ياسر العيلة
الأعمال الدرامية التي تتناول العائلة تحتل النصيب الأكبر من الاهتمام والمتابعة الجماهيرية، لاسيما أنها تتميز بالطابع الشبابي لأبطالها بجانب النجوم الكبار، وتعالج الكثير من المشاكل الاجتماعية التي أصبحت جزءا من حياتنا اليومية، فالمشاهد الخليجي والعربي متعطش لمثل هذه النوعية من الأعمال التي تشبهه.
ومن المسلسلات التي تعرض حاليا خلال الشهر الفضيل «قرة عينك» لسيدة الشاشة الخليجية حياة الفهد التي تعود من خلاله للدراما الاجتماعية الكوميدية الحديثة، بعد سلسلة من الأعمال التراثية التي قدمتها على مدار الأعوام الثمانية، وآخرها «سنوات الجريش» الذي عرض رمضان الماضي.
و«قرة عينك» من تأليف الكاتب البحريني علي شمس، وإخراج سعود بوعبيد، وتدور أحداثه حول الممرضة «كلثم» التي تسجن ظلما 20 عاما نتيجة خطأ طبي ارتكبته زميلة لها في المستشفى أدى لوفاة امرأتين، ويصحو ضمير صاحبة الخطأ وتعترف بعد مرور كل هذه المدة بذنبها وتثبت براءة «كلثم» ويتم الإفراج عنها، لتبحث عن بناتها الأربع لكنها لا تجد منهن إلا الجحود والنكران، فتقيم في بيت صديقتها الشرطية التي كانت مسؤولة عنها في السجن، لكن الأحداث تنقلب رأسا على عقب بعد أن تحصل «كلثم» على تعويض مادي كبير بالملايين، الأمر الذي يجعلها مطمعا للكثيرين، ومنهم بناتها التي تعيش كل واحدة منهن في مشاكل لا حصر لها.
المسلسل بشكل عام دراما إنسانية بروح كوميدية أعادت للأذهان الأعمال الكوميدية التي قدمتها أم سوزان من قبل مثل «رقية وسبيكة» على سبيل المثال، وجاءت بداية العمل جيدة بنسبة كبيرة بالرغم من تعرضه لانتقادات كثيرة بسبب اقتباس بعض المشاهد من المسلسل الأميركي الشهير «Desperate House Wives»، وتحديدا في مشاهد النجمة شيماء علي مع أولادها والمشابهة لمشاهد جسدتها الممثلة «فيليستي هوفمان» في المسلسل الأميركي، وبعيدا عن هذا التشابه فإن بداية «قرة عينك» أدت الدور المطلوب منها على الوجه الأكمل، حيث تم خلال الحلقة الأولى التعريف بالشخصيات الرئيسية، وتوضيح حياة كل بنت من بنات «كلثم» الأربع والمشاكل التي تعانيها.
حرص العمل على توصيل رسائل هادفة، وناقش قضايا مهمة، في إطار من الدراما العائلية التي تخلو من المشاهد غير المناسبة للأطفال، وتراعي القيم الأسرية بعيدا عن الإسفاف والابتذال، ويسلط الضوء على الكثير من القضايا التي تهم الأبناء بشكل عام والمراهقين بشكل خاص، حيث ناقش العمل موضوع التلقيح الصناعي بشكل مباشر لم نعتده في الدراما الخليجية، بالإضافة لتطرقه إلى بعض الناس الذين يتم سجنهم ظلما لفترات طويلة، وبعدها يتم اكتشاف أنهم غير مذنبين في التهم التي نسبت إليهم.
ويتناول العمل الكثير من القضايا التي تلامس المجتمع بشكل مباشر وبشفافية كبيرة، بالرغم من وجود بعض المبالغات التي منها أننا لم نشاهد أطفال بهذه «الشطانة» التي نراها مع أطفال فاطمة (شيماء علي) ومحسن (سعود بوشهري)، وأيضا الجرأة في تعامل فاخرة (شيماء سليمان) مع ابنتها أميرة (الغالية) والسماح لها ورغم أنها في هذا العمر بالتحدث عن الحب ومساعدتها على الزواج من نوح (حسين الحداد).
أداء الممثلين
النجمة حياة الفهد وبالرغم من ظهورها القليل نوعا ما في الحلقات وكعادتها في كل أعمالها قادرة على الإمساك بخيوط الشخصية التي تمثلها وإبراز تفاصيلها وبلورة جوانبها الإنسانية، وتابعنا ذلك في مشاهد كثيرة نعتبرها «ماستر سين»، خاصة ان شخصية «كلثم» في مجملها ذات طابع «كاريكاتوري» بعض الشيء، إلا ان تجسيد أم سوزان لها أكسبها قدرا كبيرا من المصداقية.
أما النجمة شيماء علي فهي «فاكهة العمل» بقدراتها التمثيلية الهائلة لفنانة تتمكن من التسلل إلى قلوب المشاهدين بمهارة وبساطة وعفوية شديدة، وقد شكلت «دويتو» مميزا مع الفنان سعود بوشهري، الذي يرتفع أداؤه من عمل إلى آخر بشكل ملحوظ، ومعهم الأطفال الثلاثة الذين أعتبرهم من نجوم العمل، كما تألق الفنان محمد الدوسري وتقمص شخصية «أنور» ببراعة تؤكد على نضج موهبته، ونجح في تجسيد الشخصية بشكل لافت، وقدم مع الفنانة بثينة الرئيسي التي تجسد دور «فايزة» أداء عالي المستوى في التمثيل التلقائي.
ونجح الفنان الشاب عبدالرحمن الفهد في دور «حمد» والفنانة الشابة ريان دشتي بشخصية «فجر» في تقديم أداء مميز وينتظرهما مستقبل كبير، وقدمت الفنانة السعودية ريم عبدالله ـ التي تلتقي للمرة الأولى مع النجمة حياة الفهد كما أنها تشارك للمرة الأولى في عمل خليجي ـ شخصية «فائقة» الأرملة التي توفي زوجها في حادث وتسعى لإنجاب طفل منه عن طريق «الحقن المجهري» بمساعدة جوهر (عبدالعزيز النصار)، حيث جسدت الشخصية بأداء متفاوت نوعا ما، فبدايتها كانت عادية لكن مع تصاعد الأحداث تصاعد أداؤها التمثيلي بشكل كبير وشكلت مع النجم عبدالعزيز النصار «دويتو» رائعا، فالنصار كعادته نجم كوميديا بلا منازع ويمتعنا «بقطاته» وأدائه السلس.
ويتميز الأداء الكوميدي لأكثر نجوم العمل بشكل لافت، ومنهم النجمة حصة النبهان، التي تقدم شخصية «هند» بطريقة جميلة وتلقائية، أما أصغر بنات «كلثم» فكانت «فاخرة» التي تجسدها الفنانة شيماء سليمان والتي تقدم دورا جديدا ومختلفا، وتألقت في المشاهد التي جمعتها مع زوجها نوح (الفنان الموهوب حسن الحداد) وابنتها اميرة (الفنانة الشابة الموهوبة الغالية)، ولا يمكن ان ننسى الأداء الجميل من صناع الابتسامة في العمل وعلى رأسهم النجمة سعاد علي والفنان بشير الغنيم والفنانة وجنات رهبيني، بالإضافة للأداء الاستثنائي للنجم الكبير محمد جابر (العيدروسي).
وبالطبع وراء هذا الأداء المميز لنجوم العمل المخرج الشاب سعود بوعبيد في أول تعاون يجمعه مع أم سوزان، حيث قدم بوعبيد من خلال العمل صورة مبهجة تتناسب مع الحالة العامة للمسلسل، وتمكن من ضبط إيقاع الأحداث التي جاءت متسارعة ولم نشعر بالرتابة والملل. وفي النهاية يمكن القول إن مسلسل «قرة عينك» عمل درامي، مسلٍّ، مبهج، وفي أغلب أحداثه لامس الواقع بشكل كوميدي.