واصل الجيش الإسرائيلي محاولاته تضييق الخناق على شمال قطاع غزة وسط معارك محتدمة «فوق وتحت الأرض»، دفعت آلاف الفلسطينيين إلى الفرار جنوبا هربا من الحرب والقصف، في وقت توسعت مساعي التوصل إلى هدنة.
ونقلت «رويترز» عن مصدر إن الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، ووليام بيرنز مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي.آي.إيه)، وديفيد بارنيا رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) اجتمعوا لبحث معالم اتفاق على إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى «حماس» والوصول لهدنة مؤقتة من الهجوم على غزة. وجاء اجتماع الدوحة في أعقاب لقاء وسطاء قطريين بمسؤولين من المكتب السياسي لحماس مساء أمس الأول، وتضمنت المحادثات أيضا مناقشة السماح بدخول إمدادات الوقود لأغراض إنسانية إلى غزة، وهو ما ترفضه إسرائيل. وكانت «رويترز» نقلت عن مصدر أمس أن المحادثات تناولت إطلاق سراح ما بين 10 و15 رهينة مقابل هدنة إنسانية ليوم أو يومين في الحرب الطاحنة في غزة.
طاولة ثلاثية
وقال المصدر إن ميزة الاجتماع تتمثل في جمع الأطراف الثلاثة على طاولة واحدة وفي وقت واحد للإسراع بإيقاع العملية. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استبعد مجددا أي وقف لإطلاق النار من دون الإفراج عن الأسرى الذين تحتجزهم «حماس».
وأعلن البيت الأبيض، عن هدن إنسانية في شمال غزة 4 ساعات يوميا اعتبارا من الخميس. وقال إن «إسرائيل أبلغتنا بأنه لن تكون هناك عملية عسكرية خلال فترات توقف القتال»، وأن هناك «ممرين إنسانيين سيسمحان للناس بالفرار من القتال في غزة»، مؤكدا أنه يتوقع أن تدخل قطاع غزة 150 شاحنة مساعدات إنسانية يوميا.
ووصف البيت الأبيض فترات التوقف في القتال، بأنها «خطوة في الاتجاه الصحيح».
وقالت الحكومة الإسرائيلية مساء أمس الأول انه من «السابق جدا لأوانه» التحدث عن «سيناريوهات» حول مستقبل قطاع غزة الذي يجب أن «ينزع السلاح فيه»، لكنها أشارت إلى أنها تتشاور مع دول أخرى بشأن هذا الوضع. لكن صحيفة «نيويورك تايمز» نقلت عن أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية أن السلطة أبلغت إدارة بايدن أنها منفتحة على القيام بدور حكم في مرحلة ما بعد «حماس» في غزة إذا التزمت الولايات المتحدة بحل الدولتين.
في غضون ذلك، حذر الجنرال تشارلز براون، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة وكبير المستشارين العسكريين للرئيس الأميركي جو بايدن، من ان عدم التوصل إلى حسم أسرع للقتال في غزة قد يساعد في زيادة فرص انضمام المدنيين إلى صفوف «حماس».
هدف كبير
واعتبر أن هدف إسرائيل المعلن من حربها على غزة وهو التدمير الكامل لحركة «حماس» المسلحة التي تدير القطاع كان «أمرا كبيرا جدا»، معتبرا أن استهداف القيادة العليا لحماس «قد يتحقق بسرعة أكبر». وتابع للصحافيين «أعتقد أنه كلما طال أمد هذا الأمر زادت الصعوبة».
وردا على سؤال عن مدى خشيته من أن يتمخض تزايد عدد القتلى الفلسطينيين عن دفع المدنيين للانضمام إلى صفوف المسلحين، قال براون «نعم، الأمر كذلك إلى حد كبير. وأعتقد أن هذا أمر يتعين علينا الانتباه له».
ميدانيا، نظمت القوات الإسرائيلية زيارة الى قلب مدينة غزة حيث تدور معارك ضارية، وشاهد المراسلون دمارا معمما على امتداد أنقاض الطريق الساحلي سابقا.
وأمس، أعلن جيش الاحتلال انه سيطر أمس الأول «بعد عشر ساعات من القتال» على «معقل» لحركة «حماس» في مخيم جباليا للاجئين شمال غزة، مشيرا إلى أنه كان موقعا للتدريب.
واشتبكت القوات الإسرائيلية مع مسلحين من حركتي حماس والجهاد الإسلامي «في المعقل، فوق وتحت الأرض»، واعلن الجيش العثور على 130 مدخلا لأنفاق منذ بدء الحرب التي أدت إلى مقتل 34 جنديا إسرائيليا.
من جهتها، أعلنت كتائب الشهيد عز الدين القسام، في بيان، أن مقاتليها تمكنوا يوم الأربعاء وحده من «تدمير 16 آلية عسكرية كليا أو جزئيا في مختلف محاور القتال»، كما تحدثت عن «عمليات قنص» واستهداف للقوات المتوغلة بقذائف الهاون.
وضع كارثي
هذا، وأعلنت وزارة الصحة التابعة لحركة «حماس» ان القصف المكثف أوقع ما يزيد على 10812 شهيدا بينهم 4412 طفلا و2918 من النساء و667 مسنا، واصابة 26905 مواطنين منذ 7 أكتوبر الماضي. واتهم المتحدث باسم الوزارة أشرف القدرة منظمة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) بأنها «أدارت ظهرها لسكان القطاع عموما وتركت الأطفال فيه دون تطعيم».
وأكد ان 900 ألف من سكان غزة وشمالي القطاع باتوا بلا مأوى ولا دواء ولا حماية.
وفيما تفيد أرقام الأمم المتحدة أن 1.5 مليون شخص من أصل 2.4 مليون عدد سكان القطاع نزحوا جنوبا، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري أمس الأول إن 50 ألف فلسطيني غادروا شمال غزة خلال 24 ساعة، بينما قدر مسؤول أميركي قبل أيام أن نحو 350 ألف شخص ما زالوا في الشمال «في وضع إنساني كارثي» بحسب وكالات الأمم المتحدة، اذ «يكافحون من أجل الحصول على حد أدنى من المياه والمواد الغذائية الضرورية لاستمراريتهم». وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إن «المواد الغذائية الأساسية مثل الأرز والحبوب والزيت النباتي نفدت بالكامل تقريبا».
ورغم كل التنديد والنداءات التي توجهها المنظمات الإغاثية، زعم رئيس هيئة تنسيق الشؤون المدنية في الأراضي الفلسطينية التابعة لوزارة الدفاع (كوغات) موشيه تيترو أن «لا أزمة إنسانية في قطاع غزة»، واكتفى بالقول «نعلم أن هناك الكثير من الصعوبات ولكن يمكنني القول إنه لا أزمة إنسانية في قطاع غزة».
وخلافا لما تؤكده المنظمات الاممية التي تدعو لرفع الحصار الخانق وادخال المساعدات، ادعى تيترو أن الجيش الإسرائيلي يسهل نقل المساعدات إلى غزة، لاسيما «الماء والغذاء والإمدادات الطبية والمساعدات الإنسانية للملاجئ». وكذبت المتحدثة باسم الصليب الأحمر تصريحات المسؤول الاسرائيلي وقالت لـ «الجزيرة» إن الطواقم الطبية في غزة تعمل في ظروف مستحيلة منذ بداية الأزمة، وأضافت أن «ما رأيناه في قطاع غزة مروع».
الضفة تغلي
في موازاة ذلك، تصاعدت حالة الغليان في الضفة الغربية، حيث أفادت وزارة الصحة الفلسطينية بارتفاع عدد الشهداء «جراء عدوان الاحتلال المتواصل على مدينة جنين ومخيمها إلى 10 شهداء، إضافة إلى 14 إصابة بالرصاص الحي، بينها حالات خطيرة»، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا).
وكانت قوات كبيرة من جيش الاحتلال ترافقها جرافات عسكرية قد اقتحمت المخيم من عدة محاور مرتين أمس وقصفت المدينة والمخيم بالطائرات المسيرة، فيما قامت الجرافات بتدمير الشوارع والبنية التحتية في المخيم ومحيطه. ونقل شهود عيان لوكالة «الأناضول» أن الاقتحام رافقه اندلاع اشتباكات مسلحة مع مقاومين فلسطينيين.