وسط ترحيب دولي واسع بالتوصل الى هدنة مؤقتة بين اسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، يتخللها تبادل اطلاق سراح معتقلين ومحتجزين، يسود الترقب لبدء تطبيق الاتفاق والالتزام به بعد أكثر من 48 يوما من الحرب والقصف والدمار الذي طال قطاع غزة فيما ينتظر سكانه ان تسكت المدافع وتوقف الغارات لالتقاط أنفاسهم.
وبموجب الاتفاق، يستمر وقف اطلاق النار لأربعة أيام على الأقل للسماح بالإفراج عن 50 من المحتجزين الإسرائيليين ومزدوجي الجنسية في غزة مقابل إطلاق سراح ما لا يقل عن 150 فلسطينيا من المعتقلين في إسرائيل.
في السياق، قال وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية محمد الخليفي، وهو كبير المفاوضين القطريين في المحادثات لـ «رويترز»، إن الهدنة تعني أنه «لن يكون هناك أي هجوم على الإطلاق. لا تحركات عسكرية، لا توسع، لا شيء». وأضاف انها ستكون «فترة مكثفة، إذ سنكون على اتصال مباشر على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر والطرفين للتأكد من أننا نحقق عملية إطلاق سراح الرهائن بشكل مثالي». وتابع أن قطر تأمل أن يكون الاتفاق «نواة لاتفاق أكبر ووقف دائم لإطلاق النار. وهذه هي نيتنا».
من جهته، قال وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين إن إطلاق سراح الدفعة الأولى من المحتجزين الإسرائيليين لدى «حماس» سيبدأ اليوم، وشدد وزير الخارجية الإسرائيلي ان «هذا ليس وقفا لإطلاق النار، وإنما هدنة لمدة 4 أيام تهدف إلى تحرير مختطفينا»، على حد تعبيره. وفيما لم يكشف كوهين ـ في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي ـ عن التوقيت بالضبط، أعلن عضو المكتب السياسي لحماس موسى أبومرزوق أن المحتجزين الخمسين الذين سيفرج عنهم أغلبهم يحملون الجنسيات الأجنبية. وقال في اتصال مع وكالة الأنباء الصينية (شينخوا) إن وقف اطلاق النار في قطاع غزة سيبدأ اليوم الخميس الساعة 10 صباحا. وكان بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال إنه سيجري إطلاق سراح 50 امرأة وطفلا على مدى أربعة أيام سيتم خلالها وقف القتال بمعدل 10 رهائن في اليوم.
إلى ذلك، أكد الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة في بيان أن أنطونيو غوتيريش «يرحب بالاتفاق»، مضيفا «هذه خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح»، لكن «لا يزال ينبغي القيام بالكثير».
بدوره، دعا المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فليب لازاريني إلى رفع الحصار بشكل نهائي وكامل حتى تتدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة دون انقطاع ودون أي شروط مسبقة، مشددا على أنه لا يوجد أي مكان آمن فيه حتى ضمن منشآت ومدارس الوكالة والملاجئ. بدوره، أكد مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان أن مفتاح التوصل للاتفاق تمثل في الضغط على الجانبين والعمل بشكل وثيق مع قطر ومصر. واعتبرت مديرة منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) كاثرين راسل أن قطاع غزة بات «المكان الأخطر في العالم بالنسبة الى الأطفال». وقالت إن أكثر الأطفال يشكلون 40% من نسبة القتلى، وأضافت «هذا أمر غير مسبوق».
في هذه الأثناء، استقبل فلسطينيون الهدنة في قطاع غزة بتشكيك ومرارة، مثل ميسرة الصباغ الذي قال بشيء من اليأس «عن أي هدنة يتحدثون؟»، معتبرا أن «الإنجاز» يكون بإعادة النازحين الى الشمال. والتقت وكالة «فرانس برس» فلسطينيين في مستشفى ناصر الذي يؤوي نحو 35 ألف نازح، بينما يتواجد في محيطه أيضا عشرات الآلاف الذي غادروا الشمال تحت وطأة القصف الإسرائيلي أو استجابة للإنذارات الإسرائيلية بضرورة الاتجاه جنوبا. وقال ميسرة الصباغ (42 عاما) النازح من مدينة غزة «أنا أرفض الهدنة»، متسائلا «عن أي هدنة يتحدثون؟ شهداء، جرحى، وبيوت مدمرة». وأضاف «هدنة لإدخال بعض المساعدات لا نريدها، نريد العودة إلى بيوتنا».
ورأى ياسر الحويطي (55 عاما) من جهته أن الهدنة ما هي إلا «ذر للرماد في العيون، بعدها ستستأنف الحرب».
وبحسب الحويطي «الآن معاناة الحرب وغدا معاناة بيوتنا المدمرة، أين سنسكن وكيف سنعمرها؟». وقالت سلمى قاسم «ما يهمني متى نرجع إلى بيوتنا في بيت حانون كما كنا»، ولو أنها استدركت بعد ذلك «حتى لو رجعنا إلى أين سنذهب وأين سنعيش؟ دمروا بيوتنا».
وتابعت «أطفالنا مرضى من البرد وعدم الأكل أو الشرب ودون أدوية، الأمراض منتشرة» بسبب أكوام القمامة ونقص المياه النظيفة.
وقالت منى، وهي امرأة من غزة لاقى أبناء وبنات إخوتها حتفهم في ضربة جوية إسرائيلية لمنزل عائلة صيام إنها لا ترى معنى للهدنة بعد ما جرى لعائلتها التي مات معظم أفرادها وإن الهدنة لن تعيد ذويها من الموت ولن تضمد جراح من بقي منهم.
وإلى حين بدء الهدنة لم يتوقف القصف على القطاع في حصد المزيد من أرواح الفلسطينيين. وشوهد دخان القصف الاسرائيلي من أماكن انفجارات طالت عدة مواقع في القطاع. واعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة «ارتفاع عدد الشهداء جراء الحرب الإسرائيلية إلى 14532 بينهم نحو 6000 طفل»
ونشر الجيش الإسرائيلي لقطات لجنود يطلقون النار في أزقة ضيقة وقال إنه نفذ ضربات جوية، وأضاف أن قواته عملت داخل أراضي القطاع لتدمير البنية التحتية ورصد مواقع الأسلحة. وتزامن ذلك مع استمرار المواجهات في عدة مواقع شمال القطاع، فيما دوت صافرات الإنذار في مستوطنات غلاف غزة.