بيروت ـ عمر حبنجر ومنصور شعبان
ساد الهدوء الحذر كل المناطق الحدودية، أمس، قبل إطلالة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، الذي أكد في كلمة له استمرار المواجهة مع اسرائيل وأن المقاومة في الجنوب هي العامل الرادع لها، ولم تشتعل الأرض، كما أوحت الأجواء بعد واقعة اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» صالح العاروري، بغارة إسرائيلية مسيرة.
إلا أن هذا الهدوء الناري الثقيل خرقه، ليلا، جيش الاحتلال الإسرائيلي بالنفخ في جمره في قرى القطاعين الغربي والأوسط، وحلق الطيران الاستطلاعي المعادي بكثافة فوق قرى قضاء صور والساحل البحري على علو منخفض، استمر حتى صباح أمس الأربعاء، وسط استمرار إطلاق القنابل المضيئة فوق القرى الحدودية المتاخمة للخط الأزرق في القطاعين الغربي والأوسط.
وثبت، بالأحمر الدامغ، أن القرار الإسرائيلي بالقضاء على «حماس» لا حدود في تنفيذه، يطول قادة الحركة في أي مكان، وهذه المرة كان الهدف في عقر دار «حزب الله»، الضاحية الجنوبية لبيروت.
وباغتيال العاروري تكون اسرائيل تخطت «قواعد الاشتباك» وقفزت فوق مدى المسافة الفاصلة بينها وبين عمق الساحل اللبناني، وقادتها يقولون إن المقصود بالعملية مكتب «حماس» وليس «حزب الله»، لكن الاغتيال المتفجر، بطائرة مسيرة، حصل في «جادة الشهيد السيد هادي نصر الله»، الأوتوستراد الرئيس في الضاحية.
وتوجهت الأنظار الى المناطق الحدودية، بعد ارتفاع وتيرة التوتر والتوقعات بتدهور قد يبلغ مداه تحت جنح الليل، ومن فورهم الخبراء العسكريون، في بيروت، توقعوا أن يرد حزب الله على اغتيال العاروري واعتبروا أن المنطقة على «فوهة بركان».
وأبدت «اليونيفيل» قلقها من احتمالات التصعيد، منبهة من أنها قد تكون مدمرة.
وما يمكن التوقف عنده هو أن العملية تمت قبيل زيارة المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين الى بيروت بهدف فتح أبواب التسوية والتهدئة بين لبنان واسرائيل، لأن خطته كانت وضع ترسيم الحدود البرية على الطاولة والسعي الى منع «حزب الله» من الذهاب نحو تصعيد مضاعف.
وفي هذا المنحى تقع ردة الفعل الرسمية اللبنانية، عن طريق وزارة الخارجية والمغتربين، بناء لتوجيهات من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، تحضير شكوى الى مجلس الأمن الدولي إدانة الاعتداء الاسرائيلي، وأوعز الوزير عبدالله بو حبيب الى كل من مندوب لبنان لدى الأمم المتحدة في نيويورك هادي هاشم والقائم بأعمال سفارة لبنان لدى واشنطن وائل هاشم «إجراء الاتصالات اللازمة وتقديم احتجاجين شديدي اللهجة حول العدوان الاسرائيلي الخطير ومحاولة استدراج لبنان والمنطقة الى تصعيد شامل، استكمالا لمسلسل الاعتداءات الاسرائيلية اليومية المتصاعدة على جنوب لبنان ما يزيد المآسي والويلات ويهدد السلم والأمن الاقليميين»، مطالبا «بإدانة العدوان الاسرائيلي».
وهنا يأتي ما نقله موقع «أكسيوس» عن مسؤولين أميركيين كبيرين أن إسرائيل هي التي اغتالت العاروري، لكنها لم تبلغ الولايات المتحدة بذلك مقدما. وأضاف الموقع أن إسرائيل لم تحذر الولايات المتحدة لكنها أخطرت إدارة الرئيس جو بايدن وقت تنفيذ العملية.
في باريس، قال قصر الإليزيه، إثر مكالمة هاتفية أجراها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بحسب «فرانس برس»، مع عضو مجلس الحرب الوزاري الإسرائيلي بيني غانتس، إن الرئيس الفرنسي شدد على أنه «ينبغي تجنب أي سلوك تصعيدي، خاصة في لبنان، وأن فرنسا ستستمر في إيصال هذه الرسائل إلى كل الجهات الفاعلة المعنية بشكل مباشر أو غير مباشر في المنطقة».
وكانت ردة فعل رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منع الوزراء وأعضاء الكنيست من التعليق على اغتيال العاروري، بحسب الإعلام الإسرائيلي، وصرح الناطق باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري، في مؤتمر صحافي، بأن جيشه مستعد «لكل السيناريوهات».
بدورها حركة «أمل» رأت في اغتيال العاروري: «عدوانا على لبنان وسيادته وجريمة تضاف الى سجل اسرائيل ونضعه برسم المجتمع الدولي».
وعلمت «الأنباء» ان تشييع العاروري سينطلق، اليوم الخميس، من مسجد الإمام علي (رضي الله عنه) في منطقة طريق الجديدة، وسط حشد كبير من الفلسطينيين واللبنانيين، حيث سيصلى على جثمانه ورفيقيه في المسجد عقب صلاة العصر، ومن ثم الى مقبرة الشهداء في دوار شاتيلا، التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وصدرت الصحف اللبنانية، أمس، بعناوين مستنكرة ورأت في اغتيال العاروري تهديدا للاستقرار وكسرا لقواعد الاشتباك مع لبنان، و«تجاوزا للخط الأحمر الذي رسمه الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، وأخطر استباحة منذ 17 عاما.
وهكذا، فإن ردود الفعل في بيروت اتفقت، تصريحا وبيانا وتغريدا، على رفض جر لبنان الى الحرب، وكان أبرز المواقف ما كتبه رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، عبر منصة «X»: «إن الانفجار الذي استهدف الضاحية الجنوبية لبيروت هو انتهاك واضح وجديد للسيادة اللبنانية وضرب للقرار 1701 من قبل العدو الإسرائيلي الذي لم يحترم يوما أيا من القرارات الدولية، والذي يسعى جاهدا اليوم لتعويض خساراته في الداخل من خلال اعتداءاته على لبنان». أما «الحزب التقدمي الاشتراكي» فاعتبر ان: «الوحشية الإسرائيلية مستمرة في ارتكاب الجرائم»، فيما النائب مروان حمادة اعتبر ان: اغتيال العاروري محاولة لاستدراج لبنان الى الحرب وتوسيعها.
وشجب مفتي لبنان الشيخ عبد اللطيف دريان اغتيال العاروري قائلا ان: «العدو يحاول بشتى الطرق والأساليب زج لبنان في الحرب»، وقال نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى الشيخ علي الخطيب: «ارادة المقاومة اقوى من غطرسة العدوان ودماء الشهداء ستزيد عزيمتها في مواجهة الأجرام الصهيوني»، وركز المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان على ان: «لبنان لن يكون إلا بلد المقاومة والانتصارات وتل أبيب ستدفع ثمن حماقتها».
ورأى اللواء عباس ابراهيم في الاعتداء الإسرائيلي على «السيادة اللبنانية محاولة للهروب إلى الأمام بعدما عجز هذا العدو عن تحقيق اي انجاز له في غزة غير جرائم القتل والمجازر، عله يقدم بهذا العدوان نصرا وهميا قبل دخوله في المرحلة الثالثة من الحرب».
ميدانيا، شهدت مخيمات منطقة صور وعدد من الساحات في صور وقراها تجمعات جماهيرية، عبرت عن استنكارها لاغتيال القيادي في «حماس» العاروري وإخوانه، وسجلت دعوات للتظاهر والاعتصام واعلان الحداد وتلاوة القرآن الكريم من على مآذن المساجد.
وتعرضت اطراف بلدة حولا من جهة بلدة مركبا لقصف فوسفوري معادٍ، كما شن طيران العدو غارات على وادي هونين.
وأعلن «حزب الله» انه: «وبعد سحب العدو الإسرائيلي لقتلاه وجرحاه الذين تم استهدافهم سابقا في محيط موقع المرج استهدفت المقاومة الإسلامية مجموعة جديدة من جنود العدو قدمت لتعاين المكان بالأسلحة الموجهة وأوقعوا أفرادها بين قتيل وجريح».
كما اعلن عن استهدافه «تموضعا لجنود العدو الإسرائيلي في محيط موقع جل العلام بالأسلحة الصاروخية وأصابوه إصابة مباشرة».