بقلم: د. خالد الصيفي
هل سيلومني أحد أو يخطئني إذا زعمت أن أشــجع وأعـز أهل الأرض في وقتنا هذا هم المقاومون في غزة! وعوائلهم وبيئتهم الحاضنة المتمثلة في المجتمع الغزاوي الصابر والمرابط! لا أظن أن إنسانا - معا - سيخالفني في ذلك، إلا إذا قارنهم بالمقاومين الأفغان الذين قهروا أعتى قوى زمانهم، ومع ذلك فإنني أصر على تفوق الغزاويين وبمراحل عن أقرانهم الأفغان الشجعان لاعتبارات عديدة ليس هنا مجال لذكرها.
فضلا عن أنهم الأشجع والأعز، فإن الغزاويين لهم فضل على الأمة كلها، حيث كفوها سنام الإسلام وجاهدوا عنها أحق جهاد ضد أصرح عدو، كما أنهم بيضوا وجه الأمة بفتح مبين رأيناه في دحر وأسر أعداد كبيرة من الغاصبين في ملحمة لم نر مثلها منذ نصف قرن، أذاقوا فيها المحتل طعم الهزيمة المر بعد عقود من العربدة والغرور والتغطرس، وكسروا هيبته المصطنعة وحطموا كبرياءه وأهانوا جيشه الذي يدعي أنه لا يقهر، في غزوة مباركة أسموها «طوفان الأقصى» شفوا فيها قلوب المؤمنين، بعد معاناة طويلة من النكبات والنكسات والصفقات المجانية في قضية القضايا وقدس الأقداس، كل هذا الإنجاز تم بقدرات غزاوية ذاتية ومتواضعة بظروف كارثية وفي ظل حصار من كل الجهات والجبهات، إلا أن من يتوكل على الله فهو حسبه والعاقبة للمتقين.
> > >
كنت في بداية كل فصل دراسي، أنبه طلبتي بالإرشادات الضرورية للمقرر كالساعات المكتبية والمراجع المستخدمة وتوزيع الدرجات، وكنت أبلغهم برفضي دخول أحدهم المحاضرة وبيده نوع من القهوة عرف عن مصنعيها دعمهم الكبير للصهاينة، وكنت أسهب وأفصل في إقناعهم بضرورة مقاطعتها، على الأقل فــي محاضرتي، وكان أغلبهم يتجاوب ليس قناعة ولكن لتجنب اســـتفزاز أستاذ المادة الذي يرصد درجـــاتهم، أما وقد صحت الأمة بعد طوفان الأقصى، ورأينا حملات مقاطعة كبيرة ومؤثرة لكل منتج يدعم أعداء الأمة، فإذا الطلبة الذين كنت أعاني سابقا في إقناعهم بالمقاطعة، رأيتهم يبادرون بتنبيه بعضهم بضرورة مقاطعة المنتجات والشركات الداعمة للعدو المحتل.
وهذا فضل آخر تفضلت به غزة الأبية على الأمة، بأن بعثت فيها هذه الصحوة المبنية على نصرة المسلم مهما بعدت بلاده، إنها صحوة أحوج ما نكون إليها وبسببها انتشر الوعي عند كل الأجيال ابتداء بمرحلة رياض الأطفال وانتهاء بالمرحلة الجامعية، وتنافست المؤسسات الحكومية وهيئات المجتمع المدني والقوى السياسية وطبقات المثقفين والمتخصصين والأكاديميين، وربات البيوت والمتقاعدين وكل صاحب ضمير حي وحمية في نصرة غزة حسب الاستطاعة، فلا تلومني مرة أخرى إن زعمت أن الغزاويين هم ضمير الأمة ورأس حربتها وحماة بيضتها وحملة رايتها، ومنهم الشهداء الذين نظنهم أموات ومنهم المرابطون في أكناف بيت المقدس الذين حدثنا عنهم الرسول ﷺ، فيا لائمي بغزة وأهلها، دع عنك لومي فإنها مدينة بأفعال أمة.
لا يفــوتــني في ختام هذا المقال الترحم على الشيخ أحمد ياسين.