- العلم ليس فقط «الشرعـي» أو العلم بغرض الفتوى وإنما المقصود هو المعرفة وتحقق انتفاء الجهل بالواجبات والمحرمات فإذا أحدث الله لك علماً فأحدث له عبادة
- القرآن لم ينزل للقراءة فقط وإنما للتدبر والعمل فهو سلعة غالية وكل غالٍ يحتاج إلى كد وتعب
العمل هو الغاية المقصودة من العلم، والعلم مهما بلغ فضله ليس إلا وسيلة للعمل، وكان هدي النبي صلى الله عليه وسلم تطبيق عملي لكل ما جاء من الله تبارك وتعالى، ولأن القرآن الكريم بكل أحكامه وأخلاقه وأوامره ونواهيه قد تحول إلى واقع معيش في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الأبرار الذين تعلموا على يديه أن يتبعوا العلم بالعمل. وحول فضل العمل بالعلم يحدثنا استاذ الفقه المقارن بجامعة الكويت د.عادل المطيرات: في زمن وسائل التواصل، لدينا علم كثير وعمل قليل، إذا لم يتبع الإنسان العلم بالعمل فلن يستفيد من علمه شيئا، والعلم ليس فقط العلم الشرعي، او العلم بغرض الفتوى، وإنما المقصود هو المعرفة، وتحقق انتفاء الجهل بالواجبات والمحرمات، جميعنا يعلم الحلال من الحرام، يعرف الحسن من السيئ، جميعنا يسمع محاضرات ودروسا وخطبا، جميعنا لدينا قدر من المعرفة بالمعاملات والأخلاق، لكن اين العمل بهذا؟ لدينا مشكلة تكاد تكون غالبة في واقعنا اليوم - إلا من رحم الله - فعندنا علم كثير وعمل قليل ولن نستطيع حل المشكلة إلا بعد الاعتراف بوجودها: هل نحن حقا نعمل بما نعلم؟ سؤال مهم ينبغي لكل إنسان ان يسأله لنفسه في زمننا المعاصر زمن الإعلام ووسائل التواصل الذي أصبح العلم فيه متاحا للجميع بلا استثناء، ممن لا يعرف أن الحسد والحقد حرام؟ من منا لا يعرف أن الاستهزاء وسوء الظن حرام، فما بال بعضنا يتساهل في الواجبات ويقع في المحرمات!
القراءة والتدبر والعمل
وأكد د.المطيرات أن القرآن لم ينزل للقراءة فقط وإنما للتدبر (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته - ص: 29)، والتدبر يقتضي العمل: اقرأ وتدبر واعمل. فقد روي من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: «اللهم إني أسألك علما نافعا» (أخرجه النسائي) والعلم النافع هو الذي يتبع بالعمل، ولذلك كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفرقون بين العلم والعمل، فإذا علموا، عملوا مباشرة دون تسويف ولا تقصير.
وعلى كل مسلم ان يقف مع نفسه وقفة صادقة ويحاسبها قبل ان تحاسب في الآخرة، عن الواجبات والمحرمات على حقوق الآخرين، عن الواجبات تجاه الأبناء وزميل العمل والجار، عن حقوق الزوج والزوجة والوالدين وذوي الأرحام، وأن يدرك كل إنسان هدفه الحقيقي في الحياة (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون - الذاريات: 56).
فنحن بحاجة إلى أن نجاهد أنفسنا على العمل، أن نترجم كل ما تعلمناه وما علمناه من خير وفضيلة إلى واقع عملي في حياتنا ومعاملاتنا، ولذلك قيل: «إذا أحدث الله له علما، فأحدث له عبادة»، من أراد أن يحفظ حديثا فليعمل به، كان الصحابة رضوان الله عليهم لا يتجاوزون العشر آيات حتى يحفظونها ويتدبرونها ويعملون بها، فلم يفرقوا بين العلم والعمل.
مسؤولية المسلم
وحول الطريق الى العمل بالعلم؟ يرى د.المطيرات انه لابد اولا ان نعرف الغاية من الخلق، إذا لم يحدد المرء هدفه في الحياة فسينتهي به الأمر هائما على وجهه لا يعرف ماذا يفعل، غافلا يقع في المعاصي، فكلما وضح الهدف امام الانسان، سعى اليه، الطالب يكد لينجح، هو يعرف الهدف ويسعى نحوه، والموظف يبذل جهده ليتقدم في المناصب ويؤمن المعاش، كذلك المؤمن رضا الله امامه والجنة هدفه، وسلعة الله غالية وكل غال يحتاج الى كد وتعب. ثانيا: على المرء أن يتذكر انه مسؤول عن كل علم وعمل، فلن تزول قدما عبد حتى يسأل عن خمس، اثنان منها عن وقته وثلاث عن عمله «لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن خمس، عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وماله من اين اكتسبه وفيم انفقه، وماذا عمل فيما علم» رواه الترمذي. تذكر دائما ذلك الموقف العظيم، يوم ان يسألك الله الملك الجبار مباشرة، فحضر لهذا السؤال جوابا من الآن (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا)، الأمر الثالث ان يخالف المرء نفسه وألا يتبع هواه، وهذا من اصعب الامور، غالب الناس لا يحاسب نفسه ولا يجاهدها كما ينبغي، لأن ذلك يحتاج إلى قوة ارادة وعزيمة وصبر، وهذه المجاهدة يترتب عليها الفلاح في الدنيا والآخرة (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها - الشمس: 9-10) (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا - العنكبوت: 69)، فمن داوم على مجاهدة نفسه سيرزقه الله عزّ وجلّ الهداية التامة. فاحرص على ان تعطر فمك بالذكر والدعاء طيلة الوقت وان يعينك الله على نفسك وأن يثبت قلبك على الدين، لأن الدعاء من اعظم العبادات، وبه يرزق الله الانسان العلم النافع والعمل الصادق.