(شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) فهو شهر مبارك وفرصة للتغيير وتهذيب النفس الإنسانية، وتطهير القلوب.. فكيف تتأدب النفس ويحيا القلب بالصيام؟
في البداية، يوضح لنا د.احمد الملا كيف نجعل من رمضان فرصة لتهذيب النفس، فيقول: أخي القارئ الكريم إن رمضان قد اقترب، وبلوغه أمنية يتمناها كل مسلم، وتحقيق الغاية من الصوم فيه هو المطلوب (لعلكم تتقون)، غير أن رمضان كما لا يخفى عليكم مدرسة تربي المسلم، وتهذب أخلاقه، وتقوي إيمانه، فهل نكون فيه من جملة المستفيدين في زيادة الإيمان، وإصلاح الحال، استعدادا للرحيل والانتقال؟ فالموت يتخطف الناس من حولنا، ولا ندري متى نغادر. والواجب على كل مكلف، أن يكون على أهبة الاستعداد، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون - آل عمران: 102).
وعلينا، عزيزي القارئ، أن نعود أنفسنا على الصبر، والحلم وكظم الغيظ لترتفع درجاتنا وتتهذب أخلاقنا، علينا أن نغير سلوكنا، فرمضان شهر التغيير، نهاره صيام، وليله قيام، اسع لمجالس العلم والذكر، واترك مجالس اللهو واللغو، فشهر رمضان ضيف خفيف سريع الانتقال، فلا مجال للخمول فيه والكسل، بل نشاط في الطاعة والعبادة والشكر والانابة، علينا أن نتعفف عن كل ما هو قبيح، ونحفظ صومنا عن كل مسيء، فاستعدوا عباد الله لرمضان من اليوم قبل الغد وجددوا النية والعزم لتكون من المقبولين الفائزين.
اللهم بلغنا رمضان، وتقبله منا يا كريم يا منان.
خصوصية عظيمة
ويضيف الشيخ صالح الغانم: الحمد لله الذي شرع لعباده من المواسم ما فيه صلاح قلوبهم وطهارة نفوسهم، وكل ذلك بحكمة بالغة وشريعة ميسرة تؤدب النفوس ولا ترهق الاجساد. وإن الصيام في شهر رمضان المبارك فرصة عظيمة لتأديب النفوس وترويضها لطاعة مولاها ومالك أمرها، «فكل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به»، كما صح في الحديث القدسي.
وما ذاك كما يقول العلماء إلا لخصوصية عظيمة للصوم ألا وهي السرية الحقيقية لهذه العبادة التي لا يطلع عليها إلا الله سبحانه وتعالى. فالمسلم الذي اعتاد كل يوم أن يطعم ما يريد صباحا ومساء مكلف بأن يمتنع عن الطعام منذ الفجر إلى مغيب الشمس، وهذه بلا شك فيها حرمان لمألوفات النفس بما اعتادته من الطعام والشراب وحظوظ النفس من النكاح المباح، وهذا الامتناع تصحبه مشقة محسوسة عندما يشتهي الإنسان طعاما وشرابا وغير ذلك ولكنه سيطر على نزوات النفس ابتغاء مرضاة الله وكفى بذلك العمل وسيلة لتأديب النفس وترويضها امتثال أمر الله تعالى المحقق لها مصلحتها وطهارتها.
والذي يرى الحكم الجليلة للصيام يعلم تمام العلم أن هذه العبادة شرعت من قبل الحكيم الخبير، الذي لا يشرع لعباده إلا ما فيه صلاحهم في الدارين.
ولو أردنا أن نستقصي حكم الصيام لأعيتنا الحيلة ويكفي ما نراه من اجتماع الأمة الإسلامية على قلب رجل واحد في اتباع سنة المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه، وتدبر سنته وسيرته العطرة وما كان عليه من الزهد والتقلل من حطام الدنيا الفانية وما نقل عنه صلى الله عليه وسلم من اجتهاد في صيام النهار وقيام الليل ومدارسة كتاب الله تعالى، وما يشعر به الصائم من رقة وخشوع وإحساس بمعاناة الفقراء والمساكين وما يجده الصائم من قوة نفس لسيطرته على نزوات البدن والاستشفاء من الامراض المتسببة عن التخمة، كل ذلك يحدو بالمسلم ليغتنم أيام وليالي شهر رمضان في التقرب إلى الله بالدعاء والاستغفار وقراءة القرآن وصلة الرحم وقيام الليل وتعهد الفقراء بالزكاة والصدقة،
نسأل الله تعالى أن يجعل هذا الشهر مباركا على أمة الإسلام.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ضبط النفس
ويضيف الباحث الشرعي خالد العبدالله: الصيام في رمضان ينمي في الشخص الشعور الحقيقي بالانتماء للمجتمع، ويعزز مشاعر الأخوة والمساواة، وذلك لأنه عندما يصوم الناس يشعرون أنهم يشاركون المجتمع الإسلامي هذا الواجب وهذه الطريقة وفي الوقت ذاته وللأهداف ذاتها.
ومن إيجابية أموره الانعكاسية على الفرد أنه يصفي ذهن الفرد الصائم ويخصصه للعبادات، وكذلك تطوير قدراته على التكيف، ويساعدنا الصوم في رمضان على اتقان فن التكيف مع الظروف وإدارة الوقت، ويمكننا بسهولة فهم هذه النقطة عندما ندرك أن الصيام يجعل الناس يغيرون مجرى حياتهم.
والصيام هو مؤسسة لتحسين الشخصية المعنوية والروحية للإنسان، والغرض من الصوم هو المساعدة على تطوير ضبط النفس، ويزرع فينا مبدأ الحب الصادق، لأننا عندما نقوم بالصيام، نقوم بذلك من محبة عميقة لله.