجديد. ولهذه المحكمة أن تباشر رقابتها على المرسوم الصادر بالحل للتأكد من مدى التزامه بالقيود والضوابط الدستورية سالفة البيان إعلاء لمبدأ الشرعية الدستورية، إذ لا يجوز أن يُتخذ الحل الذي رخص به الدستور للحكومة استعماله، وحدد طبيعته وإجراءاته، ذريعة الى إهدار أحكام الدستور ومخالفتها، فللدستور حرمة ونصوصه يجب أن تصان وأحكامه لا بد أن تحترم.
متى كان ذلك، وكان من المعلوم أنه إثر خلاف بين الحكومة ومجلس الأمة قدم رئيس مجلس الوزراء (الشيخ صباح خالد الحمد الصباح) استقالته واستقالة حكومته، وصدر بتاريخ 2022/5/10 الأمر الأميري بقبول هذه الاستقالة على أن يستمر كل منهم في تصريف العاجل من شؤون منصبه لحين تشكيل الوزارة الجديدة، وبتاريخ 2022/7/24 صدر أمر أميري بتعيين رئيس جديد لمجلس الوزراء نص في مادته الاولى على أن يُعين فريق أول م.الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح رئيسا لمجلس الوزراء ويكلف بترشيح أعضاء الوزارة الجديدة، وعرض أسمائهم علينا لإصدار مرسوم تعيينهم. وأعقب ذلك صدور المرسوم رقم 135 لسنة 2022 بتاريخ 2022/8/1 بتشكيل الوزارة الجديدة، ثم بتاريخ 2022/8/2 صدر المرسوم رقم 136 لسنة 2022 بحل مجلس الامة، حيث وردت الإشارة بديباجته الى صدوره استنادا الى المادة 107 من الدستور، والى أن صدوره قد جاء «تصحيحا للمشهد السياسي وما فيه من عدم توافق وعدم تعاون واختلافات وصراعات وتغليب المصالح الشخصية وعدم قبول البعض للبعض الآخر وممارسات وتصرفات تهدد الوحدة الوطنية وجب اللجوء الى الشعب باعتباره المصير والامتداد والبقاء والوجود ليقوم بإعادة تصحيح المسار بالشكل الذي يحقق مصالحه العليا»، كما جاءت الاشارة الى صدوره بناء على عرض رئيس مجلس الوزراء، وبعد موافقة مجلس الوزراء، مذيلا هذا المرسوم بتوقيع ولي العهد الذي عهد إليه أمير البلاد ممارسة بعض اختصاصاته الدستورية بموجب الأمر الأميري الصادر بتاريخ 2021/11/15 وتوقيع رئيس مجلس الوزراء (أحمد نواف الأحمد الصباح). وإذ كان الأمر كذلك، وكان الواضح أن هذا الحل قد جاء استنادا الى المادة 107 من الدستور، بسبب ما ثار من خلاف بين الحكومة السابقة ومجلس الامة والذي أفضى الى ما وصفه مرسوم الحل بعدم التوافق وعدم التعاون والاختلافات، فإن لازم ذلك أن يكون هذا الحل بناء على طلب الوزارة التي ثار الخلاف بينها وبين مجلس الامة، فإذا كانت هذه الوزارة قد قُبلت استقالتها بكاملها وتم تعيين رئيس جديد لمجلس الوزراء قام بتشكيل وزارة جديدة وصدر مرسوم بها، فإن الخلاف وعدم التعاون بين مجلس الامة والحكومة السابقة يكون قد انتهى أمره وزال أثره، إلا أن الوزارة الجديدة قد استهلت أعمالها في اليوم التالي لتشكيلها بطلب حل مجلس الامة، دون أن تتبين موقف ذلك المجلس منها ومدى إمكان التعاون بينهما، وإذ صدر مرسوم الحل بناء على هذا الطلب مستندا الى «عدم التوافق» و«عدم التعاون» و«الاختلافات»، على الرغم من أن هذا السبب قد انقضى أمره بتشكيل الحكومة الجديدة وكان غير قائم وقت صدور المرسوم، فإن الحل يكون بذلك مفتقدا للسبب المبرر له مخالفا الضوابط الدستورية سالفة البيان. وبالترتيب على ما تقدم، يكون اجراء هذا الحل قد جاء مشوبا بالبطلان مستوجبا عدم الاعتداد به وترتيب آثاره، بما يستتبعه ذلك من بطلان دعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس الامة التي جاءت ابتناءً على هذا الحل الباطل، كما تغدو معه إرادة الناخبين في هذه الحالة قد وردت على غير محل، إذ جاءت الانتخابات وليدة اجراءات باطلة أُهدرت فيها الضوابط الدستورية على نحو ما سلف بيانه، وبالتالي يكون نعي الطاعن بهذا السبب من طعنه قائما على أساس سليم، ومن ثم حق القضاء بإبطال عملية الانتخاب برمتها التي أُجريت بتاريخ 2022/9/29 في الدوائر الخمس، وبعدم صحة عضوية من أُعلن فوزهم فيها، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها أن يستعيد المجلس المنحل - بقوة الدستور - سلطته الدستورية كأن الحل لم يكن، ليكمل المدة المتبقية له أصلا - ما لم يطرأ من الأمور خلال تلك المدة ما يقتضي معها إعمال الأمير صلاحياته المقررة في هذا الشأن - وذلك إعلاءً لنصوص الدستور، وتغليبا لأحكامه، وحفظا لكيانه، وسلامة النظام العام الدستوري وبنيانه.
ولما كان الطاعن قد أُجيب الى طلبه الحكم ببطلان عملية الانتخاب استنادا الى السبب الاول من أسباب طعنه، فإنه لا حاجة من بعد لبحث باقي أسباب الطعنين المتعلقة بعدم دستورية المرسوم بقانون رقم 5 لسنة 2022 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 35 لسنة 1962 في شأن انتخابات مجلس الامة، والمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2022 بتعديل الجدول المرافق للقانون رقم 42 لسنة 2006 بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الامة - أيا كان وجه الرأي في مدى دستورية هذين المرسومين - باعتبار أن الطعن الانتخابي تنظره هذه المحكمة كمحكمة موضوع، وما دام أن البحث في دستوريتهما لم يعد مؤثرا في النتيجة التي خلصت اليها المحكمة فيهما.
ومن نافلة القول ان القوانين التي صدرت من مجلس الامة - خلال فترة المجلس الذي قضي بإبطاله - تظل سارية ونافذة الى أن يتم إلغاؤها أو يُقضى بعدم دستوريتها.
نص الحكم
فلهذه الأسباب.. حكمت المحكمة بإبطال عملية الانتخاب برمتها، التي أجريت بتاريخ 2022/9/29 في الدوائر الخمس، وبعدم صحة عضوية من أعلن فوزهم فيها، لبطلان حل مجلس الأمة وبطلان دعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس الامة والتي تمت على أساسها هذه الانتخابات مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها أن يستعيد المجلس المنحل من تاريخ صدور الحكم - بقوة الدستور - سلطته الدستورية كأن الحل لم يكن، وذلك على النحو الموضح بالأسباب.