[email protected]
إن مفاهيم السعادة عند الناس مختلفة، وكل منهم يراها بالطريقة أو بالأسلوب الذي يناسب أهواءه وطموحاته. ولو دققنا في تصرفات البعض لشعرنا بالدهشة وربما بالصدمة، فبالرغم من امتلاكهم لكل شيء من صحة ومال وأولاد، إلا أنهم يصنفون أنفسهم غير سعداء وغير راضين عن حياتهم، سبحان الله!
وهناك أشخاص وظائفهم ومراكزهم وشهادتهم العلمية جيدة وتراهم ينظرون لمن هو أقل منهم ويحسدونه على حياته أو محبة الناس له، فهذه السلوكيات والأمزجة التي يكتسبها البعض أو ينشأ ويتربى عليها تجعلهم يعيشون في تشويش وقلق وضيق، متناسين وغير مكترثين لما أنعم الله به عليهم من نعم، والأمر الأصعب والأدهى هو ما يقع فيه الكثيرون بالنظر لمن هو أغنى منهم في المال أو الجاه والأملاك، ومنهم من يظل طوال حياته في حالة أنه يتمنى أن يصل إلى هذا المستوى وهذه المكانة.
وهناك من لا يقفون عند التمني، ولكن يقدمون على المغامرة والمخاطرة، فيقوم مثلا بشراء سيارة فارهة سعرها مرتفع جدا فوق طاقته ويحمل نفسه الأقساط لسنوات عدة ولا يتبقى من راتبه إلا الشيء القليل الذي لا يفي بحوائجه ومتطلباته، فيقصر في حق نفسه وفي أهله، ويشعر بأنه غير سعيد، لأنه لبس ثوبا ليس بثوبه. وهناك من يقوم ببناء منزله بتكاليف باهظة ويحمل نفسه وأفراد عائلته الديون الضخمة، ويبقى أسيرا للبنوك طوال حياته، لأنه بالغ كثيرا في البنيان مقلدا لغيره وهو يعي ويعرف تماما أنه غير قادر على هذا الشيء.
إن الله سبحانه وتعالى عندما خلق الخلق بمختلف كائناته وبكافة تفاصيله خلق معه الحكمة التي شملت الكواكب والحيوان والسموات والأرض والنبات والإنسان والحياة والموت والصحة والمرض والقضاء والقدر، فالشخص العاقل والمدرك للأمور يرضى بما كتب الله له ويقنع بما أعطاه وميزه عن غيره سواء بالكثير أو القليل.
القناعة هي تلك الصفة والعامل الأساسي في استيعابنا للأوضاع وعدم القفز على الواقع، فمن قنع بما كتب الله له عاش سعيدا وراضيا طوال حياته، وهذا ليس معناه ألا نطمح أو نسعى أو نحسن من أوضاعنا، بل نعمل ونجتهد ولكن لا نحمل النفس فوق طاقتها، حتى لا نشعر بأننا غير سعداء وبائسين، والحزن أصبح مصاحبا وملازما لنا، فالقناعة هي الأساس وهي التي تجلب لك السعادة وتجعلك متصالحا مع نفسك ومع من هم حولك.