- المذكور: الهدية واجب شرعي ومحرمة على القاضي وصاحب المصلحة
- الشويت: الهدايا بمنزلة رمز لكل ما هو جميل وتقرب القلوب والنفوس
- السويلم: تعد جناية إذا كانت مقابل القيام بعمل مخالف للقانون
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تهادوا تحابوا» فمن أدب الإسلام الرفيع أن يتبادل الناس الهدايا من باب المحبة والمودة وغرس التآخي والتسامح بين الناس. ولكن هناك من يمنح الهدية للقاضي أو لشخص له عنده مصلحة ومنفعة، فماذا يقول العلماء في ذلك؟ وما الأثر النفسي للهدية كما يراه علماء النفس؟ وهل هناك قانون يحرم بعض انواع الهدايا التي يمكن أن تؤثر على قرار متلقي الهدية؟
حول الفرق بين الهدية والرشوة يقول د. خالد المذكور: قبول الهدية واجب شرعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من دعي فليجب» وهي تعبير عن الود والسخاء، يزال بها التباغض ويزاد بها التسامح والتماسك والمحبة، وقد ذكرت الهدية بأكثر من لفظ في القرآن الكريم بلفظ «هدينا» و«هدية» و«وهبنا»، و«قربانا» إلخ. وهي عادة طيبة وقد أهدى الله عز وجل (ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا). أما الرشوة فهي المال الذي يقدم لمن بيده الأمر للحصول على حق يترتب عليه ضياع أو تأثر حقوق الآخرين وهي تعطيل لتحقيق العدل بين الناس.
والفقهاء فرقوا بين هدية المواطن للحاكم أو القاضي وهدايا الناس بعضهم لبعض، فالهدية للقاضي أو الحاكم محرمة شرعا، وذلك وارد في الحديث الصحيح عن الصحابي الذي ولاه النبي صلى الله عليه وسلم إمارة البحرين فعاد ومعه أشياء غير أموال الزكاة فسئل عنها فقال: هذه أهديت إلى فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ما بال أحدكم إذا ولي أمرا قال هذه لكم وهذه أهديت لي، ألا جلس أحدكم في بيت أبيه وأمه فنظر أيهدى اليه...» وقال المفسرون في قوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) أوردوا في هذا تفسيرا لعلي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - وما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن الهدية الى القاضي أو الحاكم نوع من أنواع الرشوة، وذكر عن علي رضي الله عنه انه قال في هذا حديثا مرفوعا للنبي صلى الله عليه وسلم «الهدية إلى الحاكم فسق وإلى القاضي كفر» وبهذا النص تكون إذن بين فسق أي خروج عن مبادئ الإسلام وكفر، أي عدم اعتراف بعدالة الله وحربه لها لأن الرشوة وما تؤدي اليه من تأثر القاضي في حكمه حرب لما جاءت من أجله جميع رسالات السماء، فالرشوة قد تكون بقصد الحصول على حق الغير عن طريق الحاكم أو المسؤول أما الهدية فتكون لما بين الناس من صداقة ومحبة.
وحول إهداء المسؤولين، بين د.المذكور، انه إذا كان صاحب الهدية يقصد التأثير على الحاكم في حكمه والقاضي في قضائه ليحصل على حق يتأثر به غيره فهي رشوة بكل المقاييس، أما إذا كان بقصد صداقة او غيرها كأن يكون زميلا له أو قريبا وليس بقصد الحصول على فائدة من اختصاصاته فتلك هدية، لكن إذا قبل المسؤول الهدايا وما شابه، فليست له والأصل لا يقبلها وأكد د. المذكور ان الرشوة جريمة يشترك فيها ثلاثة: الراشي والمرتشي والرائش «الوسيط» بينهما، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما إذن الرشوة من الكبائر وهي من اعظم المحرمات عند الله.
أثر الهدية
وحول الاثر النفسي للهدية، يقول د.صالح الشويت: ان الاعتراف بالجميل من اسمى معاني الانسانية، وهو تعبير رومانسي عن الذوق والاخلاص والمشاعر النبيلة، وكذلك هو رد الفعل الذي يعكس الشعور بالفرحة والامتنان والشكر على فعل الكرم، والواجب الاخلاقي الانساني الذي حصل عليه الانسان من الآخر، مبينا ان اسس العلاقات الاجتماعية تشمل الكثير من التعاملات بالأخذ والعطاء لاستمرار التواصل بين بني البشر، فإن المجاملات الطيبة هي شيء ضروري نمارسها أخذا وردا في صورة الهدايا مع تبادل المشاعر الطيبة والتهاني في مختلف المناسبات السارة وايضا الاليمة.
واكد ان الهدايا بمنزلة رمز لكل ما هو جميل، وهي اما معنوية واما مادية عينية واما ثمينة ذات قيمة مالية عالية، واما مجرد رمز له مغزى معنوي رقيق، وتعبر عن المواقف والمناسبة التي جعلت من اجله، فحياة الانسان كلها عبارة عن فعل ورد فعل، وكذلك عبارة عن مجاملة ورد مجاملة في صور شتى ومناسبات متنوعة.
واكد د.الشويت ان الهدية التي تقدم هدفها التقارب والمحبة، اما اذا كان هدفها النفاق والفوز بمزايا هي من حق الآخرين فهي تعتبر رشوة، وهذا الفرق يعتمد على حسن او سوء النية من وراء تقديمها، ولذلك على متلقي الهدية ان يتقصى اسبابها قبل ان يقبلها، فإن كان الهدف نبيلا قبلها اما اذا كان غير ذلك وجب رفضها، ولذلك فإن القانون في كل دول العالم يهتم بتجريم وتحريم بعض انواع الهدايا التي يمكن ان تؤثر في قرار متلقي الهدية اذا كان صاحب قرار في مجال تخصصه، كما يحدد القانون ايضا اشخاصا يجب ألا يقبلوا اي هدية بحكم ممارسة عملهم، بل يحدد قيمة الهدايا التي يمكن للبعض تقبلها او تقديمها.
جريمة رشوة
من جانبه، اوضح المحامي منصور السويلم حكم القانون في الرشوة المقدمة على انها هدية، فقال: قام المشرع الجزائي بحماية الوظيفة العامة من ان تكون مطية للاتجار او الاستغلال ممن تقلدها، فعاقب المشرع كل موظف عام طلب منفعة مادية او غير مادية، لقاء القيام بعمل او الامتناع عن عمل يدخل في اختصاص وظيفته، فجريمة الرشوة تنهض بمجرد طلب الموظف او قبوله لعرض الرشوة من الراشي (صاحب الحاجة) لقاء القيام بعمل يدخل في اختصاصه الوظيفي فعلا او يدخل بناء على زعم منه كذبا مفاد المادة 35 من القانون رقم 30/70.
واضاف: فإذا تحقق الركن المفترض للجريمة، وهو صفة الموظف العام أيا كان مسماه (قاضي، شرطي، مندوب، خبير...) وفقا لمفهوم القانون الاداري او المكلف بخدمة عامة ـ اي شخص منتدب من جهة حكومية للقيام بعمل معين ـ وكان العمل محل طلب الفائدة يدخل في اختصاصه الوظيفي، فإن ذلك يكفي لتوافر اركان جريمة الرشوة المعاقب عليها بالسجن عشرة سنوات والغرامة النسبية بما لا يتجاوز ضعف ما تلقاه الراشي او وعد به.
وزاد: وامعانا من المشرع الجزائي في حماية الوظيفة العامة، فإنه عاقب على المكافأة اللاحقة او ما يسمى «الهدية»، وذلك في حال قبول الموظف للهدية من صاحب الحاجة، بعد قيامه بالعمل الملزم به اصلا بحكم اختصاصه الوظيفي، ولكن لا يكون هناك اتفاق سابق (عرض او طلب) بين الطرفين لأنه سيدخلنا في دائرة جريمتي الرشوة وعرض الرشوة.
وتابع السويلم: وتتحقق جريمة المكافأة اللاحقة (الهدية) اذا اعتقد الموظف ان الهدية جزاء على قيامه بعمله الوظيفي لمصلحة صاحب الهدية حتى لو كان العمل متوافقا مع القانون، والحكمة من التجريم حتى لا تكون الوظيفة بابا للاتجار والاسترزاق، وتعد الجريمة جنحة عقوبتها لا تتجاوز 3 سنوات مفاد المادة 118 من قانون الجزاء رقم 16/60، اما اذا كانت المكافأة لقاء قيامه بعمل فيه مخالفة للقانون كأن يخالف الموظف اللوائح الادارية، فإذا تلقى مكافأة لاحقة (هدية) لقاء ذلك، فإن فعله يعد جناية يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز 5 سنوات مفاد المادة 36 من القانون رقم 30/70، وتكمن الصعوبة في اثبات جريمة المكافأة اللاحقة او الهدية في أنها لا تحمل دلائل مادية كجريمة الرشوة التي يكون فيها نشاط مادي يتمثل في الطلب او الوعد او العرض، بينما في المكافأة اللاحقة نحتاج لاثبات القصد الجنائي وهو امر كامن في النفس ويتمثل في ان الهدية كانت مقابلا لانجاز المعاملة واستخدام اختصاصه الوظيفي وليست بداعي المجاملة، ولكن اذا كان الموظف من ذوي الاختصاص الوظيفي الحساس فمثل هذه المكافآت تثير الريبة والشكوك وان لم تكن كافية لقيام جريمة المكافأة اللاحقة الا انها قد تعد مخالفة تأديبية يحاسب عليها وظيفيا، ونأمل ان يصدر قرار يمنع الموظفين من وضع شهادات تقدير مقدمة لهم من اصحاب الحاجات في مكاتبهم الحكومية حتى لا يعتقد المراجعون لمكاتبهم اعتقادا يمس كرامة ونزاهة الوظيفة العامة.