بيروت - ناصر زيدان
نجح حزب القوات اللبنانية في إطلاق ربيع تنظيمي واعد، من خلال الانتخابات الداخلية التي أنجزها في 29 أكتوبر المنصرم، وأسفرت عن وصول 11 عضو في اللجنة التنفيذية، إضافة الى التجديد بالتزكية للرئيس د.سمير جعجع ولنائب الرئيس النائب جورج عدوان. والقيادة الجديدة بغالبيتها من الصقور الذين عايشوا زمن المواجهة الخشنة. وقد شهدت العملية الانتخابية اقبالا كبيرا، وشارك بالاقتراع ما يزيد على 18 ألف ناشط في لبنان ومن بلاد الاغتراب، من خلال مراكز «الميغاسنتر» المنتشرة في المناطق، وبواسطة التصويت الالكتروني، وهي تجربة ممتازة يمكن الاعتداد بها في أي انتخابات مشابهة، توفيرا على الناخبين مشقة الانتقال الى مراكز الاقتراع.
وربيع القوات اللبنانية كان واضحا ايضا من خلال الاندفاعة الطلابية التي حصلت عند القوات في أكثر من جامعة لبنانية، خصوصا من عدد المندوبين الذين فازوا من صفوفها في جامعة سيدة اللويزة والجامعة اللبنانية الأميركية. وفي ذات الوقت تراجع منسوب تمثيل منافسيهم السياسيين.
لكن فصل الربيع القواتي ذاته، شهد شتاء عاصفا الى حد ما، وتعيش القوات معه اضطرابات سياسية لا تحسد عليها، ذلك من خلال خسارة بعض حلفائها من جهة، ومن جراء تراجع تأثيرها السياسي على الملفات الوطنية، خصوصا كونها تتمثل بالكتلة المسيحية الأكبر داخل مجلس النواب، وشعارها التي خاضت بموجبه انتخابات مايو 2022 «نعم قادرون على إحداث فرق» لم يتحقق منه أي شيء حتى الآن، والبلاد تتخبط وسط أزمة غير مسبوقة من الناحيتين الاقتصادية والمالية، وبسبب الفراغ الحاصل منذ أكثر من عام في سدة رئاسة الجمهورية، بينما الوضع الأمني مهدد في كل لحظة بالانفلات.
وما يزيد من شتاء القوات قسوة، عدم تفهم الجو الوطني العام لموقف رئيسها د.سمير جعجع من التطورات التي تحصل في الجنوب، كما من العدوان الذي تتعرض له غزة الفلسطينية من آلة القتل والدمار الإسرائيلية. واشارة جعجع الى ادانة العدوان الإسرائيلي والتضامن مع الشعب الفلسطيني في حديثه المتلفز الأخير، لم تكن كافية لتوضيح الالتباس الذي نتج عن تحميل جعجع للمقاومة البطولية الفلسطينية، ومنها عملية 7 أكتوبر، المسؤولية عن تسبيب جرائم قتل الأطفال والنساء والتدمير التي ترتكبها إسرائيل. كما أن مواقفه المنتقدة لخطاب السيد حسن نصر الله «حمالة أوجه» واعتبرها البعض بأنها تخدم العدو، وتضعف موقف المقاومة، برغم أنها استندت الى ضرورة تطبيق القرار 1701 ولاستلام الجيش بمفرده للأمن في الجنوب، بالتعاون مع قوات الأمم المتحدة، وعندها لن يحصل أي خطر على لبنان كما قال. وقد اعتبرت أوساط سياسية مقربة من المقاومة، أن هذا التوصيف يعفي إسرائيل من المسؤولية عن العدوان، ويبرأ ساحتها من الارتكابات الشنيعة التي حصلت في الجنوب منذ الثامن من أكتوبر الماضي، وسقط من جرائها أكثر من 50 شهيدا لبنانيا.
وربيع القوات اللبنانية النيابي من خلال فوزها في عدد مقاعد وازنة في انتخابات العام 2022، لم يترجم إنجازات على أرض الواقع، وتحول زمنه الى شتاء مليء بالمطبات السياسية. والقوات متهمة بأنها تقف وراء الشلل الحاصل في العمل التشريعي، خصوصا الضروري منه، بسبب موقفها المتشدد من عدم حضور جلسات لمجلس النواب قبل الانتهاء من انتخاب رئيس للجمهورية، وهو رأي يتطابق مع حرفية نص الدستور، لكنه يؤدي الى مزيد من الانهيار والشلل في البلاد، وعدم انتخاب الرئيس حتى الآن مسؤولية مسيحية بالدرجة الأولى. وبسبب هذا الموقف المتشدد ستواجه القوات اللبنانية، عدم تجاوب من قبل رئيس مجلس النواب نبيه بري مع اقتراح القانون المعجل المكرر الذي قدمته القوات بهدف التمديد سنة لقائد الجيش، لأنه يعتبر طرحها انتقائيا ويتجاهل اقتراحات ملحة أخرى.