انعقد مجلس العلاقات العربية والدولية في دورة مجلس الأمناء العاشرة في الأردن بتاريخ 17 و18 مايو 2023 لمناقشة الأوضاع العربية الراهنة والتطورات السياسية المتسارعة والمتلاحقة في العالم والمنطقة التي شهدت استهدافا عدوانيا مخططا ومدروسا لتفكيك العالم العربي وشرذمته بما قد يتجاوز الجرائم الاستعمارية على منطقتنا العربية، وبما يهدد دوله الوطنية ويستهدف سيادتها وسلامة أراضيها ووحدة شعوبها لاسيما ما يحدث الآن في سورية والعراق ولبنان واليمن والسودان وليبيا وتونس، وكل ذلك في ظل غياب موقف رسمي عربي يتعامل مع هذه التهديدات، وكذلك اهمية بناء وعي شعبي ومؤسساتي يدرك ما يحاك ويدبر وينفذ من تقطيع أوصال الأمة وشرذمة كياناتها السياسية. ليكون هذا الوعي السند الاساسي لموقف عربي قوي قادر على الدفاع عن المصالح العربية المشتركة.
ودعا المجلس إلى مواجهة كل ذلك من خلال استراتيجية عربية موحدة تتصدى وبشكل يتجاوز النهج التقليدي إلى معالجة عصرية وعلمية حكيمة وكفوءة تقوم على بناء مؤسساتي للعمل العربي المشترك أخذا بالاعتبار وبالأساس البناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدول العربية الوطنية على قاعدة المواطنة والمساواة والعدالة والحركة نحو الديموقراطية، وبما يحفظ النسيج الاجتماعي فيها، وفي هذا الصدد يمكن ايراد المعطيات والاعتبارات التالية:
-الترحيب بالانفراجة في العلاقة السعودية ـ الايرانية وبالانفتاح في العلاقات الإقليمية وما يؤمل من تأثيره الايجابي على مجمل الأوضاع في المنطقة ويضع حدا واضحا وصريحا ودائما لأي تدخلات سلبية في الشؤون العربية أو في استباحتها سيادة الدول العربية.
-الترحيب بعودة سوريا للعمل العربي المشترك في اطار حل سياسي مدروس ومتدرج وشامل (طبقا لبيان عمان المؤرخ في 1 مايو 2023)، بما يحقق معالجة شاملة للازمة السياسية في سوريا ويكفل المشاركة السياسية لجميع ابناء الشعب السوري والعودة الآمنة لجميع المهجرين إلى مدنهم وقراهم والكشف عن الضحايا والمفقودين وتعويض المتضررين.
-ضرورة التصدي بحزم وطبقا للقرارات الدولية للممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتأكيد المسار الذي أقرته المبادرة العربية للسلام في قمة بيروت عام 2002 وربطه بمسار استعادة الشعب الفلسطيني لكامل حقوقه المشروعه وانهاء الاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية المحتلة، كما يستنكر المجلس كافة التسويات والمشاريع الرامية لإضفاء الشرعية على الجرائم العنصرية لسياسة الأبارتايد الأسرائيلية الهادفة إلى تمكين النظام اليميني المتطرف في أسرائيل من القضاء على حل الدولتين وعلى حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. كذلك يؤيد المجلس الجهود الفلسطينية لطرح الممارسات الاسرائيلية المخالفة للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقراراتها على المحاكم الدولية تأكيدا لعدم مشروعيتها.
وإذ يحيي المجلس انعقاد القمة العربية في الرياض يدعوها إلى العمل على تجاوز الخلافات الثنائية والعمل على تحقيق صلابة ومتانة منظومة العمل العربي المشترك وتمكينها من التصدي للأزمات التي تعصف بكثير من البلدان العربية وتهدد بتقسيمها وتفتيتها مما يتيح للقوى الأجنبية والاقليمية السيطرة على العالم العربي ونهب ثرواته، كما يجب لتحقيق هذا الهدف التصدي وبوضوح لقوى ولعوامل التدخل والتخريب والمغامرات والتي تحركها أهداف ومطامع سوف تنعكس دمارا شاملا لن يكون أحد في منأى عنه.
يرى المجلس ان التحديات الآنية والمستقبلية والمسكوت عنها الآن أما ضعفا وقلة حيلة وأما جهلا وقلة تدبير، لن تكون أقل كارثية مما سبق أن عانت منه المنطقة والشعوب العربية ويأتي على رأس ذلك غياب الرؤية العميقة للأخطار
التي تهدد اعتبارات الأمن القومي العربي الاستراتيجي الشامل وعلى رأسها تنافس القوى الكبرى على السيطرة والهيمنة السياسية والاقتصادية والعسكرية على العالم وبروز التكتلات والكيانات والدول الطامحة لزعامة العالم مع استمرار محاولات السيطرة على الموارد الطبيعية التي تزخر بها منطقتنا ودولنا العربية والتي تؤهلها لتكون ساحة الصراع والنزال في العقود القريبة القادمة.
يحذر مجلس العلاقات العربية والدولية بشدة من تسارع وتنامي أخطار وجودية لم يضعها صانع القرار العربي في حسابه الجاد والبعيد المدى كالأمن المائي والغذائي فضلا عن الأمن السيبراني والذي لا تمتلك مؤسساتنا المختصة الا القدر اليسير منه كما لا يصح أن تتخلف المنطقة العربية عن ضمان الحد الأدنى من الأمن الاستراتيجي في ظل تسابق الدول الاقليمية المحيطة على اقتناء القدرات النووية العلمية والعسكرية مما يخل بشدة بالتوازن العسكري والأمني، وخاصة في ظل سياسات وممارسات ازدواجية المعايير.
يدين المجلس بصفة خاصة ما يجري في السودان من مواجهات تهدد وحدة البلاد وسلامة أراضيها وحقوق شعبها، وتدعو الى دعم كافة الجهود الدولية والافريقية والعربية للاحاطة بالاثار الخطيرة التي تهدد السودان.
ويدعو المجلس السودان دولة وشعبا للاستعداد للعودة السريعة والناجزة الى الحكم المدني طبقا للاتفاقيات المعقودة في هذا الشأن من أطراف المعادلة السودانية.
إن بيان المجلس هذا ما هو الا تعبير صارخ عن فداحة الأخطار وعمق التحديات وعظم المسؤوليات وضخامة حجم العمل المطلوب بالتوازي مع التسارع الهائل والخطير للتطورات والتحولات الدولية والاقليمية وشمولياتها مقابل البطء او حتى اللا فعل العربي غير المفهوم. ويطالب بتعبئة الجهود العربية بالتحالف مع الدول الصديقة والمتصالحة والملتزمة بمبادئ القانون الدولي وميثاق وقرارات الأمم المتحدة التي توقف تدهور الأمور عالميا واقليميا.