- د.عادل المطيرات: لا ينبغي للمؤمن العاقل أن يفوّت هذه الفرصة الثمينة على نفسه وأهله
- د.جلوي الجميعة: لابد من استحضار النية الصالحة واحتساب الأجر على الله والانقطاع للعبادة
- د. محمد البراك: قربة إلى الله عز وجل وعلى المسلم أن يحرص على إحياء هذه السنة
الاعتكاف تجرد إلى الله، وتفرغ من كل ما يلهي ويبعد عن الله، به تزكو النفوس وتتطهر، ويفرغ البال من شواغل الحياة وصوارف العيش ليتصل العبد المسلم بربه قانتا قائما وقاعدا، يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه، ونتساءل كيف نحيي سنة الاعتكاف؟
يبين لنا د.جلوي الجميعة حكمة الاعتكاف فيقول: الاعتكاف في الشريعة هو المكث في المسجد بقصد التعبد لله وحده، وهو مشروع قرآنا وسنة وإجماعا، ومعناه اصطلاحا هو لزوم مسجد لعبادة الله من شخص مخصوص على صفة مخصوصة، وإن الحكم فيه صلاح القلب واستقامته على طريق سيره إلى الله ويقبل على الله وترك فضول المباحات وتحقيق الأنس بالله، والاشتغال به وحده، والتفكر في تحصيل مرضاته.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم في اعتكافه يأمر بخباء «على مثل هيئة الخيمة» فيضرب له في المسجد فيمكث فيه يخلو فيه عن الناس، ويقبل على ربه حتى تتم له الخلوة بصورة واقعية، وتقول عنه السيدة عائشة رضي الله عنها وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفا، وكان يعتكف صلى الله عليه وسلم في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما.
وعن آداب الاعتكاف، قال د.الجميعة: لابد من استحضار النية الصالحة واحتساب الأجر على الله وإدراك قيمة الحكمة من الاعتكاف وهي الانقطاع للعبادة، وأيضا عدم خروج المعتكف الا للحاجة الضرورية، والحرص على الاستيقاظ من النوم قبل كل صلاة بوقت كاف سواء أكانت فريضة أو نافلة، والإكثار من النوافل حتى لا يمل المعتكف من الجلوس في المسجد، والتنوع بين العبادات بالتسبيح والتهليل والصلاة وقراءة القرآن والاستغفار، والاستعانة بكتب العلم في تفسير القرآن للمساعدة في تدبره، وعليه خفض الكلام والنوم، والتفرغ الى العبادة في المسجد، والحرص على الطهارة طوال الوقت، والتحلي بالقيم الحميدة مثل الصبر والتعاون وتطبيق السنة.
وحول اعتكاف المرأة في بيتها او في المسجد، قال: ذهب جمهور العلماء الى ان المرأة كالرجل لا يصح اعتكافها الا في المسجد لأن ازواج النبي صلى الله عليه وسلم استأذنّه في الاعتكاف في المسجد فأذن لهن، وكن يعتكفن في المسجد بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ولو كان اعتكاف المرأة في بيتها جائزا لأرشدهن النبي صلى الله عليه وسلم إليه، لأن استتار المرأة في بيتها افضل من خروجها للمسجد، وذهب بعض العلماء الى ان المرأة يصح اعتكافها في مسجد بيتها وهو الموضع الذي جعلته للصلاة في بيتها، ومنع جمهور العلماء ذلك، وقالوا ان مسجد بيتها لا يسمى مسجدا الا على سبيل التجوز، وليس هو مسجد على سبيل الحقيقة، فلا يأخذ احكام المسجد ولذلك يجوز دخوله للجنب والحائض.
يقول د.عادل المطيرات في فضل سنة الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان: تزداد هذه الأيام العشر الأخيرة من رمضان فضلا كبيرا عند الله تعالى، ومن المؤسف ان يفتر المسلمون عن العبادة في هذه الأيام المباركة، وتقل عبادتهم ونشاطهم في الثلث الاخير من شهر رمضان، فعليك ايها المسلم ان تحرص على هذه الأيام المباركة فتكثر من الاعمال الصالحة وتتعرض لنفحات المولى عزّ وجلّ ورحمته، فقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله وأيقظ أهله» متفق عليه.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد فيه (أي الليالي العشر) أكثر مما يجتهد في غيرها، وهذا شامل للاجتهاد في جميع أنواع العبادة من صلاة وقرآن وذكر وصدقة وغيرها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشد مئزره يعني يعتزل نساءه ليتفرغ للصلاة والذكر.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحيي ليله بالقيام والقراءة والذكر بقلبه ولسانه وجوارحه، لشرف هذه الليالي، وطلبا لليلة القدر التي من قامها ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
ومما يدل على فضل العشر الاواخر ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ اهله للصلاة والذكر حرصا على اغتنام هذه الليالي المباركة بما هي جديرة به من العبادة، فإنها فرصة العمر وغنيمة لمن وفقه الله عزّ وجلّ.
فلا ينبغي للمؤمن العاقل ان يفوت هذه الفرصة الثمينة على نفسه وأهله، وأنه لمن الحرمان العظيم والخسارة الفادحة ان ترى كثيرا من المسلمين يمضون هذه الأوقات الثمينة فيما لا ينفعهم، يسهرون معظم الليل في اللهو الباطل.
وأضاف: لاحظوا الفرق بين واقعنا وواقع سلفنا الصالح، كانوا يقضون نهارهم بالصيام وتلاوة القرآن وليلهم بالركوع والسجود والتسبيح والتهليل، ويقضي الكثيرون منا نهارهم بالنوم وليلهم باللهو واللعب الحرام وشرب الدخان ولعب الورق، وغيرها، مما يعود على المسلم بضرر في عاجله وآجله.
ومما يقع فيه شبابنا لعبة كرة القدم بعد صلاة العصر او ليلا مما يضيع اوقات الشباب ويفوت عليهم اجر العبادة لهذا الشهر المبارك.
ونقل ابن رجب الحنبلي في (لطائف المعارف: 341) عن سفيان الثوري قال: أحب إلي اذا دخل العشر الأواخر ان يتهجد بالليل ويجتهد فيه، وينهض اهله وولده الى الصلاة إن أطاقوا ذلك، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطرق فاطمة وعليا ليلا فيقول لهما: «ألا تقومان فتصليان» أخرجه النسائي بسند صحيح.
وذكر ابن حجر في الفتح (4/270) فائدة من حديث اذا دخل العشر.. قال: «وفي الحديث الحرص على مداومة القيام في العشر الأخيرة اشارة الى الحث على تجويد الخاتمة، ختم الله لنا بخير آمين».
ويقول د. محمد البراك ان الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان هو الانقطاع للعبادة في هذه الأيام في المسجد، وهو من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد «كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده» (رواه البخاري).
وفي رواية «كان يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما» (رواه البخاري).
ومن حرصه صلى الله عليه وسلم على الاعتكاف انه كان إذا فاته الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان «اعتكف عشرا في شهر شوال» (متفق عليه).
والغاية من الاعتكاف في هذه العشر هو الاجتهاد في العبادة، وبذل الوسع في تحري ليلة القدر؛ عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: «التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان» (متفق عليه).
فينقطع المسلم في المسجد هذه الأيام عن كل الخلائق، مشتغلا بطاعة الخالق، وحبس نفسه على طاعته، وشغل لسانه بالدعاء والذكر وقراءة القرآن، ومناجاة الله عز وجل والتضرع إليه.
فعلى المسلم أن يحرص على إحياء هذه السنة ان تيسر له ذلك، ويدعو إليها غيره؛ لأنها أوشكت ان تكون بين الناس سنة مهجورة.
كما ينبغي أن يربي المسلم أهله على العناية بهذه الليالي الشريفة، وإظهار تعظيمها، والأخذ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم والاعتكاف فيها، ففي هذه الأيام «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله» (متفق عليه).