لم يهدأ القتال ولا القصف المدفعي والغارات الجوية حتى في وقت السحور ولا في اليوم الأول من شهر رمضان في قطاع غزة المهدد بالمجاعة، واستمرت أعداد القتلى بالارتفاع مع وصول العشرات منهم إلى المستشفيات، وفق وزارة الصحة التابعة لحركة حماس.
ورغم تكرار الدعوات إلى وقف الحرب، ما زالت إسرائيل تتمسك بخطتها لاجتياح مدينة رفح الجنوبية حيث يتكدس 1.5 مليون من النازحين في ظروف كارثية.
وقال عوني الكيال (50 عاما) النازح في رفح لوكالة فرانس برس «بدأ رمضان حزينا ومتشحا بالسواد وطعم الموت والدم وأصوات الانفجارات والقصف. سمعت صوت المسحراتي وهو شاب متطوع يجول بين الخيم واستيقظت في خيمتي البسيطة وصرت أبكي على حالنا».
ويضيف «فجأة سمعت دوي القصف. ضربوا بيتا بحي الجنينة، ورأيت سيارات الإسعاف تنقل شهداء وجرحى».
وقالت وزارة الصحة في القطاع إن غارة استهدفت وقت السحور منزل عائلة بركات في حي الجنبية برفح وخلفت أربعة قتلى بينهم ثلاث نساء وعدد من الجرحى.
رمضان حزين
وفيما يخيم شبح المجاعة الوشيكة على القطاع المحاصر الذي يعاني معظم سكانه من نقص الماء والطعام والوقود، وفق الأمم المتحدة ومقاطع فيديو وروايات يومية من القطاع المدمر، أعلنت وزارة الصحة التابعة لحماس إن عدد الذين توفوا نتيجة «سوء التغذية والجفاف» ارتفع إلى 25.
وقال المتحدث باسم وزارة الصحة أشرف القدرة إن «عشرات الأطفال يتوفون أسبوعيا بسبب سوء التغذية والجفاف من دون أن يصلوا المستشفيات».
وقال جمال الخطيب في رفح «لا يوجد أصلا طعام، فكيف سنفطر في رمضان؟ كيف سنفرح ولا مأوى ولا كهرباء ولا ماء والأسوأ لا شيء على مائدة السحور أو الفطور في خيام النازحين المنكوبين».
وقال أحمد خميس (40 عاما) «رمضان حزين جدا هذا العام.. لا طعم له. حرب قذرة ودموية، حرب إبادة، ولا طعام ولا شراب».
وسيحرم «مئات آلاف» الفلسطينيين من أداء صلاة التراويح، بحسب وزارة الأوقاف في غزة. وقال المكتب الإعلامي لحماس إن الجيش الإسرائيلي استهدف «أكثر من 500 مسجد، بينها 220 مسجدا هدمها بشكل كلي، و290 مسجدا بشكل جزئي وصارت غير صالحة للصلاة».
في الأثناء، تشارك دول عربية وغربية كل يوم تقريبا منذ أسابيع بإلقاء طرود غذائية ومساعدات طبية على قطاع غزة بالمظلات.
لكن الأمم المتحدة ترى أن عمليات إلقاء المساعدات جوا وإرسال المساعدات من طريق البحر، لا يمكن أن تحل محل الطريق البري.
وصباح اليوم السابع والخمسين بعد المئة للحرب، أفادت وزارة الصحة في القطاع عن 67 قتيلا و106 جرحى سقطوا أمس، وقالت الوزارة إن العديد من الضحايا ما زالوا تحت الركام وفي الطرق، واتهمت الجيش الإسرائيلي بمنع طواقم الإسعاف والدفاع المدني من الوصول اليهم.
لترتفع بذلك «حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 31112 شهيدا و72760 إصابة منذ السابع من أكتوبر، 72% منهم من الأطفال والنساء» بحسب الوزارة.
وقال مكتب الإعلام الحكومي التابع لحماس إن الجيش الإسرائيلي «شن أكثر من 40 غارة جوية» ليلا طالت مناطق في خان يونس (في جنوب القطاع) وحي الزيتون وتل الهوى بمدينة غزة. واستهدف القصف المدفعي المكثف مناطق في شرق رفح في أقصى الجنوب على الحدود مع مصر.
وقالت قناة «الجزيرة» إن قوات الاحتلال نسفت أحياء سكنية كاملة بمنطقة القرارة بخان يونس جنوب قطاع غزة، حيث كانت هذه المنطقة الأكثر اشتعالا خلال الفترة الماضية، اذ تعمدت القوات الإسرائيلية بتدمير المنازل ونسفها.
وقال الجيش الاسرائيلي من جانبه إن قواته تخوض «في وسط قطاع غزة مواجهات قريبة وتستعين بالقناصة وبالضربات الجوية». وأضاف «نفذت القوات مداهمات مستهدفة عددا من المساكن» مشيرا إلى «اعتقالات والعثور على أسلحة وذخائر».
تسريع المفاوضات
وبعد فشل مفاوضات التهدئة التي كان يأمل أن تسفر عن هدنة مع حلول شهر رمضان، اتهمت إسرائيل حماس «بالتشبث بمواقفها وعدم إبداء اهتمام بالتوصل لاتفاق وبالسعي إلى إشعال المنطقة خلال رمضان».
في المقابل، حمل رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية إسرائيل مسؤولية الفشل في كلمة ألقاها لمناسبة حلول رمضان.
وقال «أي اتفاق يجب أن يكون شاملا... وبضمانات دولية... إذا تسلمنا من الإخوة الوسطاء موقفا واضحا من الاحتلال بالتزامه الانسحاب ووقف العدوان وعودة النازحين، فنحن جاهزون لاستكمال حلقات الاتفاق وأن نبدي مرونة في قضية التبادل».
وقال مصدر مطلع على المفاوضات التي تشارك فيها الولايات المتحدة ومصر وقطر كجهات وسيطة، إنه «سيتم تسريع الجهود الديبلوماسية في الأيام العشرة المقبلة» بهدف محاولة التوصل إلى اتفاق خلال النصف الأول من رمضان.
شد الرحال
إلى ذلك، أكد خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري أن أجواء العبادة في المسجد الأقصى يجب أن تكون دون تنغيص وعرقلة وتوتر.
وحذر عكرمة من مفاجآت إسرائيلية خلال شهر رمضان المبارك، داعيا إلى شد الرحال إلى المسجد.
وأضاف صبري: «في رمضانات السنوات السابقة، كان هناك افتعال مشاكل وتوترات من قبل سلطات الاحتلال، لأنه لا يريد أن يشاهد عشرات الآلاف يحتشدون في الأقصى، ولكننا نؤكد على أن رمضان هو شهر العبادة المميزة من قبل المسلمين وينبغي أن تكون أجواء العبادة مهيأة لهم دون تنغيص ودون عرقلة ودون توتر».
واعتبر خطيب الأقصى أن الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية تخضع للتطرف، لأن الجماعات المتطرفة أصبحت مسؤولة في الحكومة.
في هذه الأثناء، توسع الخلاف بين حكومة بنيامين نتنياهو والإدارة الأميركية، حيث قال رئيس الوزراء الاسرائيلي في مقابلة مع صحيفة بوليتيكو إن الرئيس الأميركي جو بايدن «مخطئ» في اعتقاده أن سياسته لا تحظى بتأييد الإسرائيليين.
وتعليقا على قول بايدن إن نتنياهو «يضر إسرائيل أكثر مما ينفعها»، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي «لا أعرف بالضبط ما الذي كان يقصده الرئيس، لكن إذا كان يعني بذلك أنني أتبع سياسات خاصة ضد الغالبية، ضد رغبة غالبية الإسرائيليين، وأن هذا يضر بمصالح إسرائيل، فهو مخطئ في كلتا الحالتين».
وأضاف «أولا، أنا لا أتبع سياسة خاصة، هذه سياسة تدعمها غالبية ساحقة من الإسرائيليين. إنهم يؤيدون الإجراء الذي نتخذه لتدمير ما تبقى من كتائب حماس الإرهابية. يقولون إنه بمجرد أن ندمر حماس، فإن آخر شيء يجب أن نفعله هو أن نضع في غزة - أن تتولى المسؤولية في غزة - السلطة الفلسطينية التي تعلم أطفالها عن الإرهاب وتمول الإرهاب».