من المعلوم ان المقصود الأعظم والحكمة الأظهر من إنزال القرآن هو تدبر ما جاء فيه والتفكر بمعانيه قال تعالى: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب - ص: 29)، والتدبر له طرق ووسائل، وأسباب ومناهج من اخذ بها وفق للتدبر وكان لقراءته عظيم الأثر في نفسه، واهتدى الى الخير والصواب، ولهذا ذم الله غير المتدبرين فقال: (أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين - المؤمنون: 68).
ومن أعظم ما يعين على التدبر تكرار الآية وترديدها، ففي التكرار إزالة للصدأ الكامن على القلوب، وفي التكرار تقرير للمعاني في النفوس، وفيه سبيل وطريق سكينة القلوب.
وأسلوب التكرار استعمله النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بآية يرددها حتى اصبح وهي قوله تعالى: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم). رواه النسائي.
وهذه الآية كما هو معلوم هي في اواخر سورة المائدة فليس بعدها إلا آيتين ثم تختم السورة، مما يدل على ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن همه هو إنهاء السورة والفراغ منها بقدر ما كان همه الأول هو التدبر والتفكر.
وجاء عن بعض السلف انه قال: إني لأفتتح السورة فيوقفني بعض ما أشهد فيها عن الفراغ منها، حتى يطلع الفجر، وعن الحسن انه ردد في ليلة حتى اصبح قول الله تعالى: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم).