- ناريمان الصابوري قدمت نفسها للدراما الكويتية بشكل لافت
مفرح الشمري
الأعمال التراثية أو الحقبوية لها عشاقها، والقنوات تحرص على أن تكون مثل هذه الأعمال متوافرة على شاشاتها، خصوصا إذا نُفِّذت بالشكل الصحيح بجميع عناصرها المطلوبة (النص، الإخراج، التمثيل، الأزياء والإكسسوارات).
وفي الموسم الرمضاني الحالي هناك عدد من الأعمال التراثية تعرض هنا وهناك، ومن بينها مسلسل «بلاغ نهائي» من تأليف عبدالمحسن الروضان، وإخراج سلطان خسروه، والذي تدور أحداثه في منطقة العباسية خلال فترة سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
دراما مشوقة في حلقاتها التي تصوّر تفاصيل النهضة التي شهدتها الكويت في ذلك الوقت من خلال بعض القصص الاجتماعية التي تحمل الطابع البسيط لطبقات المجتمع «غني، متنفذ وفقير».
شخصيات المسلسل من جنسيات مختلفة، ويتكلمون بلهجات متعددة، منهم من يحرص على الالتزام بالقانون ويعيش باستقرار وأمان، ومنهم من يعيش بطرق غير مشروعة، ظاهرها الحاجة وباطنها خبث وحسد وغيرة ومصلحة واستغلال حتى لأقاربهم للوصول إلى ما يريدونه!
يجمع المسلسل نخبة من أبطال الدراما على مستوى الخليج، حيث تؤدي دور البطولة العراقية هند كامل التي تجسد شخصية «رقية المنتعز» مع أشقائها السعودي تركي اليوسف الذي يجسد شخصية «عبداللطيف المنتعز»، والكويتي عبدالعزيز الحداد في شخصية «خالد المنتعز»، بينما تجسد الفنانة سحر حسين شخصية «لطيفة المنتعز - زوجة خالد الأولى»، وسارة العنزي شخصية الصحافية عبير ناجي، وحسين الحداد دور «عبدالمحسن المنتعز»، وعلي السبع شخصية «ضاحي النطاخ» وهدى حمدان شخصية «العنود - زوجة خالد الثانية»، وناريمان الصابوري شخصية «نزهة»، ونور العبدالله شخصية «نيران»، وإبراهيم الشيخلي «ياسر السواق»، وياسة التي تلعب دور «منسية»، ومي عبدالله تؤدي شخصية «نجاة المنتعز»، وفيّ الشرقاوي شخصية «نوير»، وحسن إبراهيم يجسد شخصية «بودعيج» وأحمد الحليل «المخرج شاهين محمود»، وباسم الطيب يجسد شخصية «فوزى المقص» وطالب الشحري «أبومشلاع» صاحب البقالة وآخرين.
يعتبر نص عبدالمحسن الروضان من النصوص المميزة في الموسم الرمضاني الحالي، فعلى مستوى الأحداث نجد حقبة زمنية مليئة بالإنجازات والأشواك، كل من عاش خلالها يعرف مدى أهميتها في النهضة التي عاشتها الكويت لاحقا، لأنها كانت حقبة إنجازات، وشهدت تميزا للبلاد في جميع المجالات، فنيا وثقافيا وإعلاميا وحتى اقتصاديا وسياسيا، حقبة ولدت فيها بعض التيارات الفكرية والدينية والسياسية، وعرفت أهدافها، وهذا يتضح للمشاهد من خلال أحداث العمل التي تتصاعد بشكل لافت حتى يتعرف المشاهدون على مصير شخصيات المسلسل وطموحاتهم في الحياة.
الرؤية الإخراجية للمخرج سلطان أتت بطريقة سلسة ودون «فذلكة»، والورق الذي بين يديه ساعده كثيرا، إذ حمل بين طياته أحداثا ممتعة فيها تشويق وإثارة للمشاهد من خلال «كادراته» الجميلة و«حركة كاميرته» المدروسة بشكل صحيح.
هذا الإحساس من النادر أن يشعر به المشاهدون ما لم يكن أمامهم مخرج يمتلك رؤية وفنانون بارعون في التمثيل، خصوصا أن هذه النوعية من الأعمال تتطلب من صناعها قصة قوية تقدم من خلالها المتعة ومخرجا صاحب رؤية حقيقية لإثراء هذه القصة وتنفيذها بالشكل الصحيح البعيد عن «الشو» الذي نشاهده في بعض أعمالنا بما فيها التراثية أو الحقبوية!
الأحداث بطلها الفنان السعودي تركي اليوسف في «عبداللطيف المنتعز» الذي يعامل الناس بفوقية، لأنه صاحب نفوذ ويبحث عن مصلحته دائما حتى وإن كان الأمر يتعلق بأسرته، يتعلق قلبه بعاملة المنزل العراقية «نزهة» التي تجسد دورها ناريمان الصابوري والتي تعمل بمنزل شقيقته «رقية» (هند كامل) على الرغم من أنه يعلم أن ابن شقيقته «عبدالمحسن» يحبها، ولكن لأن «نزهة» تحب الحياة وتريد أن ترتاح من حياة الفقر الذي تعيشه توافق على الزواج من «عبداللطيف» سرا بعد أن سجّل بيت «العباسية» الذي كانت تسكنه بالإيجار باسمها، لتقرر طرد سكانه بمن فيهم شقيقتها «نيران» (نور العبدالله) التي تريد أن تصبح فنانة، وفي المقابل نجد «خالد المنتعز» (عبدالعزيز الحداد) يتزوج من «العنود» (هدى حمدان)، لتنجب له ولدا لأن ابنة عمه «لطيفة المنتعز» (سحر حسين) أنجبت له 3 بنات وهو بحاجة للولد، ليكتشف مع مرور الحلقات أن «العنود» عقيم ولا تستطيع الإنجاب فيطردها من البيت، ولكن لأنه يحبها لم يستطع البعد عنها فيقرر إعادتها، ولكن والدها «ضاحي النطاخ» يستغل الوضع ويطلب منه مساعدته للترشح إلى انتخابات مجلس الأمة.
خطوط المسلسل على الرغم من كثرتها وتشابكها، فإن المتلقي لا يشعر بالملل أثناء متابعتها، باستثناء «مشاهد بروفات المسرح» التي يسودها التطويل إلى حد قتل إيقاع بعض الحلقات.
يتميز هذا العمل بأزياء جميلة صممتها د.ابتسام الحمادي وكذلك يتميز بتعدد اللهجات فيه، والأجمل أنه تم إسناد الأدوار لممثلين من جنسيات تتكلم تلك اللهجات، وهذا أعطى المسلسل متعة عبر هذا الخليط من الممثلين الذين نقلوا أحاسيسهم وتعبيراتهم بكل عفوية وصدق للمشاهد ومن دون تكلف.
تمثيليا، لا يختلف اثنان على أن المشاركين في هذا العمل من الفنانين يمتلكون خبرات فنية طويلة، وهم يعتبرون إضافة كبيرة للعمل مثل الفنانة العراقية هند كامل، والسعودي تركي اليوسف، والفنان عبدالعزيز الحداد، والفنان علي السبع، والفنانة سحر حسين، بالإضافة إلى أداء الفنانة العراقية ناريمان الصابوري التي قدمت نفسها للدراما الكويتية بشكل لافت للنظر من خلال العفوية التي تقدمها لنا كمشاهدين، عبر مشاهدها خصوصا في مشاهد الحزن والحاجة، كما تتميز نور العبدالله في دور «نيران».
مسلسل «بلاغ نهائي» جهد جماعي ودراما اجتماعية حقبوية لكاتب شاب واعٍ لما يكتبه، يقوده مخرج متمكن من أداوته، وممثلون يعشقون التمثيل، وإنتاج ضخم لحقبة زمنية مهمة في تاريخ الكويت.