بيروت ـ يوسف دياب
نظمت وزارة العدل اللبنانية، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والاتحاد الأوروبي والحكومة السويسرية، «منتدى العدالة» الذي أقيم في القاعة الكبرى لمحكمة التمييز في قصر العدل في بيروت، تحت عنوان «استقلالية السلطة القضائية ودعمها».
غير أن رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود كان نجم المنتدى، حيث أطلق صرخة مدوية، حذر فيها من «تدخل المرجعيات السياسية في عمل القضاء، وهو ما أوصل العدالة إلى الوضع القائم حاليا»، مؤكدا أن «كل مرجعية تريد قضاء على قياس مصالحها».
وإذ دعا إلى «الإسراع في إقرار قانون استقلال القضاء الذي تتقاذفه الحكومة والمجلس النيابي»، سأل عبود «لماذا الوضع القضائي على ما هو عليه؟»، وأجاب سريعا «عدم إقرار التشكيلات القضائية الشاملة (التي رفض توقيعها الرئيس السابق ميشال عون) والجزئية من قبل السلطات المختصة»، وقال «لا قضاء مستقلا وفاعلا من دون تحسين وضع القضاة ماديا ومعنويا، والاهتمام بوضع المساعدين القضائيين».
وأضاف «لقد أثبتت التجربة أن السلطات والمرجعيات السياسية لا ترغب على العموم بوجود سلطة قضائية مستقلة، وإن كلا منها يريد قضاء على قياسه وقياس مصالحه، وقد نجحت هذه المرجعيات في إيصال القضاء إلى وضعه الحالي الذي نسأل عنه اليوم»، معتبرا أن «النهوض بالقضاء واستعادة دوره لا يتحقق إلا بتعاون حقيقي بين السلطات الدستورية بالتعاون مع المجتمع المدني، ومساعدة الدول الصديقة للبنان».
وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري الخوري الذي شارك في المنتدى، لاحظ أن «العدالة تقوم على تشريعات تعززها وتساعدها على تحقيق غاياتها»، ورأى أن «أهمية المنتدى تكمن بأنه يلاقي القضاء في توقه الدائم إلى التطور»، وقال «وزارة العدل لم تتأخر يوما عن إطلاق المبادرات والتعاون مع مؤسسات لبنانية ودولية للدفع نحو قيام إصلاحات في العدالة تشكل أسس بناء دولة القانون».
وفي استياء واضح من انتقاد رئيس مجلس القضاء للتدخلات السياسية، شدد رئيس لجنة الإدارة والعدل النيابية النائب جورج عدوان على أن «استقلالية القضاء ليست موضع نزاع ما بين أهل السياسة والقضاء، وأنه لا حرب سياسية بوجه استقلال القضاء».
ولفت في كلمة له إلى أن «المعركة الحقيقية قائمة بين السياسيين الأوادم والسياسيين الزعران، كما أنها معركة بين القضاة الأوادم والقضاة الزعران»، ورأى عدوان أن «السبب الأساس لما وصلت إليه الأوضاع هو تفكك الدولة وتحللها، بدءا من الفراغ في رئاسة الجمهورية وغياب الحكومة الدستورية والشغور في مراكز حساسة حتى داخل القضاء».
من جهته، رأى رئيس مجلس شورى الدولة القاضي فادي إلياس أن «استقلالية السلطة القضائية تشكل أهم ركائز قيام دولة القانون، وتكريس مبدأ الفصل بين السلطات الدستورية»، معتبرا أنه «لا حرية في لبنان للأفراد والمجتمع إلا بسلطة قضائية مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، كما أن هذه الاستقلالية لا تتحقق من دون توفير حياة كريمة للقاضي وعائلته».
ودعا القاضي الياس إلى «إقرار قوانين تحصن القاضي من التدخلات وتضعه أيضا تحت المحاسبة في حال الاخلال بواجباته»، وطالب بإقرار قانون «يحول دون تولي القاضي أي منصب سياسي خلال وجوده في القضاء».
أما الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة في لبنان محمد صالح، فلفت إلى أن «الشعب اللبناني يواجه تحديات غير مسبوقة، ويحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى سلطة قضائية مستقلة، من هنا تأتي أهمية دعم الأمم المتحدة للقضاء اللبناني»، وقال سيقوم البرنامج إلى جانب الاتحاد الأوروبي وحكومة سويسرا بـ «تأمين الدعم الكافي لإصلاح نظام العدالة في لبنان»، فيما عبرت سفيرة الاتحاد الأوروبي في لبنان ساندرا دو وال عن «اهتمام الاتحاد بترسيخ سيادة القانون رغم الظروف الصعبة التي تواجه القضاء في لبنان».
وأكدت في كلمة ألقتها في المنتدى على «ضرورة تفعل القضاء لاستعادة ثقة الناس به»، وتابعت «نحن مستعدون للقيام بالمزيد من الدعم إذا شرعت الدولة اللبنانية بعملية إصلاح كاملة، لاسيما إقرار قوانين استقلال القضاء والبدء بإصلاحات بنيوية بكل شجاعة».