- الشطي: نحن في أمسّ الحاجة إلى التعاون والإخلاص ومحبة ولي الأمر
- العتيبي: طاعة ولاة الأمور ولزوم جماعة المسلمين بهما يستتب الأمن
قال الله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئا) فالأمن نعمة عظيمة من الله تعالى والإيمان يثمر الأمان وإذا ضاع الإيمان فلا أمان.. ولا دنيا لمن لم يحيي دينا.
عن أهمية الأمن والأمان في حياتنا وأثره على المجتمع وكيف يتم تحقيق الأمن؟ نتعرف على آراء علماء الشرع.
في البداية يحدثنا د.بسام الشطي عن نعمة الأمن والأمان فيقول: إن الأمن الذي تبحث عنه النفوس محوره الإيمان الذي مقره القلب وتستقيم على رأسه الجوارح، سواء كان ذلك فيما يتعلق بالنفس ومتطلباتها كالأمن الصحي والأمن النفسي والأمن الغذائي والأمن الاقتصادي والأمن الأخلاقي، أو ما يتعلق بالمجتمع وترابطه كالأمن في الأوطان والأمن على الأعراض والأمن على الأموال والممتلكات، أو ما يتعلق بالأمن على النفس من عقاب الله ونقمته بامتثال أمره وطاعة رسوله واتخاذ طريق المتقين مسلكا واستجلاب رحمة الله، والأمن من عذابه في نار جهنم، هذه الحاجات وهذه الضرورات قد لا ندركها إلا بفقدان أو نقصان مرتبة من مراتب الأمن.. وفي حديث ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ». رواه البخاري، وجاء في الأثر: «الصحة في الأبدان والأمن في الأوطان». والنفس لا تطمئن إلا إذا آمنت بقدر الله واستسلمت لقضائه سبحانه، ولا يمكن أن يسعد البشر إلا بإسلام الوجه لله عز وجل: (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا)، فالإسلام إنما هو لمصلحة النفس ولما يسعدها ويحقق لها الأمن بمفهومه الصحيح، (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون).
ويقول سبحانه: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون). فالانسجام التام بين السنن الشرعية والسنن الكونية والروح والجسد وبين الظاهر والباطن والعلم والعمل والدنيا والآخرة والأرض والسماء وبين المخلوق والكون من حوله، كل هذا لا يمكن أن نجده إلا بعد الدخول في الإسلام وفهمه جيدا وتطبيقه، فلا تنافر ولا نفور بين الدين والدولة ولا بين الطاعات بعضها وبعض الحدود راحة للنفس والحدود والتشريعات في الإسلام بمثابة راحة للنفس، ولا تكون إلا بالإيمان.. وإذا كان رخاء المجتمع لا يكون إلا بالأمان، فالأمان ثمرة من ثمار الإيمان، وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، ودعوته كانت لتأصيل العقيدة والإيمان في النفوس بما يطمئنها ويريحها.
الأصول الستة
وفي الشرع سنجد الأصول الستة للإيمان عليها مدار أمن النفس وسعادتها في العاجل والآجل: فعقيدة التوحيد والخوف والرجاء... كل ذلك من شأنه أن يفترق به المسلم عن الكافر، يقول تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون - البقرة: 155- 156- 157)، فالرضا والاطمئنان يسببه الإيمان عند المؤمن والأحكام الشرعية كثيرة وكلها من شأنها أن تشيع الأمن والأمان في النفس والمجتمع، ومن ذلك تحريم الإسلام للأمور التي تسبب معها الجريمة كالخمر والزنا والربا والميسر، وقد أعطى كل ذي حق حقه ومنع التعدي والظلم وقضى على كل الأمور التي تخل بالأمن، وكانت الحدود فيه بمثابة الروادع والزواجر والجوابر في نفس الوقت. والقصاص لا شك من أسباب الاطمئنان في المجتمع: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون - البقرة: 179). وقد حرم الإسلام أن يورد الإنسان نفسه موارد الهلكة أو يحملها فوق طاقتها ونهاه عن قتل نفسه: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا أَبَدًا»..
وفيما يتعلق بالمال أمر بالكتابة والإشهاد والعدالة وتحديد الأجل ومراقبة الله وتأدية الأمانة، فرأس المال جبان ولا يطمئن إلا بالأمان والقضاء على مثيري القلاقل، ولا أقوى من حكم الله ورسوله. وتطبيق الشريعة من شأنه أن يخيف من تسوّل له نفسه أن يعمل بمثل عملهم، ومن المعلوم أن النفس لا تنتج عملا في جو مضطرب، وقد أمر المسلم أن يحصن ماله بالزكاة وليس بدفع أقساط التأمين.ولو تأملنا الأحكام التفصيلية لعلمنا كيف يتم تأمين النفوس من التأثيرات الخفية كالسحر ووساوس الشياطين بالمعوذتين وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة، والرضا والقناعة بما قسم الله، والأمن الأخلاقي المذكور في أحكام الاستئذان والحجاب، والأمن الصحي المتمثل في زيارة المريض والرقية والتداوي بالمباحات، وأمن العقيدة المذكور في مثل قوله سبحانه: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، والأمن الأسري الذي دلت عليه عشرات النصوص مثل: (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما) و(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبى وقاص: «إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير لك من أن تذرهم عالة يتكففون الناس».
إن الأمن يحدث بالإيمان والتوبة والمجاهدة والتوكل على الله وبالتزام كل أوامره جل وعلا وكل آداب شرعه لأنها مبعث للأمن والراحة والاطمئنان في الحياة وبعد الممات، والإعراض عن ذكره سبحانه هو مبعث الخوف الحقيقي (أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) وأمر الله سبحانه وبأسه الشديد لا يمنعه أجهزة الإنذار المبكر ولا الجيوش الجرارة، ولا كل مظاهر الأمن المادي، ومن تأمل بعين بصره أدرك حتما لا محالة أن الإيمان هو سبيل تحقيق الأمن والأمان في الدنيا والآخرة، للأفراد والدول والجماعات، فهيا نصبغ أنفسنا بصبغة الله (ومن أحسن من الله صبغة) نحن في أمسّ الحاجة إلى التعاون والإخلاص والنقد البناء والنصيحة والنهي عن المنكر ومحبة ولي الأمر ومحاربة الفساد والتصدي له وعدم تسليم عقولنا للمحرضين والذين يريدون الفوضى. ولا تفسدوا في الارض بعد إصلاحها. وندعو الله دوما لوطننا الغالي ان يحفظه ويرعاه ويسوده الاستقرار والأمن والأمان في قيادة طيبة كريمة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أسباب تحقيق الأمن
من جانبه، قال د.فيصل علوش العتيبي: الأمن نعمة شرعية وضرورة حياتية، إذ لا حياة ولا استقرار واطمئنان بدون وجود الأمن، بل لا يمكن للمسلم أن يعبد ربه على الوجه الأكمل إلا بوجود الأمن، ولذا امتن الله على كفار قريش بنعمة الأمن فقال تعالى: (الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف - قريش: 4).
وهناك أسباب وبواعث من حرص على توافرها أمّنه الله في نفسه ومجتمعه وبلده ومن قصر فيها أو في بعض منها سلب الله منه شيئا من هذه النعمة العظيمة، فمن الأسباب الجالبة للأمن:
1 - توحيد الله وحده والبعد عن الشرك. فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم - الأنعام: 82)، شق ذلك على المسلمين، فقالوا: يا رسول الله، أينا لا يظلم نفسه؟ قال: «ليس ذلك، إنما هو الشرك، ألم تسمعوا ما قال لقمان لابــنه وهــــو يعـــظه: (يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم - لقمان: 13)». رواه البخاري ومسلم.
2 - طاعة الله تعالى والبعد عن الذنوب والمعاصي وعدم المجاهرة بها. قال صلى الله عليه وسلم: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب» وقال: «ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي، ثم يقدرون على أن يغيروا، ثم لا يغيروا، إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب». رواه أبو داود.
3 - شكر الله على جميع نعمه الظاهرة والباطنة الدينية والدنيوية، قال سبحانه: (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون - النحل: 112).
4 - طاعة ولاة الأمور ولزوم جماعة المسلمين، فبها يستتب الأمن. قال صلى الله عليه وسلم: «السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة». متفق عليه.
5 - إقامة الصلاة على وجهها وإيتاء الزكاة المفروضة وإقامة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال عز وجل: (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور - الحج: 40، 41).
هذه بعض الأسباب الجالبة للأمن حق لمن عمل بها وقام بشأنها سواء كان فردا أو مجتمعا أو بلدا أن يرزقه الله الأمن بمقدار ما أقام من هذه الأسباب.
أسأل الله أن يعيننا جميعا على القيام بأمره والعمل بشرعه، وأن يديم على بلادنا الكويت نعمة الأمن والأمان والاستقرار والرخاء إنه ولي ذلك والقادر عليه.