بيروت - ناصر زيدان
لاحظت الأوساط السياسية والديبلوماسية باستغراب غياب وزير الدفاع موريس سليم عن احتفالات الذكرى 78 لتأسيس الجيش اللبناني، والذي يصادف في الأول من أغسطس، بينما حظي الجيش وقيادته على تعاطف واسع من النواب ومن الهيئات المحلية كالبلديات والمخاتير والجمعيات والأندية على اختلافها، من خلال اليافطات التي رفعت في المدن والقرى تأييدا له وتهنئة لضباطه ولرتبائه وأفراده الذين يبذلون جهودا جبارة في الحفاظ على الأمن، وسط صعوبات لم يسبق أن عاشها هؤلاء وعائلاتهم من قبل بسبب تدني قيمة رواتبهم بالليرة اللبنانية.
وفي أكثر مرحلة يحتاج فيها الجيش للعضد والمساندة، لوحظ انكفاء وزير الدفاع عن مواكبة الخطوات الجبارة للجيش، لاسيما في الجنوب وفي محيط مخيم عين الحلوة جنوب صيدا، وفي المناطق التي شهدت بعض التوترات الأمنية الحساسة، لاسيما في قمة القرنة السوداء بين بشري وبقاعصفرين في الشمال، وفي محيط مدينة بعلبك.
يقول مقربون من وزير الدفاع، إن الأخير لديه ملاحظات عديدة على طريقة صرف المساعدات العينية والمالية التي يحصل عليها الجيش، كما أن بعض النفقات دفعت مقابل خدمات لوجستية او لشراء لوازم ضرورية لم تحصل بالطريقة القانونية المعتمدة، وقد أحال الوزير هذه المخالفات على ديوان المحاسبة كما قال مقربون منه، استنادا الى مواد وردت في قانون المحاسبة العمومية.
أما الوقائع التي توردها أوساط سياسية متابعة للملف، فهي تنفي كل هذه الاتهامات، وترى أن الوزير يعرقل عن قصد، وربما بإيعاز من مرجعيته السياسية، كل أعمال وجهود قائد الجيش العماد جوزف عون، بعد أن تأكد لهذه المرجعية أن عون يحظى بتأييد واسع من عدد كبير من القوى السياسية والنواب، وله سمعته الداخلية والخارجية التي تدفع به ليكون المرشح الأوفر حظا لتولي منصب رئاسة الجمهورية الشاغر منذ أكثر من 10 أشهر. ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل يبذل جهودا حثيثة لدى حلفائه ومع قوى خارجية، لكي لا يحصل توافق على عون لتولي الموقع، ومن المعروف أن الوزير موريس سليم مقرب جدا من النائب باسيل.
والوزير سليم لم يكتف بالانكفاء عن المشاركة في عيد الجيش، خصوصا في عدم حضوره لمعرض «إرادة الصمود» برغم حضور رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وعدد من الوزراء، بل أنه يعرقل أهم القرارات التي يجب أن تتخذ لتصريف الأعمال الضرورية في المؤسسة، ومنها رفضه لتعيين رئيس أركان للجيش وباقي أعضاء المجلس العسكري، حيث لا يجوز إحداث فراغ في هذه المواقع، نظرا لأهميتها المتقدمة في هذه اللحظة السياسية والأمنية الخطيرة من تاريخ الوطن، ولأن عدم وجود رئيس أركان يهدد الانتظام العام في الجيش، لأنه مسؤول عن كافة الملفات الإدارية، ولا يمكن أن ينوب عنه أي من ضباط القيادة، وهو الوحيد القادر على الحلول مكان قائد الجيش في حال غيابه لأي سبب كان. ومجلس الوزراء الذي يصرف أعمال الدولة ينتظر اقتراح وزير الدفاع للقيام بواجب التعيين كما ينص عليه القانون.
وتتابع هذه الأوساط سردها للأحداث التي رافقت المرحلة الماضية، وتقول: إن البطريرك بشارة الراعي بذل جهدا للتقريب بين وزير الدفاع وقائد الجيش، ومثله كثيرين، وقد تمت تسوية بعض الملفات العالقة بينهما، ولكن موقف الوزير الأخير فاجأ هذه الأوسط، خصوصا أن امتناعه عن القيام بواجباته في تصريف الأعمال الوطنية الملحة يهدد مستقبل الوطن وأمنه. ولا تكف مبرراته حول تلقي الهبات وصرفها مباشرة من قبل قيادة الجيش للاعتداد بموقفه التعطيلي، فقد سبق للرئيس فؤاد شهاب أن قام بمثل هذه التدابير عندما كان قائدا للجيش إبان أحداث العام 1958، علما أن المساعدات التي تصل الى الجيش اليوم تصرف بإشراف بعثة الأمم المتحدة وطواقم سفارات الدول المانحة في بيروت.