[email protected]
ما يعانيه وطننا من مواجع، في تراجع في التنمية وتأخر بالازدهار لم يكن مجرد حظ عاثر لدولة غنية ثرية لديها ملاءة مالية نفطية تكفيها لأن تتفوق على مثيلاتها من الدول، فما نعيشه من واقع تنموي لا يرقى إلى الطموح يجعلنا نعيد إلى الواجهة قضية الشهادات المزورة والوهمية التي باتت شبحا مخيفا يتربص بمجتمعنا، ويغري المزيد من الناس على مثل هذه الممارسات.
قضية تزوير الشهادات أخذت في الفترة الأخيرة منحنى «مائعا»، فبعد افتضاحها محليا وإقليميا ودوليا، وبعد أن شوهت سمعتنا في الآفاق مدللة على هشاشة أسوارنا الأكاديمية، أصبحنا نشعر بأن القضية وئدت ودفنت، لا نعلم، من المسؤولون عن دفنها و«طمطمتها» ولا الخائفون من إشهارها؟ ولا ندري هل أسدل الستار على القضية لمنع المزيد من الاكتشافات والمفاجآت الصادمة بحكم أن ما ظهر أخف وأهون وما خفي أجل وأعظم؟
وهل جعلوا أحد الوافدين هو كبش الفداء؟ أم انه مجرد فرد واحد من منظومة «مهندسي تزوير الشهادات»؟ وأين هم المتواطئون في تزوير الشهادات من موظفي سفارتنا في إحدى الدول العربية؟
ثم أين وصلت مطالبة الأخ النائب د. حمد المطر بنبش المدفون وفتح ملفات الشهادات منذ ثمانينيات القرن الماضي؟
لا ينكر أي شريف أن تزوير الشهادات الجامعية والبكالوريوس والدكتوراه جريمة نكراء متكاملة الأركان، تجري بحرفية عالية بطرق قذرة ومعقدة نالت من سمعة جامعات عريقة وأخرى كرتونية، واخترقت حصونها ومصداقيتها، وبدلا من أن تكون شهاداتها الجامعية نتاج عقول دأبت على الجد والاجتهاد، أصبحت سلعة يشتريها أشخاص مزيفون فيصبحون بها أطباء وحكماء ومستشارين ووكلاء ومهندسين، يتقنعون بقناع شهادات مزورة لتغطي على سوءات جهلهم وكسلهم.
انظر إلى بنيتنا التحتية لترى العجب وإلى المستشفيات لترى الأعجب، فهناك مهندسون مزيفون يديرون تنمية البلاد ويخططون جسورها وأنفاقها وطرقها، بل الأدهى والأمر أن هناك أطباء وممرضين «فالصو» نسلمهم أجسامنا فيفتكون بها بجهلهم المقنع، ومن ثم يصيرون البشر إلى القبور تحت توصيف قانوني ركيك هو «الأخطاء الطبية»، بل، كيف تسلل معلمون مزورون لمدارسنا واخترقوا جامعاتنا ليعلموا أبناءنا وهم مجرد أبدان خاوية من العلم والأخلاق؟
التزوير ليس «وطنيا» فقط، بل هناك مقيمون اخترقوا ديوان الخدمة المدنية بشهادات ورقية، ألم تكشف التحقيقات عن أطباء وممرضين من جنسية آسيوية زوروا شهاداتهم وتمكنوا من الوصول إلى أجساد مرضانا؟ فمتى سنقوم من سباتنا ونحمي شعبنا؟
على حكومتنا الرشيدة وعلى مجلسنا الذي نتوسم في أعضائه الخير، إعادة فتح هذا الملف وفق خطة حصيفة يشرف عليها أكاديميون محليون ودوليون مرموقون، فتزوير الشهادات قضية أمن وطني، تمييعها مهزلة، وإعادتها للواجهة شجاعة، فمستقبل الدولة على المحك وسمعتها تحت المجهر، لا ننكر أن علاج هذا السرطان الفتاك بالكويت يستدعي مسارات متشعبة، وقد يترتب عليه فضائح من العيار الثقيل.. لكن التضحية بالمزورين وفضحهم وجعلهم عبرة لأجيالنا إنما هو أقل ضررا بكثير من التضحية بالوطن ووضعه على سكة التدمير.
يا نواب الأمة، ننتظر شجاعتكم لقطع رأس هذا الوحش الضاري الذي يتربص بما تبقى من أركان دولتنا، واستئصال هذا السرطان من جسد الأمة ومن ثقافة المجتمع، فالشق عود، وكرة الثلج تتعاظم.
واعلموا يا ممثلي الشعب الكويتي أن أي حل جذري لا يتضمن الإفصاح عن الشهادات الوهمية والمزورة وأعدادها وأسماء الحاصلين عليها سيكون أقل من نصف حلول، وسيكون أمرا مغريا لضعاف النفوس على فصول جديدة ومثيرة من التزوير والتلاعب على الحكومة والحصول على شهادات كرتونية لا قيمة علمية لها، وإنما الهدف منها تحقيق امتيازات مالية ومناصب فاشلة.
كلمة أخيرة: أوجهها ناصحا لكل من تمت ترقيته أو توظيفه بشهادات مزورة أو وهمية، حاسب نفسك قبل أن يحاسبك الله، وقم بإصلاح ما أفسدته بافترائك على المال العام، قبل أن يفضحك الله، واعلم أن ما تتقاضاه من علاوات ومميزات، إنما هو سحت وأكل للمال بالباطل، تضعه في بطنك وتطعمه لأهلك وأولادك.. فتب إلى الله قبل أن تأتي ساعة الندم.. ولات ساعة مندم.